23 ديسمبر، 2024 6:34 ص

أبجديات سياسية … الإرهاب أداة سياسية

أبجديات سياسية … الإرهاب أداة سياسية

مخطئ من يظن ان الأرهاب هو وسيلة تستخدمها بعض الجماعات المتطرفة لقتل الناس الأبرياء فقط دون وجود دافع سياسي فهذا محض خيال أو محاولة للضحك على عقول الناس لأن الأرهاب هو وسيلة سياسية تستخدمها الحركات السياسية للوصول الى أهدافها وتحقيق غاياتها ومصالحها وهو اول وسيلة استخدمتها الحركات السياسة في عملها السياسي فالتصفيات والاغتيالات والهجمات العسكرية المنسقة هي اولى اشكال الارهاب التي مارستها تلك الحركات منذ القدم الى الان ولعل تاريخنا الإسلامي كان حافلا بهذا الأمر ومن اوائل العمليات الإرهابية تلك التي كانت في عهد الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد أودت بحياته وبعدها أغتال الأرهاب كل رؤوس الدولة الراشدية من بعده الا وهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم , وأستمر الأرهاب كوسيلة لتحقيق الغايات السياسية في تاريخنا الماضي الى اليوم وإذا كان في الماضي من الظروف التي قد تبرر العمليات الارهابية كون الدولة العربية الاسلامية دولة حديثة لا توجد فيها اليات الانتقال السلمي للسلطة وما الى غيرها من الاليات الديمقراطية الموجودة اليوم لذلك كانت تلك الجماعات تجأ الى العمل المسلح صحيح ان تلك الأعمال المسلحة كانت تستهدف رؤوس السلطة في حينها ولا تستهدف عامة الشعب الا ان الامر كان بسبب طبيعة الة الفتك المتوفرة في ذلك الوقت فلو ملك الخوارج مثلا القنابل والسيارات المفخخة لرأيت تاريخنا الاسلامي حافلا بتلك المآسي وليس تاريخنا الاسلامي بل حتى التاريخ الاوربي أيضا , فما هو المبرر اليوم ؟
ومع انطلاقة الدولة القومية في الدول العربية مطلع القرن المنصرم تبنت معظم التيارات القومية والتقدمية والإسلامية النهج المسلح في محاولة لفرض تطبيق أفكارها ومناهجها على المجتمع , خذ مثلا نشاط الأخوان في مصر والاغتيالات السياسية التي كان أشهرها إغتيال النقراشي باشا , الحزب الشيوعي في العراق وكفاحه المسلح , القوميون العرب والضباط الأحرار الذين قادوا حركات التمرد في كل من مصر والعراق وسوريا واليمن وغيرها وقد كانت الاحزاب السياسية تلك تعيش في مجتمع ديمقراطي .
 ان اللجوء الى العنف ايا كان نوع العنف والجهة المستهدفة منه هو إرهاب لأنه يفرض إرادة الجهة المستخدمة له على الجمع البشري بقوة السلاح , وهكذا ظلت انماط الأرهاب في دولنا العربية تتغيروتتطور وتأخذ مسارات ووسائل أخرى وذلك بسبب تطور ادوات القتل والقمع والاسلحة وتطور التكنولوجيا الفتاكة التي تكفل قتل أكبر عدد من الناس بضغطة زر واحدة بالإضافة الى أدوات القمع الحكومية للمعارضين التي ساهمت في تنمية وسرعة انتشار الأفكار العدوانية ونمو ظاهر التكفير في البلدان الإسلامية والتي كان مسؤولا عنها بالدرجة الأولى عبد الناصر عندما زج بقيادات الأخوان في غياهب السجون ومارس ضدهم أبشع أنواع التعذيب وحط من قيمتهم البشرية مما دفع هؤلاء الشباب الى اعادة النظر في موقفهم من الانظمة المتسلطة من نظرة معارض لحاكم الى نظرة مؤمن لا بد ان يقتص من كافر وهي نظرة جعلت من المؤمن هذا يستبيح اموال ودماء وأعراض الكفرة الذين ينتمون الى هذه الدولة الكافرة وهكذا .
إن عجلة الأرهاب ظلت تدور في مجتمعاتنا مع نمو حالات الأحباط المتزايد والإغتراب الذي بدأ يشعر به المواطن داخل بلده بعد أن فقد كل شيء وخسر تطلعاته في حياة رخية رخيصة وفي ظل تسلط غاشم وتسلط فرعوني عنوانه (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) .
على أي حال نحن لا نريد أن نبرر للإرهاب أفعاله ووحشيته ولكن يجب تفهم اسباب ونشأة هذا الإرهاب الأعمى في مجتمعاتنا العربية والذي وجد له غطاءا دينيا مستغلا الصراعات الطائفية والمذهبية التي تجتاح المنطقة , ان الإرهاب في العراق وسيلة سياسية إستخدمتها الأحزاب والحركات السياسية بكل أنواعها وأطيافها  وإنتمائاتها بحجة الكفاح المسلح والجهاد والتحرير وغيرها من المسميات المعروفة فالشيوعيون والاسلاميون سنتهم وشيعتهم استخدم الأرهاب والأحزاب القومية والأحزاب التقدمية كلها مارست الأرهاب بأشكال وانواع مختلفة , ولكن ما يحدث الآن في العراق هو