الوقائع اليومية تكشف الدمار الواسع الذي لحق بالعراقيين،منذ سقوط النظام البائد، حيث قتل منهم الكثير والرقم يزداد يومياً ، كما تم تشريد الآلاف عن مدنهم وقراهم ومساكنهم ومزارعهم ووظائفهم بشكل جعل ما حدث لهم يتطابق ونمط التطهير العرقي، وهو من افضح أنواع الجرائم التي مرت على العراق قسوة و ظلامية و تعاسة، وأقيمت لهم معسكرات بصفتهم (لاجئين عراقيين) مهملين في عراقهم، وما هو مثير للأسى والمرارة والوجع والسخرية في هذه (الكوميديا العراقية السوداء)أن يتواجد ويتجاور ويتساكن في هذه الـ(معسكرات) كل أنواع الطيف الاجتماعي العراقي ، مسالمين متآخين مقهورين مشردين ، دون استثناء وتمييز بينهم، وأن بعضهم وعلى رغم قسوة الظروف المحيطة بهم قد دخل في مشاريع حياتية والعمل على مشاريع (المصاهرة) بعد عودتهم لمدنهم وحياتهم السابقة ، تجسيداً لسلوك متوارث وقيم اجتماعية شعبية، يتميز بها العراقي. وثمة مَنْ غادر العراق مقهوراً نحو دول الجوار التي بدأت تضيق بهم وتُضيِق عليهم. جرى ذلك ويجري غيره وما هو افضع منه عبر قتل ومطاردة الكفاءات العراقية، وتصفيات يومية(مذهبية- طائفية) تعود لتاريخ وأزمنة الصراع التركي-الفارسي على الأرض العراقية ، مع تدمير شامل للمنشآت الرسمية والمساكن وللبنى التحتية والاقتصادية وفساد الذمم والفوضى التي تسيطر على الساحة الرسمية العراقية دون رقيب أو حسيب، وضعف منظومة (أجهزة الأمن) المعنية بالتعامل الوطني مع العراقي وتكريس سيطرة القوى السياسية (الدينية- الطائفية) على مفاصل الحياة اليومية في الشارع العراقي بالإكراه والضغط والـ(الفتاوى)، وعبر انتخابات خضعت للضغط والتوجه الطائفي- القومي الذي فرض تصوراته على الناس من خلال أوهام احتكار التمثيل الأحادي لطائفة ما ، و توزيع غنائم نتائج كل (الانتخابات) على مفاصل الوزارات والمؤسسات العراقية وتحشيد الأنصار والترغيب ،وجعل العمل فيها حكراً على (المؤيدين) لهذا الحزب أو ذاك ،عبر عملية المحاصصة-الطائفية- الحزبية، من الأعلى إلى الأسفل، وبات العراقي يخضع لتمييز يقع في مقدمته اشتراطات هي في واقعها استنساخ فج لما عمد إليه النظام البائد في ربط المواطنين بعجلة حزبه من خلال احتكار فرص العمل والوظائف، وبذا يتم بعد كل الكوارث الاجتماعية التي عشناها طيلة ثلاثة عقود وأكثر العودة إلى إلغاء حق المواطنة ، وجعله حكراً على مَنْ يتحكم في مفاصل السلطة، في مجتمع خرج للتو من جرائم الاستبداد والحروب المتواصلة والحصار ،ومن المؤلم أن يستنسخ الضحية في زمن ما أسلوب الجلاد. باتت الأوضاع في العراق ساحة تتصارع فيها قوى متعددة من اجل مصالحها الفئوية الضيقة وتعبث بحياة ومصالح المواطن العراقي من خلال احتكار (السلطة وأجهزتها المتنوعة والمتعددة) تحت أي مسمى كان وتدمر مكتسباته التي كان يمكن أن تتحصل له جراء سقوط النظام الفاشي من صحة وتعليم وبنى تحتية وخدمية وحقوق عصرية ،و تفعيل دور المجتمع المدني الحارس والضابط على طغيان السلطة . لعلها صورة قاتمة لما جرى خلال هذه السنوات التي أعقبت سقوط النظام. ولكن ثمة صوراً أخر أيضا في العراق .. فالعزلة تبددت والعراقي انفتح على ممارسات لا عهد له بها .. وأن ثمة فسح للحرية في القول والرأي ولا مساءلة لحد ما على ذلك ..