بات طبيعيا في العراق تخصيص حيزا مهما من خطب الجمعة للحديث في تفاصيل السياسة وأولويات وانتماءات متصارعيها ، و بلا حيادية أيضا ، ما يشكل خرقا مؤلما لطقوس مناسبة دينية مخصصة لاعادة تطهير النفوس مما يعلق بها في تزاحم متطلبات الحياة اليومية ، فيما يستحوذ ” التفكير السياسي” للأمام على تفاصيل خطبة الجمعة بما يخرجها عن مسارها المتعارف عليه في طلب الصفح والرحمة واصلاح ذات بين المسلمين، ما يستدعي اصدار فتوى عاجلة تحرم التغلل السياسي الى الجوامع.
نعرف جيدا أن دور الجوامع مخصص لتوحيد الصفوف و توسيع قنوات التسامح و العودة الى الله، و الابتعاد عن الغلو في أي ميدان، و توجيه انتقاد لخروج السياسيين عن حدود الله في حقوق العباد، بعيدا عن أي تخندق غير عراقي، لكن أن تتحول المنابر الى وسيلة للخطاب السياسي فهذه قضية أخرى، لا سيما وأن الدين غالبا ما يفرق، بينما الوطنية تزيد من توحيد الصفوف، في عراق تتوزعه ديانات مختلفة لكن بأصول عراقية.
لا ندري ما علاقة خطيب الجمعة مثلا بخلاف بين رئيسي الوزراء والبرلمان على استحقاقات سياسية،ولماذا يقف مع هذا ضد ذاك، ثم لماذا يضفون التخندق الطائفي على المناسبة، فيما الصحيح التبصر بأمور الدين والدنيا بقلب مفتوح وارادة تترفع عن الخصومة والملذات والمكافات، على حساب مشاعر مواطنين يقصدون بيوت الله طمعا في المزيد من الآمان، واذا بالخطيب يقحمهم في وجهات نظر سياسية وخلافات عقائدية وغيرها، بينما تعودنا أن يكون خطيب الجمعة أبا رحوما وحنينا و ناصحا أمينا لاشاعة العدل والأمن الاجتماعي، عكس مايحدث هذه الأيام من خلط مؤلم للدين بالسياسة.
هناك فرق كبير بين النصيحة والتدخل، فمن المنطقي أن يحث رجل الدين أصحاب القرار لانصاف العباد وتحقيق مطالبهم، لكن في المقابل ما علاقة هذا الأمام أو الخطيب بتفاهمات سياسية غير واضحة المعالم ، ولا يعرف عن اسرارها الكثير ما قد يضعه في موقف الاجتهاد في المكان غير المناسب، وهي قضية مخيفة قد يتحمل المصلون بسببها وزرا لم يرتكبوه، لأنهم سمعوا ولم يعترضوا على نبرة سياسية في صلاة الجمعة، التي من اسمها تستمد عنوانا اضافيا لقدسيتها، أنها مناسبة لتحشيد الصفوف اسلاميا وعراقيا قبل أي شيء أخر!!
أن اشد ما نخشاه هو تسرب المحاصصات والتوافقات السياسية الى بيوت الله، أو لبس عباءة الدن وبنطال السياسة في وقت واحد وهو ما يحصل في العراق حاليا، لذلك تسيس خطب الجمعة بشكل مخيف، خاصة عندما تركز دفاعها عن شريحة عراقية دون غيرها، وكأنها من حيث لا تدري تلعب دورا مؤثرا في تفريق الصفوف ، لذلك حان وقت الدفاع عن حرمة الدين و صدق الأنتماء الى العراق بعيدا عن الخصومات السياسية يرحمكم الله!! وحان وقت وقف كل نبرات التصعيد، التي تفتح علينا أبواب جهنم و تبعدنا عن الجنة!! ونبش قبور الصالحين مؤشرا خطيرا الى ما ينتظرنا من مجهول تسييس الدين!!
ونحن هنا لانحاول الاساءة الى أي رجل دين ، مثلما نحترم في عقولهم الخوف على أخوة العراقيين وحرصهم الكبير على وحدة المسلمين، ونحن هنا أيضا نبعث رسالة مودة نطالب فيها أئمتنا بمختلف مقاماتهم أن يتركوا السياسة و نفاقها و مواثيقها غير الواضحة لمن أختار التنافس في هذا الميدان، ونتمنى على المرجعيات اصدار فتوى تحرم على السياسيين لبس عباءة الدين كيفما يشتهوون أو يختارون، لأن في ذلك احتيال مبرمج على عقول المواطنين، فأما رجل دين أو سياسي، لأن وضع الرجل في المكانين فيه اساءة لحرمة بيوت الله على أقل تقدير.
ونحن في هذا المقام نوجه دعوة صادقة لاحترام مباديء الدين و حرمة دم المسلمين، وحماية كل العراقيين، بعيدا عن أي الغام عقائدية أو مذهبية وغيرها، الاسلام دين رأفة وتراحم وتسامح و تواصل، لذلك من غير المنصف زج مناسباته المقدسة لتحسين صورة هذا السياسي أو تقبيح غيره، خطب الجمعة ملاذ أمن و دعاء طاعة و مطلب مغفرة من القدير، أنها أقدس من كل ولاءات و مساومات السياسيين!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]