تعريف الموازنة:
الموازنة العامة للدولة (Public budget) عُرفت بتعاريف مختلفة ولن نخوض في تفاصيلها خشية الإطالة، ولكن يمكن تعريف الموازنة بحسب تصورنا بأنها ” وثيقة أو صك أو قانون أو جداول أو خطة مالية تتضمن تخمين لإيرادات الدولة وتقدير النفقات واقتراح موارد الصرف للسنة القادمة، وتختلف آلية تخمين الإيرادات وتقدير النفقات واقتراح موارد الصرف وكيفية التعامل معها حسب نوع الموازنة المعتمدة”
وينظر للموازنة من نواحي مختلفة فللموازنة مفهوم محاسبي (كونها تمثل أرقام حسابية تمثل الإيرادات والنفقات)، ومفهوم رقابي (كونها تمثل الأداة الرقابية بيد السلطة التشريعية لمراقبة أداء السلطة التنفيذية)، ومفهوم سياسي (كونها تمثل احد أهم الأدوات في رسم سياسة الحكومة)، ومفهوم قانوني (كونها تُعد بمثابة قانون في الكثير من الدول ومن ضمنها العراق)، ومفهوم تخطيطي (كونها تمثل أداة أساسية للتخطيط)، ومفهوم اقتصادي (كونها تتضمن أهم آليات تنفيذ الإصلاح والخطط الاقتصادية).
الفرق بينها وبين الميزانية والحساب الختامي:
كثيراً ما يحدث الخلط بين الموازنة والميزانية والحساب الختامي، فالموازنة كما عرفناها سابقاً والميزانية (Balance) تستخدم كثيراً ويقصد بها الموازنة أو يقصد بها كما في حالة الشركات المساهمة وهو الصحيح ” بيان محاسبي ذو جانبين يظهر في الجانب الأيمن أصول الشركة وفي الجانب الأيسر التزاماتها وحقوق مساهميها”. أما الحساب الختامي (Final Account) فهو “الاستخدامات الفعلية والايرادات الفعلية عن السنة المالية المنتهية”.
أنواع الموازنات:
1-الموازنة التقليدية أو موازنة الاعتمادات (Traditional Budget):
يطلق عليها العديد من الأسماء بالإضافة إلى الموازنة التقليدية مثل البنود (Item-Line Budget) لأنها تتضمن بنود أو “موازنة الرقابة” لأنها الرقابة هي العنصر الأهم في إعدادها ، أو الموازنة الجزئية، أو الموازنة المتدرجة، أو الموازنة المتزايدة. وهي تعد من أقدم أنواع الموازنات ولا زالت تستخدم في نسبة كبيرة من بلدان المنطقة ومنها العراق. وتعتمد موازنة البنود على أساس تقدير النفقات وفقاً لبنود يمثل كل منها نوعاً من أنواع الصرف. لا يعكس هذا الشكل من الموازنة أي رؤية تخطيطية أو عملية إصلاح او تطوير اقتصادية ورغم إنه يوفر مستوى عالي من الرقابة على المصروفات إلا إنه الآلية معقدة وفيها صعوبات كبيرة عند التنفيذ (لأن المبالغ مخصصة لبنود محددة) وتفتقد هذه الموازنة للمعيارية الموضوعية للاعتمادات لذا تكون محل للمزايدات السياسية كما إنها لا توفر بدائل في حال عدم إمكانية إنجاز الأعمال.
2- موازنة البرامج والأداء (Performance Programing Budget):
يمكن تعريفها على إنها خطة توضح الأهداف المحددة للوحدات معبراً عنها بشكل برامج ومشاريع، وقد اقترح هذا الشكل من الموازنة في سنة 1954 من قبل ديفيد نوفيك.
أي يكون اصل عمل الموازنة واصل الرقابة فيها هو البرنامج وليس بنود الصرف كما في الصورة السابقة.
3- موازنة التخطيط والبرمجة ( Planning Programming Budget):
اُقترح هذا النوع من الموازنات من مؤسسة (Rand) الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية ، وتم تطبيقه في الولايات المتحدة الامريكية في موازنة سنة 1966.
وكان ظهور هذا النوع لمعالجة القصور في موازنة البرامج والأداء في الربط بين الموازنات الفرعية للوحدات الإدارية وبين الأهداف القومية واقتصار موازنة البرامج والأداء على الأجل القصير فقط وعدم وجود المفاضلة بين البرامج لاختيار الأفضل.
وتعتمد هذه الموازنة على تحديد الأهداف والبحث عن البرامج التي تحقق تلك الأهداف وتقييم كل برنامج عبر تحليل الكلفة مقابل المنفعة واختيار افضل بديل من البرامج. ويمكن القول إنها طريقة فنية للتخطيط أو لتطبيق التخطيط على أرض الواقع.
