23 ديسمبر، 2024 9:32 ص

آفات إجتماعية قاتلة (15) لمن النهي واﻷمر لسلطة العشائر أم لعشائر السلطة ؟!

آفات إجتماعية قاتلة (15) لمن النهي واﻷمر لسلطة العشائر أم لعشائر السلطة ؟!

قال تعالى ” أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ “.
دقت دكة الفضيلية العشائرية التي ذهب ضحيتها نجل مدير الدفاع المدني ، اللواء كاظم بوهان ، وابن شقيقه والتي تسببت بإحراق عدد من المنازل ومنع سيارات الإطفاء من إخمادها بضمنها منزل الرجل رقم (1) بإخماد الحرائق في العراق والذي إحترق منزله خلال – الدكة – آخر مسمار في نعش السلم المجتمعي بوجود دولة عميقة داخل الدولة تتحدى القانون وتخالف الشرع وتروع اﻵمنين في بعض أعرافها وتقاليدها ، بالتزامن مع مقتل شابة في الديوانية وإصابة والدها ووالدتها وشقيقتها بجروح خطيرة بعد تمردهم على – النهوة العشائرية – المخالفة ﻷحكام الشريعة والقانون المفروضة على إبنتهم ظلما وعدوانا ، وذلك بعد أيام قلائل على هجوم عشائري مباغت على مزرعة بناحية سفوان بسبب خلاف على قطعة ارض ، وبعد أشهر على نزاع بمختلف انواع اﻷسلحة بينها صواريخ كاتيوشا في منطقة الهارثة اسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وقطع التيار الكهربائي بعد تضرر احدى محطات الطاقة في المنطقة ، فالنزاعات العشائرية ماضية على قدم وساق وبمختلف أنواع اﻷسلحة ، بعضها قديم كداحس والغبراء وحرب البسوس يتجدد بين حين وآخر يورث أحقادها اﻷجداد للأحفاد ، وبعضها حادث تندلع على أتفه اﻷمور الدنيوية والتي يمكن تسويتها – بوجبة غداء- بدلا من اللجوء الى الهاونات والراجمات والاحاديات لحلها وإثارة اﻷحقاد والثارات بسببها ، فيما أخرى تنشب نزاعا على المياه أو ايرادات النفط وواردات الشركات العاملة في أرض مشتركة أو متنازع عليها ، وبعضها على تجارة المخدرات !
وبالعودة الى “النهوة العشائرية” وتعني منع المرأة من الزواج بغير إبن عمها تحت يافطة ” بنت العم لإبن العم ” والا فإن أي رجل يتقدم لخطبتها فعليه أن يحمل كفنه بين يديه وربما كفنها هي ايضا ، ومنهم من – ينهي – على ابنة عمه وان كان متزوجا لمجرد النهي بغية إذلالها واهلها وغالبا ما تنتهي النهوة إما بزيجات غير متكافئة وإما بالقتل أو الانتحار ولو علم الناهون ، أن ” الاندوغامي ” أو زواج الاقارب هو السبب الرئيس في شيوع اﻷمراض العقلية وكثرة المعاقين ذهنيا بينهم مرضى متلازمة داون ، والتقزم ، إضافة الى مرض الثلاسيميا ” فقر دم البحر المتوسط ” ، وفقر الدم المنجلي ، وأمراض الكبد والكلى والصرع والبهاق ونقص النمو فضلا عن ما يسمى بأمراض التمثيل الغذائي وووظاهرة التخنث للرجال والاسترجال للنساء ومن شاء فليستمع الى المفاجأة من العيار الثقيل التي فجرتها رائدة علم الوراثة المصرية البرفيسورة سامية التمتامي ، في لقاء صحفي سابق لمجلة “ساينتفك أمريكان” العلمية بكشفها، ان ” زواج الاقارب سبب مهم في التخنث الذكري الكاذب ، والخنوثة الكاذبة الأنثوية وإنقطاع الطمث !”، أقول لو علم الناهون بأن كل تلك المصائب الإجتماعية والصحية هي حصيلة زيجات اﻷقارب فلربما أحجموا عن النهوة وإبتعدوا عنها كليا ونهائيا !
وفي العصبيات الجاهلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “( مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ) وفي العصبية الجاهلية قال صلى الله عليه وسلم ايضا ” دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ.
