{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
آخر جملة قالها الامام.. آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر, للطاغية المقبور صدام حسين، ليلا.. وهو في النزع الأخير؛ :”9 نيسان 1980 تذكر هذا التاريخ ياصدام”.
وفعلا صدقت نبوءة الشهيد (ق. س) إذ رأت الكرة الأرضية.. من القطب الى القطب، سقوط تمثال الديكتاتور، في ساحة “الفردوس” ضحى الاربعاء 9 نيسان 2003
والصدر مجتهد وفيلسوف.. ومؤسس حزب “الدعوة” ولد في “الكاظمية” يوم 25 ذو القعدة 1353 هـ، يتيماً تكفله أخوه الأكبر إسماعيل الصدر، الذي اهتم بتعليمه مبكرا؛ فظهرت علامات النبوغ والذكاء عليه منذ الصغر.
سيرة فقهية
أخواله محمد رضا وراضي ومرتضى آل ياسين، في العام 1365 هـ هاجر أخوه إلى “النجف” إستأجروا داراً متواضعة فيها، وكان أكبر همه هو استيعاب المناهج الدراسية والعلمية, وفي تلك الفترة وضع مؤلفا يضم اعتراضاته على الكتب المنطقية، بعنوان “رسالة في المنطق”.
أوائل السنة الثانية عشرة من عمره العطر، درس كتاب “معالم الأصول” على يد أخيه إسماعيل؛ فكان لفرط ذكائه يعترض على صاحب المعالم باعتراضات وردت في كتاب كفاية الأصول للخراساني، ومن هذه الاعتراضات أنه ورد في بحث “الضد” من كتاب “معالم الأصول” الاستدلال على حرمة الضد بترك أحدهما مقدمة للآخر؛ فاعترض: “إذاً يلزم الدور” فقال له أخوه: “هذا ما اعترض به صاحب الكفاية على صاحب المعالم”.
أساتذته
تتلمذ، على يد محمد رضا آل ياسين.. خاله، دارسا الجزء الثاني، في سلسلة الامامة الجعفرية، وعلى يد الملا صدرا البادكوبي، درس الجزء الثاني من الكفاية والأسفار الأربعة، وتلقى البحث الخارج من الامام أبو القاسم الخوئي، الذي أجازه مجتهدا، بعد ان أدرك ألمعيته، مرجعا طلابه إلى الصدر عند عدم فهمهم، فيما تعلم الكفاية من الشيخ محمد تقي الجواهري.
مؤلفاته
له مجلسان للتدريس، هما : “الأصول” يلقيه في مسجد الجواهري بعد أذان المغرب بساعة، و”الفقه” في جامع الطوسي.. الساعة العاشرة من صباح كل يوم، يمنح تلاميذه نزرا من قطرة في بحر علمه، الذي توزع بين مؤلفات إنعطفت بمسار الفكر الحديث، من عبث الغرب، الى رصانة الاسلام، منها “غاية الفكر في علم الأصول” وهو عشرة أجزاء طبعت خمسة منه وغيبت الخمس الأخرى.. قسرا، وكتيب “فدك في التاريخ” في الحادية عشرة من عمره، و”فلسفتنا” و”اقتصادنا” و”البنك اللاربوي في الإسلام” و”المدرسة الإسلامية” و”المعالم الجديدة للأصول” و”الأسس المنطقية للاستقراء” و”بحوث في شرح العروة الوثقى” و”موجز أحكام الحج” و”الفتاوى الواضحة” و”دروس في علم الأصول” و”بحث حول الولاية” و”الإسلام يقود الحياة” و”المدرسة القرآنية” و”أهل البيت.. تنوع أدوار ووحدة هدف” وله كتب أخرى كثيرة، صادرتها السلطة.
إستشهاده
مساء 9 نيسان 1980، إعتقل، هو وأخته بنت الهدى، وقتلا رميا بالرصاص بأمر من صدام حسين! في حوالى الساعة التاسعة ليلا، هكذا تقول واحدة من روايات كثيرة، كل ترسم سيناريو للمأساة؛ إذ قطعت السلطة الكهرباء عن “النجف الاشرف” وتسللت في الظلام مجموعة من قوات الامن إلى بيت إبن عمه آية الله محمد صادق الصدر، طالبين منه الحضور إلى بناية محافظة النجف وكان بانتظاره مدير أمن النجف؛ ليسلمه الجثتين، البادي عليها تعذيب فظيع.
تجرأ شرطي على النطق عقب 2003، بعد ان كان ملجوما بالخوف حد المشاركة في الجرائم التي تجري كل دقيقة في مديريات الامن، قائلا: ” شاهدت بنت الهدى، تلقى في حوض التيزاب.. حامض النتريك HNO3، بينما جمجمة الامام المثقلة بالعلم والتقوى، ثقبت بـ “دريل” قبض عليه صدام بيه، حين لم يجد سبيلا لإغرائه او إخافته”.
إنه ذو إيمان بركاني جارف المنصهر، يغلي بردا وسلاما يصلان البشر الفاني بخلود الكواكب السيارة العظمى، دائرة في أفلاك مستقرها.
كفى بالله شهيدا، على فظاعة بؤس الانسان، وهو يقسو على أخيه الإنسان، نظير مآرب زائلة وأغراض فانية وأهداف محبة، مهما طال الزمن.. “نمتعهم حتى حين” ثم أهوي به حسب الميعاد الذي ثبته الشهيد في الذاكرة الصماء للطاغية.. “فإنظر أي منقلب ينقلبون”.