18 ديسمبر، 2024 11:40 م

آية الطاغوت وتطبيقها على الدين

آية الطاغوت وتطبيقها على الدين

البقرة 256:
لا إِكراهَ فيِ الدّينِ، قَد تَّبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ، فَمَن يَّكفُر بِالطّاغوتِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى لَا انفِصامَ لَها وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ.

إذا كان الطاغوت ليس إلا ما طغى، بمعنى أنه تجاوز حده، وإذا كان الطاغوت بمعناه القرآني هو كل ما جُعل ندّاً لله، وما كانت علاقته بالله علاقة عرضية، وليست طولية، وإذا ثبت لنا أن الدين – لا أقل في واقع الناس وعلى الأعم الأغلب، ولو دون التعميم والإطلاق – قد تجاوز حده فطغى، وكان نِدّا لله، وذا علاقة عرضية، وليست طولية به سبحانه، وعاملا رئيسا من عوامل الصَّدّ عن سبيل الله، أو عن سبيل المثل الأعلى، عندها يكون الدين مصداقا من أبرز مصاديق الطاغوت، فكأنما يكون عندها معنى الآية، وبالاستعاضة أعلاه:

لا إِكراهَ فِي الدّينِ، قَد تَّبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ، فَمَن يَّكفُر بِالدّينِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى لَا انفِصامَ لَها وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ.»

أو:

لا إِكراهَ فِي الدّينِ وَلا في عُمومِ الإيمانِ، قَد تَّبَيَّنَ لِمَن تَبَيَّنَ رُشدُ العَقلِ مِن غَيِّ الخُرافَةِ، وَرُشدُ الإِيمانِ مِن غَي الدّينِ، فَمَن يَّكفُر بِعُمومِ الطّاغوتِ، وَبِخُصوصِ الدّينِ، وَيُؤمِن بِاللهِ وَحدَهُ، مِن دونِ واسِطَةٍ بَينَهُ وَبَينَ اللهِ مِن دينٍ أَو رَسولٍ أَو إِمامٍ، وَيُنَزِّههُّ حَقَّ تَنزيهِهِ، أَو يُؤمِن بِالمَثَلِ الأَعلى، فَعَسى أَن يَّكونَ قَدِ استَمسَكَ بِثَمَّةِ عُروَةٍ وُّثقى، عَسى أَلّا يَكون انفِصامٌ لَّها، وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ.

إذن من آمن بالله ووحده، ونزهه عن شرك المشركين، ووثنية الوثنيين، وغُلوّ المغالين، وخرافة الخرافيين، وعن الكثير مما نسبت إليه الأديان، أو نسب إليه المتدينون من شتى الأديان، ومن آمن بقِيَمه سبحانه ومُثُله، واعتمد العقل والعقلانية والعدل والإنسانية والسلام وجوهر الإيمان لا شكله، فقد كان حنيفا أي منحرفا عما انحرفت به الأديان عن العقل وعن فطرة الله التي فطر عليها الإنسان، ومُسلِما لله وحده، لا لنبي مُدَّعٍ أو مُدَّعىً، ولا لكتاب مُدَّعىً أو مُتَوَهَّمة قدسيته وإلهيته وقطعيته، مُعرِضا عن كل الطواغيت التي اتُّخذت أندادا من دون الله من عقائد مضرة للإنسانية، وصدت عن سبيله، عندها فقط لعله يكون قد استمسك بالعروة الوثقى، أو بثمة عروة وثقى، التزاما بنسبية الحقائق في العالم النسبي للإنسان، وعسى ألا يجعل الله انفصاما لها، كونها توثقت بوثاق العقل والضمير، وكان الله عليما بدوافع ونوايا ذلك المؤمن المُكَفَّر من قبل أصحاب الأديان، أدعياء احتكار الحق والحقيقة والإيمان والتقوى، سميعا لدعائه الذي نطقت به نفسه قبل لسانه، وتحرك به سعيه قبل أن تسعى له صلاته. ولعل الملحد المتأنسن أو الساعي للتأنسن، الذي لا يؤمن بإله الأديان ولا بأي إله، هو أقرب إلى جوهر الإيمان بالله وتنزيهه، من أكثر الذين اتخذوا الإله الذي نحتته الأديان ربا وإلها من دون الله، ولعله استمسك بعروة وثقى، هي عروة الإنسانية والعقلانية، لا يكون لها انفصام طالما تمسك بالإنسانية والعقلانية وسعى للاستزادة منهما.