وبرغم اصدار قرار يقضي بالتعامل مع “الدكات العشائرية ” على وفق أحكام المادة 2 من قانون مكافحة الاٍرهاب والتي تنص على ، ان “التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أياً كانت بواعثه، يعد من الأفعال الارهابية” اﻻ أنه ظل كالمواد 431 و430 من قانون العقوبات العراقي التي تتعامل مع ” النهوة العشائرية ” على إنها جريمة تهديد يعاقب عليها بالحبس” مجرد حبر على ورق عمليا ، فالدكات والنهوات متواصلة تتصاعد حدتها يوميا ﻷن من أمن العقاب أساء اﻷدب ، وما إلقاء القبض على بعض صغار المتورطين بالدكات والنهوات العشائرية بين الفينة والفينة سوى غيض من فيض لاقيمة ترتجى منها لإجتثاث الظاهرة اذ ان الاصل هو مصادرة السلاح المنفلت خارج اطار الدولة من الجميع وبالقوة ، واﻷصل تثقيف الناس ضد اﻷعراف الفاسدة والتقاليد البالية التي تتعارض مع القوانين النافذة واشاعة ثقافة التصدي لها في كل مناحي الحياة من دون خوف ولا وجل تساندهم السلطة في ذلك، أما أن يطبق القانون على – سقط المتاع – من صغار المتورطين ويترك حيتانها تصول وتجول وتفرخ أحكاما ما انزل الله بها من سلطان لتلزم نفسها واتباعها والشعب بها فهذا لعمري التفاف على القانون وحقوق الانسان والاديان السماوية جمعاء !
وﻻ شك ان واحدة من أسباب تسيد اﻷعراف العشائرية للمشهد برمته وإستعلائها على القوانين والشرائع السماوية هي لجوء السياسيين وأحزابهم اليها خلال الترشح للانتخابات المحلية والبرلمانية ، والاتكاء عليها اذا ما إدلهمت بهم الخطوب ودارت بساحتهم الدوائر حتى صارت تلكم اﻷعراف ملاذهم اﻵمن بعد الجنسية الثانية للتخلص من الملاحقة القانونية والمساءلة القضائية كلما فاحت رائحة فسادهم وحيثما زكمت منها اﻷنوف ، وبرغم ضجيج جل السياسيين بضرورة الحد من الدكات والنزاعات العشائرية وملاحقة المتورطين بها – امام الشاشات فحسب – فإن استقواءهم العصبي بالعشيرة جعلهم أسرى لتقاليدها وإن خالفت العقل والمنطق والدين اﻷمر الذي زاد الشقة بين الواقع والطموح ، ووسع الهوة بين التصريحات والتطبيقات ، وشجع على مزيد من الفوضى العارمة وغياب سلطة القانون ولعل ما يصدق على السياسيين يتعدى الى رجال الدين ممن تتحكم ببعضهم اﻷعراف التي ارضعوها صغارا أكثر من التعاليم الدينية التي تعلموها ويعلمون الناس إياها فتراهم يحجمون عن الحديث بشأنها في الخطب والمواعظ والمجالس خوفا وطمعا !
ومن اﻷعراف العشائرية المقيتة ما يعرف بـ” زواج الكصة بكصة ” أو ” زواج البدائل ” قانونا ، أو زواج ” الشغار” شرعا ، ويتضمن خطبة الرجل إمرأة يكون مهرها أخته أو ابنته التي تهدى الى شقيق أو والد العروسة بدلا منها ، فإذا ما طلق الاول زوجته فإن شقيقته أو ابنته ستطلقان فورا وإن كانتا على وفاق تام مع زوجيهما ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه نهى عن زواج الشغار، وقال” الشغار أن يقول الرجل: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي”، وقد تسبب هذا النوع الباطل من عقود النكاح بتحديم مئات الاسر وتشظيها .
