23 ديسمبر، 2024 11:01 ص

أبو الفقراء موسم المصائب

أبو الفقراء موسم المصائب

كثيراً ما كان يذكر لي والدي مقولة كان يختار لها هذه الأيام الحارة فرصة ليرددها على مسامعنا و هي ( الصيف هو أبو الفقراء ). و لمن لا يعرف من هم الفقراء قال صاحب معجم المسحوقين إن الفقراء أسم يطلق في العراق على كل
من لم يحالفه الحظ في أن يكون من سكان المنطقة الخضراء أو لم يحضا بابن عم يعمل حماية لوزير أو قيادياً في أحد الأحزاب الحاكمة. أو كانت عنده عزة نفس تمنعه من التملق لمسؤول ما، وكان المبرر لينال الصيف منزلة الأبوة للفقراء هي كونهم لا يهمون في هذا الموسم بكثرة ونوع ملابسهم كما في موسم الشتاء الذي يحضى بتقدير اصحاب البدلات والربطات . فيرتدي الفقير في الصيف أبسط ما يجدون و لا يتكلفون ترميم ما تبقى من بيوتهم المتهرئة و سد منافذها فالعراء هو ما يبغون , لهذا كان أبي و أمثاله يفرحون بمجيء الصيف ضيف خفيف الظل كما ترخص فيه أسعار الفواكه التي يتحسر عليها ابنائهم ويمكنهم من إضفاء فرحة مؤقتة لهم, و لكن مع التغيرات التي طرأت على العراق تغير فيه الكثير من الأمور التي كنا نعتقد أنها ثابتة لا ينال منها الزمن و لا تغيرها المحن فاختلت الموازين و ذابت القوانين و تسممت المفاهيم و منها هذه المقولة التي بقيت أحدى الذكريات التي أستجمعها في صندوق حكايات العراق القديم ، فالصيف لم يعد أباً للفقراء و أنما أصبح زائراً غير مرغوب فيه منذ إطلالة أول أيامه الحمراء الساخنة يدخل الفقير في دوامة من المحن التي لا تنتهي و المصائب التي لا تنجلي يحبس فيها أنفاسه تحت صفيح ملتهب من ارتفاع كبير بدرجات الحرارة التي تصل الى درجة الغليان و نهار لا يكاد ينتهي و التي تميز بها مناخ العراق فقدره أن تدوم عليه النيران من كل حدب و صوب و الذي غزاه التصحر من الجنوب و الجفاف من الشمال لتزيد من كثرة الفلاحين المهاجرين أو المهجرين لريفهم ليتركوه فريسة سهلة بيد الصحراء التي تلتهم أراضيهم بعد أن تركتهم حكومتهم بلا معين و إختصت هي وحدها باللون الأخضر لمنطقتها
،و تركت اللون الأصفر لأراضيهم و وجوههم و أحلامهم .
و لا تنتهي معاناة الفقير بالانقطاع المزمن للكهرباء التي عجز عباقرة و سياسي الحكومات المتناوبة على رؤوسنا من أن يجدوا لها حلاً حتى استعانوا بالمنجمين و السحرة و أبو مراية و أستنزفوا كل طاقاتهم الذهنية و المادية و الجنسية دون فائدة تذكر هم يدعون الله أن يساعدهم و يوفقهم لحكومات قادمة قد يجدوا حلاً لهذه المعضلة, و بما إن هذه المشكلة تتشعب منها عدة مشاكل أخرى لأن عليك أن تلجأ الى البديل وتقع تحت رحمة أصحاب المولدات وأسعارهم التي تستنزف جزء من راتبك الموزع مقدماً على الدائنين ومطالب العائلة التي لا تنتهي وقوارض الحكومة التي تقرض بهذا الراتب بشتى الاتجاهات لتحيله هزيلاً لايصل الى نصف الشهر و هذه المصائب ليست عفوية فلا درجات الحرارة العالية هذه طبيعية وعفوية فلم تقترب الشمس من سطح العراق فقط لتصل الحرارة دجة الغليان ولا كانت الكهرباء معضلة عويصة لايوجد لها حل ولكن هناك من يريد أن يبقى العراق والعراقيين يراوحون في أماكنهم والعالم يتقدم ويتطور وهو يتحول الى مدين للبنك الدولي وخيره لغيره بعد أن كانت ميزانياته الانفجارية تتوزع على من يمسك بالسلطة فالمصائب في موسم الصيف لا تعد و لا تحصى و هي تترى على الفقير حتى تنسيه اسمه و أسم أبيه ، فلم يعد الصيف أباً للفقراء بل هو موسم للمصائب و دمتم
سالمين . .