23 ديسمبر، 2024 9:38 ص

آن الاوان قول الحقيقة بعيداً عن العاطفة والمزايدات

آن الاوان قول الحقيقة بعيداً عن العاطفة والمزايدات

لقد دخلت الحرب في غزة شهرها السابع وقد تعدى عدد الشهداء 37 الف شهيد وآلاف الجثث الاخرى تحت الانقاض فضلاً عن 80 الف جريح والمدينة دمرت بالكامل ولا زالت دورة الموت قتلاً ونزوحاً وتجويعاً تفتك بأبناء غزة وتتفاقم فيها الويلات، وان فظائع حرب الأرض المحروقة لا أمل لنهايتها مع تعاظم عمليات التدمير للوحدات السكنية والمدارس والجامعات وكذلك المساجد والكنائس وانهيار القطاع الصحي وإخراج المزيد من المستشفيات عن الخدمة مما تسبب في استشهاد كثير من الجرحى في ظل نقص حاد في الادوية والمساعدات الإنسانية الاخرى للسكان، فضلاً عن الجوع الكارثي الذي حل بأبناء تلك المدينة المنكوبة والدور على رفح وعلى المدن الفلسطينية الاخرى، لذلك من حق كل مواطن عربي التسائل، من المسؤول عن ذلك ومن الذي تسبب في تلك المجازر لان ما يحصل في الميدان ليس كالجالس في المدرجات .. وبدورنا لا نريد ان نتهم حماس بالمغامرة لان الشعوب التي تسعى الى التحرير لابد من تقديم التضحيات، لذلك لا ننكر تضحيات الشعب الفلسطيني وبالاخص الصمود الاسطوري للمرابطين من أبناء غزة الذين اعادوا بوصلة المعركة الى هويتها العربية بعد مواجهة العدوان بدمائهم واموالهم وبيوتهم لان صمودهم كان موقف عربي خالص يجسد تاريخ نضال الشعب الفلسطيني مهما حاولت جهات معينة تجيير ذلك لحساباتها الفئوية او الاقليمية، ولكن بعيداً عن العواطف من حق الجميع انتقاد المواقف غير المحسوبة لان القضية تتعلق بمصير شعب وامة لانها قضية مصيرية وهي ليست ملك الى فصيل دون الآخر حتى يتصرف بمفرده، لذلك من البديهي لا يمكن اختزال غزة في حماس مثلما لا يمكن اختزال حماس في الشعب الفلسطيني .. والسوال المهم هل الذي قامت به حماس حرك القضية الفلسطينية وجعلتها تقترب الى الحل النهائي بما يحقق مصلحة للشعب الفلسطيني والعربي .. الجواب نعم حركت القضية الفلسطينية على الصعيد الاعلامي عربياً وعالمياً وبرز موضوع حل الدولتين على الساحة الاعلامية فقط فضلاً عن تحرك الضمير العالمي الانساني المتمثل في النخبة من الطلاب الذين يمثلون الجيل القادم في امريكا واوربا وهم يعترضون على ما يحصل من قتل وتدمير في غزة، ولكن واهم من يعتقد ان الحراك الشعبي والطلابي في امريكا واوربا ومدن اخرى من العالم هو من اجل الدفاع عن حماس وانما مواقف انسانية ضد الوحشية الاسرائيلية والابادة الجماعية للنساء والاطفال والمدنيين، ومع ذلك إسرائيل مستمرة في حرب الابادة لانها تعلم ان الفوران العاطفي سوف يبرد ويبقى الدمار والخسائر التي تجاوز حجمها 200 مليار دولار بالرغم من ان هذا الثمن لا يساوي قطر دم من طفل فلسطيني قتل بحرب ابادة وحشية لا مثيل لها في التاريخ على مستوى العالم الذي يدعي التحضر .. اما على الصعيد السياسي اصبحت القضية الفلسطينية تدور في اطار الاكاذيب والتخدير لان انحياز الولايات المتحدة الامريكية المتمثل في اربعة فيتو امريكي آخرها ضد مشروع قبول فلسطين عضو في الامم المتحدة، اضافة الى ما يحصل على الارض من مفترق طرق ما بين الكلام عن الحل السياسي والضرب المفرط وسياسة الارض المحروقة وتهجير السكان وسط تشجيع ومراوغة المواقف الامريكية، مما يؤكد انه مخطط مدروس لتصفية القضية الفلسطينية بحجة انهاء حماس في غزة، لذلك نقول بمرارة اسرائيل وجدت المبرر لتدمير غزة ومبرر لانهاء الوجود الفلسطيني من خلال مشاريع التهجير التي يتحدثون عنها الى سيناء والى مدن اخرى في الضفة الغربية .. بمعنى بدلاً من تحريك القضية الفلسطينية نحو الحل السياسي تحركت الجيوش الاسرائيلية نحو مزيداً من الاحتلال ومزيداً من سقوط الالاف من الشهداء المدنيين في حرب الابادة الجماعية ثم حرب التجويع ثم حرب