23 ديسمبر، 2024 4:38 ص

أبعاد المأزق السعودي (١)

أبعاد المأزق السعودي (١)

يحصل احيانا ان تتعرض الدول لظروف تجبرها لاتخاذ مواقف واتباع سياسات تكون مدروسة بعيدا عن السياقات الاعتيادية ، هذا الخروج عن المألوف اضطرارا قد يستهلك كثيرا من الوقت والجهد والمال الاضافي لكنه يجب ان يحقق أهداف محددة ليكتسب صفة النجاح.
برصد احوال المملكة منذ حرب تحرير الكويت١٩٩١ تضخم شعورها بالقوة فأصبحت اكثر استعدادا لخوض مغامرات لإثبات هذا الشعور يدفعها محدودية دور جيرانها وأفول نجم العراق ، فأصبحت المملكة ماتلبث ان تغرق بوحل جديد قبل الخروج من مستنقع سابق حتى اغرقت نفسها بأزمات تعجز عن الخروج منها ولم تحقق للآن الا اوهام النصر ، قد يكون مقبولا لحد ما الاعتداد والإحساس الواقعي بالقدرة الذاتية الا ان المبالغة بذلك له مخاطر جمة ويترتب عليه ثمن يصعب سداده، مشكلة المملكة تكمن بلعبها دور متشعب ومتضخم فهي لاتصنع ماتستخدم ولاتزرع ماتأكل ، فمعظم القوى العاملة اجنبية ، رغم ان شعب المملكة يملك من القدرات مثل باقي الشعوب التي حققت النهوض ، ولكنها سياسة مبرمجة (بتجاهل القوى المحلية) تنفذ من امد بعيد .

التشبه ولعب دور الدول الكبرى جرب فشلها طغاة ودفعت شعوبهم ثمنها لاحقا وأقرب الأمثلة (العراق وليبيا)، نعم الأموال مهمة لكنها لن تحقق كل شيء الا بتوفير مستلزمات النجاح الاخرى (خطط علمية ، قوى عاملة مؤهلة ، بنى تحتية ، عدالة وتوافق اجتماعي ، تنويع مصادرالدخل والاهتمام بالشباب) .    خلال سبعة عقود منذ القفزة النفطية بالمنطقة كانت ثروات الشعوب (وأكثرها المملكة السعودية) مفتاح حل لمشاكل اقتصاد الغرب (خصوصا أمريكا) من ناحيتي ضمان التزود بالوقود وكونها سوق مفتوح لمنتوجاتهم ، كان التعامل ينتهي لصالح الغرب (اقتصاديا ٨٠٪) (وسياسيا١٠٠٪) ، ترى هل تستحق الكراسي هذا الثمن الباهض بما فيه رهن مستقبل الاجيال القادمة .
  منذ بداية الثمانينات برز التدخل السعودي غيرالمباشر بشؤون دول اخرى، كما (بالصراع العراقي الإيراني ، جنوب السودان ، اليمن ، كشمير ، الفلبين ، أفغانستان وكوسوفو) ومن حينها أخذت أذرعها الدينية المتشددة تمتد خارج جغرافية المملكة بتاثير البترودولار لنشر الفكر المتشدد بقناع مساجد ومدارس وجامعات ومنظمات إنسانية سخرتها لهذا الغرض ، وابتزت دولا للقبول بالمنهج التكفيري مقابل مساعدات او استثمارات .
   كل ماتقدم من نشاط سياسي بغطاء ديني متشدد كان يتم بهدوء الى حين الدعم المباشر(القتالي) لفتنة العراق وسوريا بوكلاءها، ثم اليمن بالحرب المباشرة ، بوقت يصعب على دول كبرى فتح عدة جبهات قتالية بوقت واحد ، فضلا عن دورها بمحاولة اجهاض حركات شعوب تونس ومصر وتحريم (بفتوى)اي نشاط تحرري ضد الطغاة “بحجة حرمة الخروج على ولي الأمر” ، اي عملت على محاربة المظلوم وحماية الطغاة .

  معروف للمتابع ان مواقف المملكة من الأنظمة الاخرى بمثابة تنفيذ لدور مرسوم لها (حرب أفغانستان للتخلص من الوجود السوفيتي)، (تدخلها بالعراق وسوريا واليمن للحد من النفوذ الإيراني)، (تأثيرها التاريخي في سياسة لبنان بعرقلة اي سيادة حقيقية)، (دعم لإجهاض الانتفاضة المصرية)، (افشال انتفاضة ليبيا)، (احتضان روؤساء فاقدي الصلاحية)، واقتصاديا عملت المملكة على اغراق السوق النفطية وتخفيض الأسعار ٥٠-٦٠٪ منذ عام ونصف فبلغ مافاتها من واردات ١٨٠ مليار دولار (ولاتزال الخسارة مستمرة) ،  بغية الأضرار بروسيا وإيران فقط بينما المتضرر مئات الملايين من شعوب الدول النفطية بضمنهم شعب المملكة . يتبع ….