إلا انه ما نفعهم له إذا كانت تحفه (غربان الموت) وأحزمتها الناسفة وقصاصها مدعي(الإلهية) وسياراته المفخخة في الشوارع أو الدراسة و العمل ،ويترافق ذلك مع تشديد قبضة مَنْ وصل إلى سلطة القرار في المحافظات بأجندة طائفية مقيتة ويعمل على تكريسها بتشدد للأكل من جرف وفسحة حرية العراقي. صحيح إن مداخيل الناس ارتفعت ولكن الغلاء ووصفات (البنك الدولي) أكلها.. صحيح إن لا أحد يسقط جنسية العراقي بعد اليوم.. ولكن ثمة من يرى أن هناك الآلاف هربوا من جحيم الجنسية ذاتها.. صحيح إن العراقي انتخب بحرية واستفتى أيضا .. ولكن كيف تم ذلك..؟ هل على وفق المصالح الاجتماعية والرؤى والبرامج الانتخابية أم وفق تكريس توجهات (الضمير الطائفي) الذي أُلبس للعراقي عنوة؟ .صحيح كل ذلك وغيره. ولكن ثمة من يدفع ببلادنا و بنا اليوم لأفدح الإخطار والدسائس والأضرار الإقليمية – الدولية وتأسيس نواة نظام سياسي- طائفي متشدد، و يجب مواجهته وكشف الستار عنه و مقوماته وارتباطاته الإقليمية- الدولية، وهذا من مهمات القوى الوطنية العراقية الديمقراطية في أن تقدم برامج واقعية شفافة مرحلية قابلة للتنفيذ..فالعراقي (اتخم) بالوعود البراقة والشعارات وسيقت فئات واسعة من العراقيين للتعبير عن ظلامات تاريخية غير مسؤولين عنها لتكريس ذلك سياسياً ونفعياً. ويقع آلآن الأمن والسلام الاجتماعي والعدالة الاجتماعية- الإنسانية، والخدمات اللائقة والقضاء على البطالة ومواجهة الفساد المالي و الوظيفي، في مركز اهتمام المواطن العراقي للخلاص من الأوضاع الراهنة ولبناء مجتمعه على طريق التنمية والرقي الحضاري الاقتصادي – الاجتماعي، فالدولة العراقية السابقة قد انهارت بكل مؤسساتها، ولا بد من بناء الدولة الوطنية العراقية الحديثة على أسس تعتمد الموطنة والكفاءة والنزاهة والحقوق والواجبات. بعد كل هذا الخراب و العذاب و الموت المجاني اليومي للعراقي.. لابد من فتح أفق جديد في العلاقات السياسية في العراق عبر تفعيل الحوار الوطني الجاد، وإبراز المصالحة العراقية الوطنية الفعلية لا(الإعلامية والمهرجانية العشائرية)، فالإجراءات والبرامج التصالحية، والخطط الأمنية المبنية على الأجندة (العسكرية،) فقط ؛ غير كافية .بعد أزمان الكبت والآلام والمعاناة وممارسة الظلم، وركام القمع والاضطهاد والتهميش والتشويه والتضليل والأكاذيب والشعارات الجوفاء، مستثنين في ذلك من يوغل وبإصرار بالدماء العراقية خدمة لأجندات داعمة خارجية وأفكار استبدادية ظلامية ، مع العمل على إعادة الخدمات وحلها بما ينسجم وثراء الوطن العراقي وقدراته الاقتصادية الهائلة، وفي مقدمة ذلك مسألة الطاقة الكهربائية والنواحي الخدمية ومكافحة البطالة المدمرة بين الشباب من الجنسين بالذات، وتفعيل الحريات المدنية بعيداً عن أجندات بعض القوى الحاكمة، وتصوراتها الظلامية، وهي من ضرورات الحياة اليومية للبدء بخطوات تالية تؤمن للناس فرص العمل والعيش المناسب وهو طموح مشروع ويترافق ذلك في تجسيد الخطاب الوطني السلمي ، وتفعيل الإمكانيات والفرص المادية النزيهة لخدمة العراقيين مع سيادة تكافؤ الفرص ومنع استخدام واحتكار(السلطة والدين والطائفة والمذهب والعرق) لتجسيد مجتمع عراقي متنوع متعدد مدني ولتحقيق رغبة العراقي وحريته في الاختيار على وفق البرنامج الانتخابي-الاجتماعي الذي تتجسد فيه المساواة الفعلية بين العراقيين على أسس المواطنة والهوية الوطنية، واحترام تعديديهتا وثقافاتها الغنية المتنوعة، ولا جامع للعراقيين حالياً أو مستقبلاً غيرها.