13 ديسمبر، 2024 2:38 م

نجيب محفوظ بين “أولاد حارتنا”…وأولاد حارته!!

نجيب محفوظ بين “أولاد حارتنا”…وأولاد حارته!!

لا أدري السبب الحقيقي لمولد رواية “أولاد حارتنا” لصاحب نوبل العربية الوحيدة عام 1988 نجيب محفوظ، لكنني على يقين أنه كان يمر بأزمة بحث حقيقي عن نفسه، ولم يأخذني العجب حين وجدت هذه الرواية ضمن رواياته التي رشحته لهذه الجائزة الكبرى لمبتكر الديناميت “الفرد نوبل”، هل كان يبحث عن الحقيقة فصنع لها تمثالاً من الجبس أو الطين؟!، ليس في الرواية عالم يختلف عن عوالم نجيب محفوظ نفسه، الحارة، الفتوّات وكل مايتعلق بهذين العالمين، لكن أن تكون له اسقاطاته النفسية في قضية الدين على الأرض، فتلك مسألة أخرى.

النص ملك صاحبه، لكنه حين يخرج من يديه يصبح ملكاً للآخرين، الكاتب يملك أن يقود عيني القاريء بين سطوره، لكن ليس له السلطة في إرغام القاريء على الإقتناع برأيه

صدرت الرواية على شكل حلقات متسلسلة في جريدة الاهرام عام 1959  وصدرت نسختها الورقية عام 1962 في لبنان ، وبسببها تعرض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال من قبل شاب مصري عام 1994.

لم تنل رواية من الاهتمام العربي قدر هذه الرواية الإشكالوية، أنا لا أحاكم كاتبها الآن، بل وجدت الكاتب يعيد كتابة تأريخ رواية قديمة-جديدة حسب رؤيته، والواقع الذي أشهد عليه أن نجيب محفوظ قد قرأ القرآن الكريم بوعي كبير، ووصل بقناعة ما إلى الإيمان بالتراث الإسلامي بقدر انتفاعه منه في نصوصه، وأراد طرح أفكار تحدث ضجة كبيرة من حيث تعلّق أحداث الرواية بنصوص قرآنية وإسلامية، ليس على لسانه طبعاً، ولكنه ينسبها إلى أبطاله المفترضين على الورق، والعجيب أن هذه الرواية مفتوحة وليست منتهية منذ أن خلق الله آدم وحتى نهاية العالم ( ويقيناً أن أصل الرواية ليست ملكاً شخصياً له)، يحسب الكثير( ممن يعظّمون ريادة نجيب محفوظ للواقعية في الرواية العربية) أن لنجيب محفوظ حسنة بداية الحكاية، وللآخرون تدوين المظالم التي تجري في هذا الزمن السائل حتى يتجمد المكان بنهاية متوقعة.

العالم نفسه رواية زمنية واحدة وإن تجددت صور قراءاتها المتعددة، الروائي والشاعر يختصران الزمان والمكان ليجدا نفسيهما في زمان ومكان ليسا زمانهما ومكانهما، سلطة الخيال سلطة مرعبة لدى البعض، الجميع يرى أن هناك خطاً أحمراً لايجرؤ أحد على تجاوزه، فكيف بمن هو مصاب أصلاً بعمى الألوان!، هكذا تصور نجيب محفوظ نفسه وهو يخلق عالمه على لسان راوٍ يؤرخن لما جرى في حارته ليس إلا…حتى وإن كان يعيش في عالمه الخاص، لا العالم الذي يعيش فيه بقية الخلق جميعاً.

إقناع القاريء بأنه يقرأ نصاً أدبياً على هيئة رواية أو قصة هي مكيدة كبرى، ليس بإمكان الحطّاب أن يقنع شجرة بأنه يقطعها من أجل أن يصنع مائدة يأكل عليها الآخرون، لا مبرر له سوى أن يوهمها أنه يضربها بوردة وليس بفأس، نجيب محفوظ هوى بفأسه في هذه الرواية على العقائد أكثر من أي حطاب متمرس بقطع الأشجار.

