العراقي لا يختلف عن أبناء الدنيا , وليس من الإنصاف أن نكيل إليه التوصيفات الجائرة , كالنفاق والإزدواجية والسلبية والعدوانية والطائفية والمذهبية والقبلية والعشائرية , بل وأن الكثيرين يتحدثون عن شخصية عراقية ويلقون عليها بخصائص ما أنزل الله بها من سلطان , والمعروف أن الشخصيات البشرية بأنواعها موجودة في كل المجتمعات , والنفاق والإزدواجية وغيرها الكثير لا يخلو منها مجتمع في الدنيا.
فلماذا هذا العدوان على العراقي والعراق؟!!
هل هي مناهج تدمير وتصغير وتعضيل؟!!
منذ ألفين وثلاثة وحتى اليوم لا تجد كلاما أو مقالة أو شعرا إلا وتحتشد فيه الرؤى السلبية السيئة عن العراقي والعراق.
فما هو الدافع لهذه الشحنات العدوانية السافرة , التي ما أبقت شيئا إلا وحقنته باليأس والكراهية والأحقاد؟
ولماذا الإمعان في الغوص في المنغصات التأريخية والتفاعلية , التي لا يخلو منها تأريخ مجتمع بشري؟
فهل أن تأريخ الآخرين أرقى من تأريخينا وأقل دموية ووحشية؟!
الذين يكتبون بمداد التصورات البالية والتفاعلات القاتمة الخالية من الموضوعية والدراية والعلمية , يتوهمون بأنهم يقدمون شيئا نافعا , أو قد توصلوا إلى أسباب العلل والتداعيات , وما هم إلا كمَن يغذي النيران بالأحطاب وبالبنزين , وفي طروحاتهم تبرز التبريرية والنفقية والتسويغية والإسقاطية والحُكمية والإستلطافية لما هو قاسٍ ومرير.
فالكتابات والبحوث التي تناولت موضوع الواقع العراقي لم تساهم في دفعه بإيجابية خطوة واحدة إلى الأمام , لأنها لا يمكنها الخروج من وحل رؤاها وتصوراتها , وغير قادرة أن ترى الحالة بوضوح وتدرسها بموضوعية وحيادية , فتجد من السهل البحث في التبريرات والتعليلات الواهية.
وبإختصار شديد , المجتمعات البشرية ذات طبيعة جوهرية واحدة , وما يميزها عن بعضها ظروفها المحيطية وثقافاتها التي تشمل اللغة والمعتقد وما يتصل بها من حصيلة معرفية تتناقلها الأجيال , فلا يوجد شخصية كذا وكذا , وإنما توجد شخصية بشرية ذات مميزات سلوكية معلومة وهي قائمة في كافة المجتمعات ومتأثرة بما فيها من الثقافات.
وما يميز المجتمعات عن بعضها , وخصوصا منذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم , هو إنتهاج سبيل التفكير العلمي , فالمجتمعات التي مضت في ذلك الطريق تقدمت وإرتقت , فالصين قبل الخمسينيات لم تكن تعرف التفكير العلمي , لكنها وبقيادة “ماو” رسّخت في أجيالها آليات التفكير العلمي فنهضت كأمة ذات طاقات علمية ومعرفية تمكنت من توظيفها بنجاح باهر.
والدول الأوربية قد إتخذت هذا النهج منذ القرن التاسع عشر , ولهذا حصل التطور والثورات الصناعية والإختراعية والإبتكارية , والإكتشافات التي نقلت البشرية إلى آفاق الزمن المعاصر.
فما ينقصنا كشعب ووطن , هو التفكير العلمي , وبما أن العراق أصبح لديه على رأس الحكومة مَن يفهمونه , فمن واجبهم التبشير بالتفكير العلمي والحث على تعلمه من رياض الأطفال وحتى أعلى دائرة ومسؤول في البلاد.
وإذا تم لهما إنجاز هذا الهدف الثوري المعاصر , فأن مشاكل البلاد والعباد ستجد لها ألف حل وحل , وستنقشع الغيوم السوداء , ويكون العراق في عصره متباهيا بأبنائه , ومفتخرا بإنجازاته الرائعة.
فهل لديكم القدرة القيادية على تعليم مناهج التفكير العلمي للناس من الصغر وحتى الكِبر؟!!
فالتفكير العلمي طوق نجاة المجتمعات المعاصرة , وبلسم مشاكلها ونور صيرورتها الساطعة!!