4- الموازنة الصفرية (Zero-Base Budget):
اقترحت الموازنة الصفرية أو (ZBB) من قبل (Peter A. Pyhrr) في ستينيات القرن الماضي، وكتب عنها مقال سنة 1970 في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو، وطبقت لأول مرة في سنة 1973 في ولاية جورجيا من قبل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر عندما كان حاكم لتلك الولاية.
تنطبق فكرة الموازنة الصفرية من مبدأ وجوب إجراء مراجعة وتقييم شاملين لجميع البرامج والمشاريع التي تنفذها الأجهزة الحكومية، ويتطلب الأمر أن يقدم المدير الإداري المبررات والدراسات التي تدعم برامجه القديمة وكأنها برامج جديدة يطلب الموافقة على تنفيذها لومن مرة حيث انه نطالب بتبرير جميع برامجه مبتدأ من نقطة البداية، من نقطة قاعدة الصفر. ومن هنا جاءت التسمية وتشتمل المراجعة جميع مراحل ومكونات البرامج وأن يتم تقديم ما يلزم من وثائق ومستندات ودراسات تبين أهمية كل برنامج ومدى الحاجة إليه والتكاليف اللازمة لتنفيذه ومستويات الإنفاق والعوائد المتوقعة منه ليتم على ضوء ذلك اتخاذ القرار بشأن البرامج. أما بالنسبة لتعريفها فلا يوجد تعريف شامل تتفق عليه ومن هذه التعريفات من يعرفها على أنها الموازنة التي تتطلب إجراء تقييم شامل ومنتظم للبرامج والمشاريع تحت التنفيذ (المعتمد تنفيذها سابقاً) على المشاريع الجديدة عند توزيع الاعتمادات ونفترض تخصيص الاعتمادات المالية او إلغائها للمشاريع تحت التنفيذ إذا تبين عند التقييم أن كفاءتها أصبحت منخفضة أو أن عوائدها أصبحت لا تتناسب مع تكلفتها ومن هذا التعريف يتضح لنا أن نقطة البداية عند مناقشة البرامج والمشاريع هما نقطة الصفر
5-الموازنة التعاقدية (Contract Budget):
ويمكن اعتبارها آخر تطوير في أنواع الموازنات وتعد اول محاولة لتطبيق مفهوم الموازنة التعاقدية هي ما قامت به وزارة المالية النيوزلندية في سنة 1996م. مفهوم الموازنة التعاقدية هو ان تكون العلاقة بين الأجهزة التنفيذية والحكومية علاقة تعاقدية يتم بمقتضاها تنفيذ مهام محددة قابلة للقياس مقابل مبالغ محددة تدفعها الحكومة قبل وإثناء وبعد تنفيذها . وبموجب ذلك تقوم الحومة بطرح مشاريعها وبرامجها المستقبلية لغرض الفوز بمتعاقدين ينفذون تلك المشاريع والبرامج بأقل كلفة ممكنة وفي الوقت المناسب بشرط تحقيق الأهداف المخطط لها.
وهناك أنواع أخرى أقل شهرة كالموازنة التشاركية، كما إن هناك آليات تقسيم أخرى كما في الموازنات المراعية للنوع أو للحقوق.
الموازنة الاتحادية العراقية
نوعها :
أول موازنة أقرت في العراق كانت في سنة 1921م اذ نظمت وفقاً لأحكام قانون اصول المحاسبات العثماني لسنة 1910 ، ونظم دستور سنة 1925 تعليمات تنفيذ الموازنة وفقاً للباب السادس منه، وبقي الحال هكذا حتى صدور قانون أصول المحاسبات العامة رقم (28) لسنة 1940م الذي حل محل قانون اصول المحاسبات العثماني ونظام السلطة في الامور المالية . وفي دستور 1964 حددت المادة التاسعة منه حق السلطة التنفيذية (وزارة المالية) في اعداد الموازنة العامة والموازنات الملحقة . ثم صدر بعد ذلك قانون الموازنة العامة الموحدة للدولة رقم 107 لسنة 1985 ثم أجريت بعض التعديلات عليه سنة 1990.
إلى سنة 2003 كانت تعتبر الموازنة من ضمن المعلومات السرية التي لا ينبغي الاطلاع عليها إلا من قبل المختصين، وكان تسريب أي معلومة بشأنها يعرض من يقوم بالتسريب إلى عقوبات قاسية قد تصل للإعدام.
بعد سنة 2003 صدر قانون الادارة المالية والدين العام رقم 95 لسنة 2004 والذي ألغى العمل بتلك القوانين السابقة وتم إجراء تعديل عليه في سنة 2005.
وقد عرف الموازنة على إنها “برنامج مالي يقوم على التخمينات السنوية لإيرادات ونفقات وتحويلات والصفات العينية للحكومة”.
وفي كل هذه المراحل اعتمد العراق على طريقة موازنة البنود في إعداد موازنته، لذا يمكن القول إننا في العراق في الجيل الأول من أنواع الموازنات في حين إن العالم وصل إلى الجيل الرابع وبعضه الجيل الخامس.