كل نص أدبي أو فكري مسبوق بافتتاحية أو مقدمة تشرح النص للقاريء، هو نص مخاتل له وجهان، وجه يعرفه الكاتب ووجه يتعرف إليه القاريء، لايملك الجميع موهبة القراءة بثلاث عيون، القاريء الواعي يقرأ النص وكأنه مدرَّبٌ على فك رموزه، كل موجود(سوى الله) يخضع لقاعدة رياضية وفيزياوية في نفس الوقت، القاريء لايُقاد من أذنيه مثل أي خروف، حين تقرأ وتنكشف لك أسرار العمل الأدبي لأي كان، تكون حينها أعلم من الكاتب نفسه، لأنه أما أن يكون فاشلاً في إخفاء أسراره…أو ناجحاً لأنه أوصل إليك فهمه بقدر بسيط من التعب.

الشخصية الخالدة في الرواية هو”الجبلاوي”(شخصية الإله الذييموت بعد عمر طويل جداً بسبب قتل خادمه في البيت الكبير“الجبلاوي”صاحب السلطة والقوة وصاحب القرارات التي لاينفع معها استئناف أو تمييز، هو من يقرر من يعيش في بيته الكبير الوحيد، ومن يُطردُ منه، البيت الذي تفهم أنه الأرض، المسرح الكبير للممثلين الذين يتكلمون بكلام المؤلف-الإله، كبير أبنائه ( إدريس) على وزن (إبليس) الذي قال الله له “قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ“(ص:77)، ذنب ابليس الكبير هو أنه رأى قبالة أمر الله، لأنه قال لله حين رفض السجود لآدم ع ” أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين“(الأعراف:12)، وتلك أول نظرة عنصرية في الوجود، (إدريس) اعترض على رأي الجبلاوي بتفضيل أصغر أبنائه (أدهم على وزن آدم) لأنه جعله ناظراً لوقف خيره بالكامل، وكان أن خرج ادريس مذموماً مدحورا، اختار لعشة بيته أن تكون في مكان قريب بعد طرده من جنة أبيه (الجبلاوي) بانتظار عفو خاص وفق مرسوم جبلاوي، تنعّم ادهم بالحياة في البيت الكبير مع زوجته أميمة(حوّاء)، إلى أن أغواه أخوه ادريس وتمسكن أمامه لغرض الإطلاع على مستقبل ابنائه والإطلاع على وصية (الجبلاوي) في غرفة نومه، وزادت عليه أميمة (حواء) بتحريض (أدهم) على عصيان أبيه!، ولدى اكتشاف معصيته تلك، طردهما الجبلاوي من بيته الكبير فأصبح صاحب عربة لبيع الخضراوات لعشرين سنة، وُلد له قدري( قابيل) وهمام( هابيل)، بينما وُلد لأخيه أدريس “هند”، حدث أن قتل قدري هماماً قرب الصخرة التي يرعون خرافهم قربها، ودفنه قربها، بينما هربت “هند” إلى جهة مجهولة، أدهم أصبح أباً لمقتول وقاتل( هرب في الأرض) وادريس أباً لعاهرة(حسب قول ادريس!)، وفيما بعد يعود قدري مع هند ويتبين أنهما تزوجا وأنجبا الكثير من الأحفاد..، هكذا تكاثر أبناء حارة الجبلاوي الذي لم يخرج من بيته الكبير على رأس الحارة من ناحية الصحراء.