التهجير والتشريد لان اسرائيل لم تمارس ”الإبادة الجماعية للبشر Genocide” فحسب، بل مارست نوعاً جديداً من الإبادة لم تعرفه البشرية مِن قبل باسم ”الإبادة الجماعية للسكن democide”، بمعنى تحويل كل مبنى صالح للسكن إلى ركام لكي لا يجد الناس بعد ذلك مكاناً يأويهم مما يدفعهم الى الهجرة لكي ينتهي مفهوم حق العودة الذي كان يؤرق الصهاينة بعدما اقرته الامم المتحدة، وتلك نقطة البداية لتصفية القضية الفلسطينية على ارض الواقع .. مما يعني ان حماس لم تقدر العواقب والخسائر المهولة التي حصلت في غزة وما سيلحقها في المنطقة عموماً بعد انفرادها بقرار الحرب .. أي لو كانت حماس تريد تحريك القضية الفلسطينية عسكرياً كان الاولى بها الاستعداد للمعركة على المستوى الفلسطيني والاقليمي، والتحسب لنتائج المواجهة من خلال التحضير والاعداد لامتلاك مقومات القوة لصد الهجمات المقابلة ومشاركة القادة في الميدان وليس التنعم في قطر وترك ابناء غزة يذبحون على عتبة وحشية آلت الحرب الاسرائيلية، وايضاً الاولى تصفية خلافاتها مع فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية قبل الاتفاق مع فصائل المقاومة الاخرى الذين تخلوا عنها بعدما صدعوا رؤوس الناس بشعار المقاومة والممانعة ووحدة الساحات والرد الخماسي في مواجهة اي عدوان اسرائيلي، بينما لم يتحقق من ذلك غير سيل من المزايدات والاكاذيب حصيلتها مكاسب لايران في الوطن العربي تحت غطاء الدفاع عن القدس وفلسطين، في الوقت الذي لم يتحرك الضمير الفارسي عندما قُتل الالاف من الاطفال والنساء من ابناء غزة، ولكن تطلق الصواريخ ثأراً للكرامة الفارسية عندما قتل ثلاثة من قادة الحرس الثوري في دمشق .. بمعني ان حماس ساهمت في تنفيذ المشروع الايراني لاحتواء المنطقة بحجة محور المقاومة .. ثم لمصلحة من محاولات حماس تأجيج الفوضى في الاردن، هل تريد تدمير الاردن مثلما تم تدمير غزة ام تريد مد النفوذ الايراني الى الاردن كما حصل في سوريا والعراق ولبنان واليمن من خلال نشر الفوضى، وايضاً ماذا استفادت غزة والقدس وفلسطين من ايران حتى يمجد قادة حماس وأولهم اسماعيل هنية بعطاء ايران اللامحدود من الكذب والخداع وترك تعزية اهالي الشهداء في غزة وذهب ليعزي قادة ايران بموت رئيسي وعبد اللهيان فضلاً عن التبرير لمواقف ملالي طهران الذين التزموا الصمت على جرائم اسرائيل بعد الخديعة التي تورطت بها حماس بترك ابناء غزة يلاقوا مصيرهم بسبب سيل من المزايدات والاكاذيب التي صدعوا بها العالم بمحي اسرائيل من الوجود .. لذلك حماس لا تستطيع ان تبرر موقف ايران وسوريا الاسد وحزب الله بعد تخليهم عن المشاركة وانكار ما تم الاتفاق عليه، ولم تعد تنفع مسرحية التصعيد الإيراني-الإسرائيلي التي اضعفت حجم التضامن العالمي مع الفلسطينيين لان الخسارة الحقيقية هي تحول الاهتمام الإعلامي والسياسي والإنساني عن الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني واصبح العالم لم يعد يواكب ما يحدث من جرائم ضد الانسانية حتى بات مشهد الدمار خبراً ثالثاً أو رابعاً .. اما المناوشات الخجولة بين حزب الله واسرائيل ليس الا بروبكندا لاستثمار ذلك اعلامياً بأن ذيول ايران تتحرك في الدفاع عن غزة بالنيابة عن ايران لرد ماء الوجه ومن اجل ان يقال ان محور المقاومة متماسك، بينما طابور المزايدين يلقون اللوم على العرب الذين لا أحد استشارهم ولا حماس طلبت منهم مد يد العون عندما ارادت الاقدام على ضرب المستوطنات الاسرائيلية ولا احد من العرب وعدهم ثم غدر بهم، ورحم الله امرء عرف قدر نفسه وعرف ان اغلب دول العالم وفي المقدمة امريكا واوربا ليس فقط منحازين الى اسرائيل وانما مستعدين الدخول في حرب عالمية من اجل اسرائيل وخصوصاً مواقف امريكا المشهود لها بالمراوغة والخداع التي عودتنا ان تقول في العلن خلافاً لما تعمله في