آفات إجتماعية قاتلة …(2)

آفات إجتماعية قاتلة …(2)

آفات إجتماعية قاتلة …(2)
إنتحارات أم إغتيالات على الطريقة السقراطية والمارلينية أم النص بالنص ؟!
قضيتان هزتا المجتمع العراقي برمته مؤخرا لخصوصيتهما فكلاهما على علاقة بأروقة القضا، والذي يفترض أنه بمنآى عن الكارثة الأجتماعية مناط البحث وجزء لايتجزأ من حلها وسبر أغوارها ، ﻻ تأزيمها وزيادة غموضها ، المعضلة المتصاعدة التي حارت بأسباب إرتفاع وتيرتها بإطراد العقول الراجحة بل وحتى الجانحة أيضا ، القضية اﻷولى تمثلت بإنتحار القاضي عبدالليي” الشهير بـ”حاكم گوران عبر بث حي على الـ “فيس بوك” وذلك بإطلاق النار على نفسه من سلاح “كلاشينكوف نتيجة الخلافات السياسية في كردستان على وفق الرسالة التي خاطب بها جمهور المتابعين له قبيل إنتحاره وذلك بعد مرور عام تقريبا على اعتزاله في جبل “زاوا” في أعقاب فشل انفصال الاقليم عن العراق ، أما الحادث الثاني فتمثل بإنتحار أو إغتيال المحامية فائزة العبيدي في العاصمة بغداد ، داخل سيارة زوجها بإنفجارين مروعين موضعيين لم تحدد الجهات اﻷمنية طبيعتهما ، وفيما زعم زوجها وكان برفقتها قبل دقائق من الحادث الاليم قبل ترجله من السيارة ودخوله الى البيت ومصرعها بمفردها ، بأن زوجته المحامية قد إنتحرت ، أكد ذو الضحية بأنها قد أغتيلت على يد زوجها لخلافات شائكة بينهما ، وذلك بالتزامن مع إعلان منظمة العفو الدولية عن أن خمسة من مديريها سيغادرون مناصبهم على خلفية عمليات انتحار لمتدربين وموظفين تابعين لها نتيجة ضغوط العمل خلال اشهر على حد زعمها ، وهكذا ضاعت وتضيع الحقائق منذ أعوام خلت بين إغتيال مخطط له مع سبق الإصرار والترصد لدوافع تعددت فيها اﻷسباب والموت واحد ، دونت على أنها إنتحار ، وبين إنتحار غير مخطط له يقع في لحظة ضعف وإحباط شديدين يدهمان صاحبهما قبيل إقدامه على إنهاء حياته إختيارا متأثرا بمن سبقوه حينا وبمن حرضوه بشتى الطرق أحايين ، تأريخيا ﻻشك أن أشهر من أغتيلوا ودون إغتيالهم على أنه انتحار الفيلسوف سقراط الذي أجبر على إحتساء السم أمام تلاميذه بعد خلافه مع الحكام ووعاظهم بشأن العدل والحكمة ، وكذلك المشير عبد الحكيم عامر بعد هزيمة 1967 ، علاوة على ممثلة الاغراء الشهيرة مارلين مونرو ، التي قيل أنها إنتحرت عام 1962 بجرعة زائدة من الادوية فيما إعترف قاتلها بعد عقود بأن المخابرات الامريكية هي من أمرته بإغتيالها على خلفية علاقتها المشبوهة بالرئيس الاميركي الاسبق جون كينيدي ، الفنانة سعاد حسني بدورها ألقيت من أعلى مبنى ” ستوارت تاور ” غربي لندن عام 2001 ودون الحادث على إنه انتحار وذلك بعد كشفها عن عزمها بإصدار مذكراتها برغم كل التحذيرات وما ادراك ما مذكرات – سعاد – التى تفضح ساسة وقادة وتسلط اﻷضواء الكاشفة على خفايا إرتباط الفن بالدعارة والمخابرات والجاسوسية في حقبة الخمسينات والستينات في طول العالم العربي وعرضه ، وزير الداخلية السوري الاسبق ورئيس شعبة المخابرات في لبنان اللواء غازي كنعان ، الذي حامت الشبهات حول اغتياله عام 2005 برغم أن الحادث دون على إنه انتحار بمسدسه الشخصي وذلك بعد افتضاح علاقته بإغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري ، وغيرهم الكثير مما لايتسع المجال لذكرهم في هذه العجالة ..الانتحارية !

