قالوا في التعليم ، إن” مهمة المعلم أن يزرع الصحراء ، لا أن يقتلع الحشائش الضارة من الحقول ” وقالوا أيضا ” إذا كنت تعتقد أن التعليم باهظ الثمن، فلتجرب الجهل” ، ففي لوكسمبورغ يصل متوسط راتب المعلم إلى 73 ألف دولار سنويا ، وبنسب أقل في كوريا الجنوبية ( 34 ألف دولار ) ، والمانيا ( 46 الف دولار) وهي أعلى من مرتبات اﻷطباء والمهندسين بحسب منظمة التعاون الاقتصادي الدولية ، فيما يتقاضى المعلم العربي بإستثناء دول الخليج ادنى الرواتب بوجود أزمات السكن والمواصلات والصحة والكهرباء والنتيجة هي مصانع لتفريخ العلماء والمخترعين والمكتشفين وبمختلف االتخصصات في الدول اﻷعلى أجرا للمعلمين ، مقابل مصانع لتفريخ الجهلة في الدول التي تتعامل مع شريحة المعلمين على أنهم اﻷدنى مرتبة واﻷقل مرتبا !
قبل بضعة أعوام جاءتني اﻷولى على دفعتها بعلوم القرآن الكريم في إحدى الكليات راجية كتابة كلمة تهنئة لها بالمناسبة وأثناء تجاذب أطراف الحديث معها واذا بها ﻻتفرق بين الإدغام والإقلاب ، وﻻ بين الترقيق والتفخيم في أحكام التجويد والتلاوة مع إنها تعد الف باء علوم القرآن يعرفها أصغر طويلب علم في الكتاتيب يومها سألت نفسي ” ترى كيف ستُدرس هذه الطالبة اﻷولى مادتها وماذا ستضيف لطلبتها اذا ما أصبحت معيدة في كليتها أو مدرسة لمادة التربية الاسلامية في المرحلتين المتوسطة أو الاعدادية بذات الإختصاص ؟ ماذا لو أنها سئلت من قبل طالباتها عن أحكام الناسخ والمنسوخ ، المحكم والمتشابه، المكي والمدني ، أسباب النزول ، معاني الكلمات وتفسير اﻵيات ، الفرق بين التفسير الموضوعي والتفسير بالمأثور ، إعراب القرآن ؟ ماذا لو سئلت في القراءات السبع أو العشر ، المجمل والمفصل، المطلق والمقيد ، عن قصص القرأن و أمثال القرآن وأحكام القرآن وإسقاطها على واقعنا المعاصر مدلهم الخطوب ؟ ﻻحظ أنا هنا أتحدث عن اﻷولى على دفعتها وليس عن ناجحة من الدور الثالث بالواسطة أو عن راسب للسنة الثالثة بنفس المرحلة وﻻ عن ناجح بالغش الورقي أو الالكتروني !
ما ذكرته يفسر لنا جانبا من المأساة التعليمية والتربوية في العراق ولماذا بلغت نسبة رسوب الثالث المتوسط لهذا العام 2019 أكثر من 60 % ، فيما إكتفى بعض التربويين بالتبجح بأن النسبة وبرغم تدنيها هي أعلى من العام الماضي مقارنين بذلك بين العام الدراسي الفاشل باﻷفشل ، بينما شرع عدد من النواب كعادتهم للتخلص من المأزق أو لغرض التشهير و التسقيط أو الضغط السياسي فضلا عن عشقهم للظهور الإعلامي بتقديم طلب لإستضافة وزير التربية وكالة ولما يتسنم الرجل منصبه هذا قبل 3 أشهر لا أكثر فأنّا لهم أن يحملونه المسؤولية أو يستوضحون منه عن اﻷسباب والتداعيات والقضية برمتها بحاجة الى مراجعة شاملة لسجل التربية والتعليم كله منذ عام 2003 والى كتابة السطور ، فبعد ان تصدر العراق ولعقود قائمة اﻷفضل في مجال التربية والتعليم بنسبة أمية أبجدية بلغت صفر % بعد مكافحتها كليا أصبح اليوم يعاني من وجود 7 ملايين أمي ناهيك عن أنصاف اﻷميين وأرباع المتعلمين وأخماس المثقفين ؟!