السر وان الخلافات المصطنعة بين بايدن واسرائيل مجرد دعاية انتخابية لاستمالة الجاليات العربية والاسلامية في امريكا، وبالرغم من ذلك لا نبرأ الحكام العرب على مواقفهم المتخاذلة التي تصب في خانة الخيانة والجبن وايضاً ينسحب هذا الوصف على الشعوب العربية الا من رحم ربي لان الشعب الذي لا يستطيع ان يحرر وطنة من حكام فجرة لا يحق له التحدث عن الحرية ولا التحرير في مكان اخر، وكذلك مدعين المقاومة والممانعة واولهم حاكم سوريا وحزب الله وايران التي اسست فيلق القدس الذي احتل اربعة عواصم عربية وعندما اشتد الوطيس كل طرف نأى بنفسه من سكات وترك غزة تلاقي مصيرها لوحدها من قتل ودمار الى ان تم اختزال الحرب في مفاوضات تبادل الاسرى وكيفية ايصال المساعدات الى اهالي غزة المنكوبة متناسين حجم المآسي والدمار والخسائر الانسانية التي حلت في ابناء تلك المدينة، واليوم قادة حماس يحجون الى القاهرة التي غالباً ما يلجأون لها في الملمات خصوصاً هذة الزيارات المكوكية التي نشهدها اليوم من اجل الخروج من الورطة بوجه ابيض الا ان تدخل الاطراف المستفيدة تمنع المفاوض الفلسطيني من الوصول الى حل لان قرار حماس بات مرهون بيد مصالح الجهات التي دفعتها الى الحرب ومن مصلحة تلك الجهات استمرارها خوفاً من قيام اسرائيل بحرب مفتوحة ضد حزب الله في لبنان لهذا يجب ان تبقى حرب غزة مفتوحة لأجل عيون زعيم المقاومة في لبنان، في الوقت الذي لم تحصد حماس من ربيبتها ايران التي ورطتها في حرب مباشرة غير التخلي عنها وتركها فريسة للضربات الاسرائيلية المدمرة، والمضحك اسماعيل هنية يتصل بقادة ايران ليطلعهم اول بأول على صفقة تبادل الاسرى لكي يتم تكيّفها وفق الشروط التي تخدم المصالح الايرانية .. نعم كلمة الحق يجب ان تقال لوجه الله ولا تلجمها شتيمة او نقد، ولا بد من قول الحقيقة دون الخشية من لومة لائم لان ميزان الربح والخسارة يؤكد ان اسرائيل وجدت المبرر ليس فقط تدمير غزة وانما تصفية القضية الفلسطينية حتى اصبحت المنطقة على حافة الهاوية بعد عزم قوات الاحتلال الزحف على رفح وعلى اجزاء اخرى من المدن الفلسطينية واتباع سياسة تدمير المساكن والبنى التحتية لكي لا تبقى وسيلة الا التهجير كما اشرنا انفاً، وهذا لا يعني دعوة للتخلي عن مبدأ تحرير الاراضي المغتصبة او قبول مشاريع التطبيع الاستسلامية ولكن الاولى دراسة مستلزمات الحرب بما يحقق التوازن في ميادين القتال وليس موالاة المتاجرين في القضية الفلسطينية والمساعدة على تنفيذ اجندات دخيله ادت الى تحويل الصراع العربي الاسرائيلي الى معركة بين حماس واسرائيل بعدما احتوت ايران ما يسمى محور المقاومة والممانعة وباتت معركة التحرير معركة طائفية واثنية دينية أفقدت القضية الفلسطينية بعدها السياسي والتاريخي وأدخلت المنطقة في صراعات مذهبية ادت الى تجزئة الولاءات السياسية في الوطن العربي وتشظي المقاومة الفلسطينية الى فصائل عقائدية حتى بات البعض منها اكثر ولاء لايران من فلسطين كما هو حال حزب الله الذي ظهر في البداية كقوة اقليمية افتخر بها كل العرب، الى ان كشر عن انيابه كجناح إيراني استثمر الصراع لصالح ايران من اجل الهيمنة على لبنان تحت يافطة المقاومة والممانعة .. بمعني ان ايران استثمرت الصراع العربي الاسرائيلي من خلال المتاجرة بالقدس التي اثمرت عن احتلال العراق وسوريا ولبنان واليمن وبات حال أربعة دول عربية كحال فلسطين والحبل على الجرار، حتى اصبح العرب كماشة بين بني صهيون وبني ساسان .. لذلك يتحتم على جميع الفصائل الفلسطينية ترميم البيت الفلسطيني اولاً والوقوف يد واحدة في مواجهة المخططات الاسرائيلية الامريكية دون الاعتماد على ايران والاعيبها، وكذلك يتحتم على العرب مراجعة مواقفهم الانهزامية والابتعاد عن وهم التطبيع والحلول الاستسلامية الهزيلة والا سوف لن ينفع الندم وعض الاصابع.