نوع من الارهاب فريد في نوعه وبشاعته وإجراميته ووحشيته وفي أساليبه وفي أفكاره وفي خططه الهجومية وفي قدراته اللوجستية والتمويل المالي وغيرها من الأمور التي عجزت أجهزة الدولة العراقية الى الان من استصاله وهو بكل يوم يتجدد ويأخذ ابعادا جديدة حيرت المواطن العراقي والأجهزة الامنية العراقية معاً, والكل يرمي بتهمة الأعمال الأرهابية على فئتين هي فلول البعث وتنظيمات القاعدة والتي تحاول أن تسقط تجربة الحكم في العراق ولكن المتمعن في الشأن السياسي والأمني يجد ان الأمر يتعدى أجندات البعث والقاعدة الى أمر خطير أستنتجه شخصيا من طرق تنفيذ تلك العمليات الا وهي التفجيرات المزدوجة وربما اليوم أصبحت التفجيرات ثلاثية الأبعاد,  أن الارهاب كما قلنا يريد ان يوصل رسالة سياسية باعماله وافعاله الأرهابية ويكفيه ان يفجر قنبلة شديدة الأنفجار في أي مكان مزدحم ويكتفي , فلماذا هذه التفجيرات المتعاقبة التي تستغل حالة الذعر بين الناس عقب التفجير الأول وهروعهم الى جهة بعيدة عن التفجير لتفاجئهم بانفجار اخر وعندما تهرع فرق الانقاذ والشرطة والناس الذين تحركهم الغيرة والانسانية لمساعدة الجرحى وانتشال القتلى يتفاجئون بتفجير آخر , ما الرسالة التي يريد هؤلاء الارهابيون إيصالها إلينا لا أحد يعلم علم اليقين ما هي ولكن الاستنتاجات يمكن أن تسعفنا في هذا الأمر لا غيرها ؟؟!!
ان التفجيرات المتعاقبة تسعى كما قلنا الى ما هو أبعد من الأمور السياسية المعروفة بل هي تشير الى حالة من التحدي والإستهزاء بعمل الأجهزة الأمنية وإثبات وجود على الساحة مما يؤدي الى قتل معنويات تلك الأجهزة الأمنية وجعل المواطن يفقد الثقة بها فهذه الاجهزة تفقد السيطرة عند أي خرق أمني اذ تلاحظ بعد كل انفجار هستيريا اطلاق العيارات النارية التي تطلقها القوات الامنية في الهواء وربما على المارة أيضا ,ولكن الغرض الأساس برأيي من هذا النوع من التفجيرات هو إيقاع القتل في أكبر عدد من الناس والأمر لا تحركه الضغينة الطائفية البتة بدليل ان تكتيكات الأرهابيين في تفجير الأماكن السنية والشيعية هي تكتيكات واحدة ومتشابهة بل هي أقرب الى الكوبي بيست في استخدام الحاسوب نستطيع ان نستدل من خلالها ان الجهة الراعية للارهاب هي جهة واحدة تستهدف قتل أكبر عدد من العراقيين من كل أطياف المجتمع العراقي بسنته وشيعته وهي تحاول في نفس الوقت تأجيج الحقد الطائفي مرة أخرى في العراق ولكن قتل أكثر عدد من الناس لا بد له من إشارة أخرى أبعد من التحشيد الطائفي الا وهو دب الذعر والهلع بين الناس وجعل الناس ينسحبون من الشوارع الى بيوتهم وملاذاتهم الامنة في اسرع وقت وان انسحاب الناس الى الملاذات الامنة يعني بطبيعة الحال يعني تغييب دور المواطن الإيجابي في المجتمع وحصر تفكيره واهدافه في ان يبقى على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة وهذا بالفعل ما أستطاع الأرهابيون  النجاح فيها فالمواطن العراقي يعيش في هاجس أمني رهيب وهو يتوقع ان تصيده رصاصة غدر او مفخخة جبن مزروعة في الطريق ولكن من المستفيد من جعل المواظن العراقي يعيش في تلك الحالة ؟! من المستفيد من جعل المواطن العراقي يبدو أخرسا من كم الفساد الهائل الذي نهب ثرواته واطاح باماله وامال اطفاله في عيش حياة رغيدة وآمنة  ؟! من المستفيد من جعل المواطن خانعا خاضعا لأي قرار وأية سلطة وأي كانتون أمني تفرضه عليه احدى الميليشيات بهدف حمايته من عصابات الطائفة الأخرى ؟! من المستفيد من جعل المواطن العراقي عازفا عن المشاركة في الحياة السياسية بل وحتى الذهاب الى مراكز الإقتراع للادلاء بصوته ودعم حركات التغيير السياسية التي بدأت بالتشكل حديثا ؟ لاحظ ان مفوضية الانتخابات في انتخابات مجالس المحافظات العراقية العراقية لم تمدد مدة التصويت لساعة واحدة رغم الاقبال المنخفض على التصويت في حين انها كانت حريصة على تمديد ساعات التصويت في الانتخابات السابقة لضمان وجود أكبر عدد من المصوتين !! أليس هو توافق رهيب بين أجندات الاحزاب السياسية الحاكمة وجماعات التفخيخ والقتل والترهيب , يا سادتي اللعبة أمامكم مكشوفة جدا جدا ولكن للأسف لا زال جمعا كثير من الشعب يرى بأعين الادلجة والرهبنة الموغلة في التخلف واستعماء واستغباء الناس .