ستنتهي داعش في العراق.. وستترك بعدها تغييرات كثيرة مختلفة ومعقدة بُدءاً من ذات الفرد نفسه.. سواء أكان رجلاً أم امرأة.. شاباً أم شابه طفلاً أم طفلة.. محملين بذكريات مؤلمة لا يمكن للأيام والسنيين أن تمحوها.. لا من الذاكرة ولا من الواقع.. إذ ستؤثر بشكل مباشر على توافقهم النفسي والاجتماعي.. وعلى عدم قدرتهم على الاندماج بالحياة ..
ولا يمكن تحديد عدد النساء العراقيات اللائي اغتصبهنً الدواعش.. أو عدد الأطفال الذين وُلدوا بعد أكثر من سنتين على تلك الأفعال التي لا تقرها كل الأديان السماوية ولا الإنسانية ؟ وعلى عدد الأطفال الذين جندهم داعش.. لكن يمكن أن نخمّن عدد النساء وعدد الأطفال تقريباً.. عند الحديث عن سقوط مدن في يد داعش منذ أكثر من سنتين ..
ـ مئات النساء العراقيات (ايزيديات .. مسيحيات .. مسلمات).. اغتصبنً بكل أشكال الاغتصاب البربري من قبل داعش.. بعضهنً أخذنً سبايا.. وبعضهن اغتصبنً تحت تهديد السلاح.. أو تحت يافطة جهاد النكاح.. الكثيرات منهنً اغتصبت الواحدة من قبل أكثر من رجل من الدواعش في اليوم الواحد.. بعضهنً تم بيعهنً بأسواق النخاسة لدواعش آخرين.. مئات الأطفال أجرى داعش لهم عمليات غسيل دماغ.. والكثير جندهم للقتال والتفجير ..
للمرة الثانية يحدث هذا في العراق.. المرة الأولى: عندما سيطرت القاعدة على بعض المدن العراقية أثناء احتلال الجيش الأميركي للعراق.. والمرة الثانية على يد الدواعش أثناء احتلال الموصل والرمادي وصلاح الدين وبعض المناطق في كركوك وديالى ومحيط بغداد في حزيران 2014.. حيث اغتصبت النساء ..
مضت الأيام والأشهر.. وهنً يعشنً أسوأ حياة الرق والعنف والمهانة والذل.. بعضهنً حملنً.. وبعضهن ولدنً.. وأخريات بالانتظار.. بعضهنً رجعنً حوامل من أسر وعبودية داعش.. بعضهن كنً باكرات.. حين تمً سبيهنً.. وبعضهن انتزعنً من أحضان أزواجهنً ..
سعى معظمهنً الى المخاطرة بحياتهنً لإجهاض الجنين.. رغم إن الإجهاض يعدُ جريمة في القانون العراقي.. وبعضهنً انتحرنً وتخلصنً من حياة مجهولة.. لكن بالتأكيد تركنً خلفهنً أطفالاً كثراً غير شرعيين مع أمهاتهم المغتصبات المريضات نفسياً.. وقد يكنَ منبوذات اجتماعياً ..
السؤال الملح بعد تحرير العراق من الدواعش : كيف ينظر المجتمع والدولة الى هؤلاء الأطفال؟ وكيف سيتم التعامل معهم.. وهم بلا آباء ولا أوراق رسمية في السجلات الحكومية ؟ والأكثر تعقيداً: كيف سينظر المجتمع البدوي العشائري الى هؤلاء الضحايا أطفالاً ونساءً ؟.. والسؤال الأخطر : ما مستقبل هذا الجيل ؟
ـ إذن العراق أمام جيل غريب.. جيل لا يُعرف أي منهم أسم أبيه.. لكن هذا الجيل سيعد (مسلماً).. لان كل مجهول النسب (غير معروف الأب) يعدُ مسلماً.. طبقا لنص المادة 45 من قانون رعاية الأحداث.. يا لمهزلة قوانيننا !!
ـ من سبى الايزيدية أو المسيحية ؟ داعشي (مسلم) ؟.. ومن اغتصب الايزيدية أو المسيحية أو المسلمة ؟ داعشي (مسلم) أيضاً ؟.. ومن قتلً أهلهن ؟ داعشي (مسلم) ؟.. ومن هَجرًهم ؟
كذلك (مسلم) ؟.. ومن دمر حياتهم ؟ أيضا نفسه (مسلم) ؟.. وستلد طفلاً يعده القانون العراقي النافذ مسلماً.. لتربيه هيً (الايزيدية أو المسيحية).. بدلاً عن المسلمين.. يا للعار.. ياللانحطاط .. يا لخسة هذه القوانين !!!!!!!!!!!