ومن اﻷعراف العشائرية المخالفة للشرع والقانون أيضا ما يعرف بـ” النساء الفصلية ” أو “زواج الدية” أو ” زواج الدم ” حين تدفع المرأة كعوض الى أهل الضحية لترضيتهم وفض النزاع بين عشيرتين وهذا الزواج مخالف للشرع والقانون، بنص المادة (9) من قانون الأحوال الشخصية (188) لسنة 1959 والتي تنص على “معاقبة من يُكره شخصاً، ذكراً كان أم أنثى على الزواج من دون رضاه، أو منعه من الزواج بالحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بالغرامة، إذا كان المكره أو المعارض أقارب من الدرجة الأولى” وذاكرة العراقيين متخمة بمآس عن هذا النوع من الزواج الظالم منها ماجرى في البصرة عام 2015 يوم سيقت 40 امرأة من عشيرة وسلمت الى أخرى،فيما سيقت 11 امرأة في حادثة أخرى وكأنهن سبايا ، علما أن المرأة الفصلية تعيش طوال حياتها مذمومة وعلى الهامش في عشيرة الفاصلين وبعضهن يلجأن الى الانتحار أو الهروب للتخلص من هذا العار والعذاب الابدي”.
ومن التقاليد العشائرية ما يعرف بـ” الجلوة ” عند ” فورة الدم ” وتتضمن إرغام ذوي الجاني بالرحيل مع كل أقاربه من المنطقة لحين ترضية عائلة المجني عليه وتسوية الخلاف عشائريا . ومن العادات التي تسببت بوقوع مئات الضحايا بين قتيل وجريح ما يعرف بـ” العراضة العشائرية ” وهي ظاهرة تجمع أبناء العشائر بأعداد كبيرة واطلاق الهوسات ورفع الرايات و اطلاق النار عشوائيا بكثافة وبمختلف انواع اﻷسلحة في المآتم والاعراس – بما يكفي لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني الغاشم – وآخرها وليس أخيرها ما عرف بـ ” عراضة مدينة الطب ” التي أرعبت المرضى الراقدين في المستشفى فضلا عن الكوادر الطبية وتسببت بهلع المواطنين !
هناك ظاهرة هي اﻷخطر في اﻷعراف اﻻ وهي ظاهرة ” الفصول ” المبالغ بها والتي اصبحت لبعض مدعي العشائرية والمشيخة وما اكثرهم مصدر دخل ثابت حتى ان بعضهم يصطنع الحوادث ويخطط لها في سيناريو اشبه بالافلام الهندية لجني اﻷموال الحرام والتوسط في النزاعات التي تصل بعض فصولها ودياتها الى المليارات بما يعرف محليا بـ” 100 شدة ..50 شدة ” ومن اغرب الفصول التي عقدت في احدى قاعات الفواتح شمال بغداد تضمنت فصل شرطي برتبة ادنى كان قد تجاوز لفظيا على ضابط في نفس السلك برتبة اعلى وكان الاولى ان يذهب بهما الى التحقيق في آمرية القاطع الذي ينتسبون اليه والتقيد بسلسلة المراجع العسكرية ﻷصدار العقوبة المناسبة بحق المقصر أو الاصلاح بينهما، لا أن يصار أمر المسؤولين عن أمن المواطين الى العرف العشائري ، اذا كان اﻷمر كذلك فما بال المواطنين ومن سيحميهم في هذه الحالة مستقبلا ؟ !
ظاهرة الفصول هذه أفرزت لنا العبارة اﻷبشع محليا والتي تخط باللون اﻷحمر على الجدران والتي لم ينج منها ﻻ الافراد وﻻ المطاعم وﻻ المنازل والمتنزهات ورياض الاطفال والمدارس اﻻ وهي عبارة ” مطلوب عشائريا “والتي تسببت بتعطيل المصالح وهروب العوائل وبث الرعب بين الابرياء علاوة على استخفافها كليا بسلطة القانون ، وعلى الجميع تحمل المسؤولية في تحكيم العقل والشرع والقانون والضرب عرض الحائط بكل ما يتعارض معها وسحب كل انواع الاسلحة خارج نطاق الدولة ومن الجميع من دون إستثناء وعلى القضاء والجهات الرقابية تفعيل القوانين التي تكقل حماية المواطنين وحقوقهم من كل ما من شأنه العبث بها وإﻻ فإن الدكات والنزاعات العشائرية على مستوى ” دكة الفضيلية ” اﻷخيرة ستستمر الى ما لانهاية بما يمرغ سلطة القانون في التراب وينشر الرعب بين الناس ويحول من دون إستباب اﻷمن وقدوم الشركات الاستثمارية التي تبحث عن البيئة اﻵمنة للمباشرة بأعمالها . اودعناكم اغاتي