وبحكم عملي الصحفي المضني أكاد أزعم ولا أجزم بأنني واحد من أكثر الذي حرروا أخبارا بشأن حوادث الانتحار وبشكل شبه يومي تقريبا ولاشك أن من أشدها إيلاما ووقعا على نفسي كانت حادثة إقدام شخص على الانتحار من خلال إطلاق النار على نفسه داخل منزله في منطقة القادسية بمحافظة ميسان بسبب كثرة الديون ، وكذلك إنتحار شاب يدعى (س، أ، م) يبلغ من العمر 17 عاما داخل منزله في قرية “مرانه”، وانتحار سيدة تدعى (أ، ق، ح) تبلغ من العمر 56 عاما داخل منزلها في قرية زنگلان التابعة لناحية “سنگـ‌سـ‌ر” بشنق نفسها بواسطة حبل معلق في السقف ”، و انتحار شاب في الحادية والعشرين من العمر شنقا بقضاء الغراف ، شمال الناصرية ،وانتحار ضابط برتبة مقدم شرطة في مديرية مرور المحافظة يدعى (أ.م.ع) ويبلغ من العمر 40 عاما بإطلاق النار على نفسه بشكل مباشر من مسدسه الشخصي داخل منزلة بمدينة الناصرية ، فيما تمكنت دوريات شرطة النجدة في الديوانية من انقاذ فتاة من الانتحار بعد أن حاولت رمي نفسها في النهر من أعلى أحد الجسور في الطريق الحولي لمبنى الجامعة”و إنقاذ رجل يبلغ من العمر 64 عاما حاول الانتحار في نهر الفرات بالقفز من أعلى جسر الحضارات الرابط بين الجزيرة والشامية ، ومحاولة انقاذ شخص انتحر من خلال رمي نفسه من أعلى جسر الهندية وسط نهر الفرات ، وانتحار “شابة تبلغ من العمر ٢٢ عاما بآلة حادة في منزلها وسط قضاء خانقين”، وانقاذ شخص آخر يدعى (م.خ.د) من مواليد 1988 يعمل كاسبا بسبب مشاكل عائلية ، بينما تمكنت قوة امنية من انقاذ شاب حاول الانتحار من اعلى جسر معسكر الرشيد ببغداد، وانتحار نازح يدعى (ا. ص ح ) وهو من اهالي ناحية العياضية من مواليد 1992بشنق نفسه داخل خيمته في مخيم النازحين بمنطقة يحياوة جنوبي كركوك وسواها العشرات من الحوادث المريعة التي شملت كلا الجنسين ، وتضمنت كل الفئات العمرية ، وفي جميع المحافظات العراقية،بينهم أميون ومنهم متعلمون ، ولقد سجلت الجسور العديد من حالات الانتحار تلك ما دفع بعضهم لإقتراح تسييجها لمنع وقوع المزيد من الحوادث المؤسفة ، فيما تم أكثرها إما شنقا ، وإما حرقا وإما بإطلاق الرصاص ، أو بتناول العقاقير لتأتي القشة التي قصمت ظهر البعير متمثلة بالدراسة التي قام بها مركز “غالوب” الأمريكي للدراسات الدولية، عن حلول العراق في المركز الرابع عالميا لعام 2018، في الانتحار بعد تشاد،و النيجر وسيراليون، عبر قياس نسب “المشاعر السلبية”، وانتشارها بين السكان” عازية ذلك الى ” الحزن، الكآبة، القلق، والخوف، وما يتبع ذلك من تأثيرات اخرى كالغضب واللجوء الى العنف” على حد وصفها ، ولم يبتعد تقرير المفوضية العليا لحقوق الانسان عن ذلك حين كشف عن تسجيل 132 حالة ومحاولة انتحار في المحافظات العراقية كافة خلال الربع الأول من العام 2019 ، ليأتي تقرير لجنة حقوق الانسان النيابية ” فيكمل الغرقان ..