ومن اﻷمثلة ايضا أن زميلا لي له باع في اللغة العربية سأل مدرسا في المرحلة المتوسطة عن أحكام المبني للمعلوم والمبني للمجهول فلم ينبس ببنت شفة ﻷن الكثير منهم إنما يراهن على مادة اﻷدب والانشاء – الدرخي – للنجاح بمادة اللغة العربية أما النحو والصرف فهذا – حقل الغام – بالنسبة للطلاب ومعلميهم على سواء لايقترب منه وﻻيخوض غماره الا النز اليسير منهم ، عن المدارس الطينية والكرفانية والمدارس ذات الدوام الرباعي والثلاثي ، المقاعد الدراسية الخشبية أم المسامير ،دورات المياه التي لاتصلح حظيرة للخنازير ، السبورات أم الطباشير المطلية بالبنتلايت اﻷسود أو الاخضر لتجديدها سنويا ، وعن المساحة الاسفنج – مزدوجة الاستعمال – تارة لتنظيف اﻷواني والأقداح بعد الدوام ، ولمسح السبورة خلاله ، لن أتحدث و لايفوتني تكرار قضية – سطلة المسح – التي تتحول الى أداة لسقي المياه اثناء الامتحانات ثوابا – يعني هيج ثواب مليان جراثيم هم ماينراد – ناهيك عن غياب وسائل الترفيه في ساحات المدارس وأجهزة التكييف داخل الصفوف والفاعات – بطرك البنكة الهندية – علاوة على تكاليف المواصلات ،ضيق ذات اليد الذي أجبر اﻻف التلاميذ على التسرب المدرسي لغرض العمل مبكرا ومساعدة ذويهم على أعباء الحياة بما يعرف بعمالة الاطفال ،بعد المسافات ،الاختنقات المرورية ، اﻷوحال والمياه الاسنة وغرق الشوارع المؤدية الى مدارسهم شتاء ، المشاكل اﻷسرية ، انقطاع الكهرباء الدائم ، الانشغال بالهواتف النقالة وألعابها ” طالب بطول القزمة يحمل آيفون 6 !!”.
والطامة الكبرى تكمن بهدم المدارس على يد مقاولين بنية إعادة بنائها ومن ثم ” افتكرني ، في لحظة حلوة ، عشنا فيها الهوى ” ، و تغيير المناهج المستمر وغير المدروس من أجل ..أجل ماذا ؟ طباعتها بملايين الدولارات دوريا بمطابع متفق على مناقصاتها سلفا بين البائع والمشتري، بروز ظاهرة الإعتداء على الكوادر التدريسية من قبل ذوي التلاميذ والتجاوز على إدارات المدارس ، الظروف اﻷمنية المتدهورة في بعض المناطق ، وكذلك قضية الطلبة النازحين داخل خيام النزوح ، بروز ظاهرة المدرس الخصوصي واللجوء اليه لتحقيق النجاح على حساب الدوام والانتظام فيه من قبل المدرس الخصوصي والطلبة على حد سواء ، كلها أسباب تراكمية أثرت سلبا على واقع التربية والتعليم بما لاينبغي إغفال أي منها وبأي حال من اﻷحوال ، ﻷن النتيجة الكارثية هي اللجوء الى آخر العلاج المتمثل بالدور الثالث لترقيع نسب النجاح ضمن الإحصاء النهائي ليقال أن العراق حقق نسب نجاح كذا وكذا كما في كل عام دراسي نصفه حر وعطل واحتفالات وطنية ودينية ، ونصفه اﻵخر ” برد ورياح ومطر .. يتك تك على الشباك؟ هذا في حال وجود شباك سليم أصلا في المدرسة لم يتعرض لحجارة أبناء المحلة أو طابوق الطلبة الكسالى إحتجاجا على معدلات الرسوب !اودعناكم اغاتي.