ديدننا أن نصدّقَ الدجالين ونَصمَ الصادقين بالزندقة والكفر.
ديدننا أن ننساقَ وراءَ من يضحكُ علينا ويستخفّ بعقولنا
أن نسيرَ وراء من يُضحكنا، من يدغدغ عواطفنا الفطرية البدائية الساذجة.
وأن نُعرض عمّن يضعُ إصبعه على جرحنا النازف دائما وأبدا.
ديدننا ألا نقبلَ لواع منّا أن يحرّكَ ساكنا ولا يرجرجَ راكدا ولا يكشفَ قُرحا ولا جُرحا ينهش لحمنا ويعتاش على عظامنا.
ديدننا أن نسيرَ كالقطيع
أن نرددَ كالببغاء
ألا نجادلَ، ألا نمحّصَ، ألا نعترضَ، ألا نتنوّر.
ألا نكشف عيبا مستورا ولا نهدّ سقفا منخورا.
كدولاب الناعور نحن
كقائد الناعور نمشي: مغطّى العينين مسّلما ناصيته مستسلما للذبح والمصير.
تأملوا تاريخنا القديم والمعاصر.
اقرأوا ما قال ” الزنادقة ” وتأملوا ما قال ” أولو الرأي والفتوى “.
رمي المعري بالزندقة ووصم بالكفر وهو من يقول:
توهمتَ يا مغرورُ أنّك ديّنٌ // عليّ يمينُ الله ما لك دينُ
تسيرُ إلى البيتِ الحرامِ تنسّكا// ويشكوكَ جارٌ بائسٌ وخدينُ
وهل يقول أيّ منا غير هذا القول؟
المعري عاش قبل ألف سنة والحال هي الحال
ألف سنة بلا اعتبار. بلا إصلاح. بلا تفكّر. بلا تدبّر.
ألف سنة من السير على خواء. لا نحن للأرض ولا نحن للسماء.
ألف سنة ومثلها ألف وألف من الصوم والصلاة والحج، ولا عائد ولا مردود غير الكوارث والنكبات تترى على الرؤوس. وغير البغضاء والحسد والكذب والتنابز والتعالي وظلم الأهل.
لنعد إلى فلسفة الصوم
والغرض من الصلاة
والمطلوب من الحج
ولنخرج بالمحصلة.
نذهب إلى صلاة الجمعة الجمعة تلو الجمعة ولا نسمع إلا حضا على التآلف ودعوة إلى مساعدة الجار والعطف على اليتيم. ولا نسمع إلا حثّا على عمل المعروف والنهي عن المنكر. مع ذلك نخرج من صلاتنا وكأنّ شيئا لم نسمع. وكأنّ قولا لم يخرج من فم هؤلاء الأئمة الذين يجتهدون الجمعة تلو الجمعة في تكرار قديم وقول مطروق. هم قبل غيرهم يعرفون ألا فائدة من الدرس ولا جدوى من الموعظة.
نحن طلاب غير نجيبين. غير مجتهدين. غير دارسين.
نأتي إلى المدرسة الكبرى لكي يقال عنّا بأننا طلاب. لكي نعفى من الخدمة العسكرية. لكي ” نمشّي” أمورنا إلى حين، لكي نحمل بطاقة التعريف واللقب.
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا // فلا ديننا يبقى ولا ما نرقّعُ
……………………
أمسِ كنتُ بين أن أنفجر ضحكا أو أن أنفجر قهرا.
شاهدتُ مقطعا مصوّرا لسيّد من ” السادة العلماء الأعلام ” وهو يقصّ على جمهوره قصّة ” حقيقية “. عن رجل نُكب في ماله ثمّ اغتنى بفضل تقواه.
لا اعتراض على القصّة إلى الآن.
لكن. أتعلمون كيف اغتنى؟
أتدرون كيف ” رزقه الله ” وهو في غيابة السرداب؟
لقد ” وضع الله آيات قدرته في أضعف خلقه “.
أرسل له فأرا. خرج عليه الفأر وهو في سردابه ومعتكفه. أتاه الفأر يحمل بين أسنانه قطعة ذهبية رمى بها إليه. ثم اختفى في جحره ليعود بقطعة أخرى وأخرى وأخرى قبل أن يختم مهمته ” الإلهية ” بأن جاء للمحظوظ المرزوق بكيس ليضع فيه دراهمه الذهبية. لم ينسَ الفأر المهذب حتى الكيس.
…………..
أبو علاء، الذي يحرّك ساكنا ويكشف حالة بائسة ويزيح الغطاء عن قرح وجرح وعفن وفساد، زنديق
وهذا، الذي يخدّر و ” يقشمر ” ويقطع كلّ عرق تفكير وتأمل ومراجعة، هو ” عالم علم ” و ” إمام و حجّة”.
فهل بعد هذه الحجة من حجّة؟
وهل بعد محنتنا من محنة؟