آليات إعدادها:
وفقاً للمواد الدستورية (62) و(80) و (73) ومواد أخرى، واستناداً إلى قانون الإدارة المالية والدين العام رقم 95 لسنة 2004 المعدل (القسم 6 و7 منه بشكل خاص) تمر الموازنة الاتحادية العراقية بالمراحل التالية:
1-خلال شهر ايار من كل عام يقوم وزير المالية بإصدار تقرير عن أولويات السياسة المالية للسنة التالية ويقدم هذا التقرير إلى مجلس الوزراء للمصادقة عليه ويرفق مع مشروع الحسابات الختامية للسنة الماضية(1).
2-خلال شهر حزيران من كل عام يقوم وزير المالية وبالتشاور مع وزير التخطيط بتعميم لوائح داخلية وأهداف السياسة المالية لوحدات الافناق لغرض إعداد ميزانيتهما استنادا الى اولويات السياسة المالية المحددة من مجلس الوزراء(2).
3- في شهر تموز من كل عام , تقوم وحدات الانفاق بتقديم طلبات الى وزير المالية لغرض تخصيص الأموال(3).
4- في شهر ايلول من كل عام , يقوم وزير المالية بإعداد مشروع الموازنة الاتحادية ويقدمه الى مجلس الوزراء للمصادقة عليه(4).
5- في 10 تشرين الأول من كل عام يقدم مجلس الوزراء قانون الموازنة للسنة القادمة إلى مجلس النواب لإقراره(5).
6-بعد إقرار قانون الموازنة للسنة القادمة من قبل مجلس النواب يُعد نافذاً بعد مصادقة رئاسة الجمهورية عليه وإعلانه في الجريدة الرسمية(6).
7-على وزارة المالية بالتعاون مع وزير التخطيط إصدار تعليمات لتنفيذ قانون الموازنة للسنة القادمة بعد إقرار القانون(7).
8-تقدم المحافظات خططها لتنمية الأقاليم للسنة القادمة بعد إقرار الموازنة الاتحادية ومعرفة تخصيصاتها ضمن الموازنة، حيث تقترح الخطة من المحافظة وترسل إلى مجلس المحافظة وبعد المصادقة ترسل إلى وزارة التخطيط(8). ولا يجوز إعلان أي مشروع ضمن خطط المحافظات لتنمية الأقاليم إلا بعد مصادقة وزارة التخطيط على خطة المحافظة المصادق عليها سلفاً من مجلس المحافظة(9).
9- اذا لم يصادق مجلس النواب على الموازنة الاتحادية حتى 31 من شهر كانون الاول , فلوزير المالية أن يصادق وعلى اساس المصدقة الشهرية , على اموال وحدات الانفاق ولغاية
نسبة (1/12) من المخصصات الفعلية للسنة المالية السابقة إلى حين المصادقة على الموازنة . وتلك الاموال يمكن ان تستخدم فقط لسداد الالتزامات والمرتبات والتقاعد ونفقات الامن الاجتماعي وخدمات الديون. و يجوز تعديل الموازنة السنوية من خلال موازنة تكميلية , على اساس التغيرات الخطيرة والطارئة في الاوضاع الاقتصادية و في الاولويات الوطنية ويجب أن يقر مجلس الوزراء الموازنة التكميلية بناءً على توصية من وزير المالية وأن تصادق من مجلس النواب(10).
موازنة المحافظات:
لاتعد المحافظات حالياً موازنات وإنما تعد خطط تنمية وفقاً لصلاحيات محدودة، ويتم تداول إقرار خطط التنمية بشكل خاطئ في الإعلام على إنه إقرار لموازنة المحافظة.
ولكن التعديل الأخير لقانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل، اعطى صلاحيات للمحافظات لإعداد موازنة ولكن تطبيق هذا التعديل لازالت تقف أمامه عوائق ومن المؤمل البدء فعلياً بتحويل الصلاحيات في منتصف سنة 2015، كم إنه يتطلب لتحقيق ذلك إجراء تعديلات ضمن القوانين الحالية او طرح بدائل عنها وهذا ما سنتحدث عنه في حلقات مستقلة.
تطويرها:
وفقاً لما تقدم يتطلب إعادة النظر في كل القوانين المتعلقة بإعداد الموازنة وفي آلياتها ونوعها، خصوصاً بعد صدور التعديل الأخير لقانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل، ومع توجه الدولة باتجاه اللامركزية الإدارية والنظام الفيدرالي (الاتحادي). اصبح من الضروري البدء بتنفيذ خطة للانتقال من الشكل الحالي للموازنة العامة العراقية (موازنة البنود) إلى شكل أكثر تطور وأقترح أن يكون اما الموازنة التعاقدية أو الموازنة الصفرية على اقل التقادير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-البند 4 و 5 من القسم 7 من قانون الإدارة المالية والدين العام رقم 95 لسنة 2004 المعدل. الصفحة 6 من 6