غطة ” حين كشفت، ان ” ارتفاع معدل حالات الانتحار في البلاد يعود الى عدم وجود ستراتيجية حكومية في معالجة مشكلة الفقر وتفشي الفساد المالي والاداري في مؤسسة الدولة اضافة انتشار المواد المخدرة والتفكك الاسري داخل المجتمع″ وأضيف وضعف الوازع الديني والاخلاقي ، والقتل المخطط له سلفا ليبدو على انه جرائم اغتيال بما يحلو لي تسميتها بجرائم الانتحار ” السقراطية ” التي ترغم خلالها الضحية على الانتحار بالسم او بإلقاء نفسها من شاهق فيظن أنها قد انتحرت اختيارا وما هي كذلك ، ويحلو لي تسميتها ايضا بجرائم الانتحار ” المارلينية او السعادية ” التي يقتل فيها المجني عليه بطريقة محكمة ليبدو أنه انتحر مع أنه قد اغتيل عمدا !
بعض المنتحرين يقدم على فعلته الشنعاء تلك بعد إخباره بأنه مصاب بمرض لايرجى برؤه او لإدراكه بأن أحدا حتى من اقرب المقربين اليه لن يرعاه ويحتمله ،أو أنه لايمتلك تكاليف علاجه كالسرطان او الايدز او الزهايمر او الباركنسون مثلا ، وبعضهم خشية إفتضاح أمره بقضية ما اخلاقية ، مالية ، وظيفية ، جنائية ، وبعضهم هلعا من المستقبل المظلم ، او نتيجة لصدمات عاطفية ووجدانية مختلفة ، بعضهم بسبب المخدرات والخمور بغير وعي منه ،وبعضهم بتأثير أمراض نفسية مستعصية وابرزها الفوبيا والفصام والاكتئاب الشديد ، بعضهم بتأثير مواقع الكترونية شيطانية والحادية تحرض على الانتحار بل وتدعو الى تصويره في بث حي ، وبعضها نتيجة العاب الكترونية واشهرها ” تحدي تشارلي ، الحوت الازرق ، مريم ، بوكيمون جو ،جنية النار ، و المسلسل الاميركي المثير للجدل “13 ريزنز واي”وغيرها وﻻيفوتني بالاشارة الى أن بعضهم يعاني من فقدان الحنان والتفكك الاسري وهؤلاء عادة ما يلوحون بالانتحار لجلب الانتباه وإستثارة العواطف التي يفتقرون اليها فيما هم غير جادين به واغلبهم يتم انقاذهم في اللحظات الاخيرة بعد حصولهم على الاهتمام المطلوب او المفقود الذي يستجدونه انتحارا في حقيقة الامر !
ولكي لانترك الموضوع هكذا على عواهنه من غير وضع السبابة والابهام على جانب من الحل فلابد من التذكير بأن على جميع المؤسسات الدينية والتربوية والتعليمية والصحية فضلا عن منظمات المجتمع المدني وبالاخص تلكم المعنية بحقوق الانسان ناهيك عن دور الاسرة في اطلاق حملة توعوية وطنية كبرى شاملة وواعية ومدروسة تتظافر فيها كل الجهود الخيرة وعلى المستويات كافة للاحاطة بأسباب الظاهرة وطرق الوقاية والعلاج منها وكبح جماحها بأسرع وقت ممكن قبل استفحالها اكثر بما لاتحمد عقباه . اودعناكم اغاتي

أحدث المقالات

أحدث المقالات