العالم والإنسانية جمعاء.. والعراقيون الشرفاء يقفون حائرين مما جرى.. ويجري لكم يا نساء العراق (الأيزيديات أو المسيحيات أو المسلمات) من ظلم مجرمين لا دين لهم.. ومن ظلم قوانين عمياء.. ومشرعين يتلاعب في عقولهم حفنة من السياسيين.. الذين لا يفهمون لا بالسياسة ولا بالقانون.. ولا بأبسط المعايير الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية ..
ـ جريمة أخرى ترتكب بحق نسائنا المغتصبات من قبل الدواعش.. ترتكب باسم القانون العراقي ؟؟ ومن قبل القضاء العراقي.. والدولة العراقية.. وهذه المرة ليس من قبل داعش .. بل من قبلنا كدولة ومجتمع وقوانين !!!!!!!!!!
ـ إذن من سيعالج هذا الظلم ؟.. من سيرعى هذا الجيل؟؟.. كيف سيعالج وضعهم الديني والقانوني والإنساني الصحيح ؟؟ ليس بهذه القوانين والعقلية ؟؟ كي لا نربي قنابل موقوتة أو جيل حاقد على العراق !!!!!!!!!!!!!!
ـ يمكن أن نضع بعض الحلول العملية: وتبقى المشكلة مستعصية تتطلب الدراسات والمؤتمرات العلمية والإفادة من التجارب العالمية المماثلة.. مثلما تتطلب جهود كل الاختصاصات العلمية.. لذا علينا أن نكونً دقيقين وواعيين بكيفية التعامل مع كل هذه الحالات الجديدة.. التي هي إفرازات واقعاً مريراً سيطرً على هذا المجتمع.. وأنتجً جيلاً غير مرغوب به لا دينياً ولا اجتماعياً ولا دنيوياً ..
ـ جيل من أمهات مغتصبات أنجبوا أبناء غير شرعيين.. غير مرغوب بهم.. لذا لابد أن نتعامل بذكاء بغية احتواء هؤلاء الأبناء ؟.. وعمل إحصائية دقيقة بأعدادهم.. وفرز من لم يكن لديهم أمهات.. أو لم يرغبون بهم.. وضمهم الى عوائلهم.. فيودعون بمؤسسات توفر لهم كل الإمكانيات المادية والمعنوية والصحية.. يشرف عليها باحثون اجتماعيون ونفسيون وأطباء.. ويفضل أن ينقلون الى مناطق أخرى.. أو الى بغداد لبناء شخصياتهم.. وزجهم بالحياة كأناس أسوياء ..
ـ أيضاً يتطلب إخضاع الأمهات المغتصبات الى برامج علاجيه نفسيه مكثفة.. لاحتواء حالاتهنً ما بعد الصدمة.. وإعادة زجهنً بالحياة.. وهذا يحتاج الى إمكانيات كبيرة بالإضافة الى تعاون المؤسسات الدولية التي تنشد احترام حقوق الإنسان.. وأيضا الاطلاع على الخبرات العالمية المشابهة.. لمثل هذه الحالات المماثلة.. وكيف تم تجاوزها ؟ وأي الأساليب التي اتبعت ومحاولة إتباعها هنا.. مثلما تعالج أوضاع الابناء قانونياً.. بقوانين جديدة حضارية تنسجم مع الواقع الجديد للعراق ..
إذن حصر الحالات أولاً.. والحاجة الى برامج علاجيه كل حسب حالته.. وهذا ما يتطلب جهود كبيرة ومتعددة الاختصاصات.. والعمل المتواصل.. وبالتنسيق والتعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة بهذا الشأن ..
مثلما لابد أن نعالج براءة الأطفال في مسلخ داعش الإرهابي على مدى أكثر من سنتين من الجوع والإرهاب والتخلف وعدم العيش بطفولة طبيعية.. بل جرى تربيتهم وفق أساليب ومناهج لا تصب في خلق إنسان سوي.. وتجنيد الكثير منهم للقتال والتفخيخ ..
هل فعلاً نستطيع أن نبدأ الخطوة الصحيحة في هذا الاتجاه ؟.. ونواصل العمل الجدي والمهني وفق الأسس الصحيحة.. سؤال كبير.. إجابته في الواقع.. وليس بالأقوال والمؤتمرات والبحوث فحسب ..
وبغير ذلك يمكن أن نشارك جميعنا كمجتمع وكمؤسسات في خلق أجيال من المنحرفين والقتلة والسراق والجريمة المنظمة ..