نجيب محفوظ تعرض للفترات الزمنية لبعث الأنبياء في مملكة الله، لكن محفوظ بعث أشخاصه في مملكته الروائية وأختارهم بعناية واضعاً على نفسه شرطاً أدبياً أن يشابهوا أنبياء الله في أغلب أعمالهم سوى النبوة (لأنها من اختصاصات الله وحده)، لم يتعرض نجيب محفوظ لفترة نوح ع ويوسف ع، إذا اعطاه أحدهم العذر في الابتعاد عن نوح ع لأنه لايستطيع أغراق الأرض بالطوفان، الطوفان يعني غرق البيت الكبير وهو يريد إبقاءه واقفاً في زمانه لغرض إكمال الرواية، إلى أن يصل الدور لشخص( جبل) الذي يمثل( موسى ع)، ونحن قرأنا القرآن ووجدنا أن فترة التأسيس الأولى لبني اسرائيل حين لبوا نداء يوسف ع بعد أن أصبح عزيزاً لمصر، وقصة يوسف هي أجمل قصة في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى” نحن نقص عليك أحسن القصص”(يوسف:3)،…، لكن من الجميل أنه لم يمر بفترة نبي الله يوسف ع، لأن عليه أن يوجد بئراً محفورة في فلسطين وطفلا له تسعة أخوة من أبيه النبي وأمه، ثم ينتهي إلى قصة”زليخا” إمراة العزيز التي هامت به حباً، ولا أدري لماذا تجاهل فترة يوسف ع وهو من جاء ببني اسرائيل إلى مصر”أم الدنيا”، هل كانت تهمة “زليخا” مخلة بشرف عزيز مصر أم أنه ترك القصة بكاملها ومافيها من السنين السمان السبع والسنين العجاف السبع والسنة الخامسة عشرة التي عصرت الناس عصرا، مع أنه ملأ الرواية غيوماً بالحديث عن الحشيش الذي تؤمِّنه مصر لمواطنيها، لم تسلم أية شخصية في الرواية من تدخين الحشيشة وشرب الخمر، وكأن تناول الحشيشة والخمر من مكملات شخصية المصلح والثائر حتى لوكانت هي المكافيء لشخصية نبي معصوم!!، محفوظ لايحتاج إلى جنة الله، فهو اختصر جنته الخاصة في الرواية بالمال والسلطة والنساء والخشيش والخمور، حضور بني اسرائيل لمصر في زمن يوسف ع هو بداية لتأسيس تأريخ آل حمدان في الرواية، نجيب محفوظ يعيد تشكيل تأريخ بني اسرائيل الخاص بباطنه…أو كما يريد أن يكونه التأريخ، كان عليه أن يبني بيتين كبيرين أمام البيت الكبير، أحدهما لناظر الوقف(الغني)، والثاني للفتوّة(القوي) الذي يحتمي به الناظر من أبناء الحارة، يصدف أن الهانم زوجة الأفندي ناظر الوقف( الذي يمثل الفرعون)، وهي هنا تمثل زوجة فرعون (آسيا بنت مزاحم)شاهدت أحد الصبيان وهو يلعب بالماء والطين ولم تجده في تابوت يسير في النيل، الله تعالى يقول”فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ “(القصص:7)، فأخذته وربته في بيتها وأصبح ربيبها، كان قوياً لكنه كان يعمل معاوناً للأفندي ( مع أنه من آل حمدان)، في لحظة ثورية آنية شكا آل حمدان سوء حالتهم الإقتصادية وطالبوا ناظر الوقف بحقوقهم من وقف الجبلاوي لأنهم من أبناء أدهم وأميمة، هذه الجرأة على الناظر جعلته يفسح المجال واسعاً لفتوّة الحي بالفتك بهم، منعت سلطة الناظر التجول في حارة آل حمدان، الجميع يجأر بالشكوى وينادون الجبلاوي وليس من رد لشكاواهم وذلتهم!، صادف أن أحدهم ( دعبس) خرج من بيته فقبض عليه فتوّة حي آل حمدان( قِدرَة) فضربه كثيراً، وصادف أن مر (جبل) قرب (صخرة هند) فأنقذ (دعبس) بعد تضارب بينه وبين(قِدرَة)، مات قِدرة بسبب ضرب جبل له على صدره، وهذا نص موجود في القرآن إذ يقول اللهتعالىوَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ“(القصص:15)، ثم قاما سوية بدفن الفتوّة وعادا إلى حارة آل حمدان، النانظر الأفندي أرسل بطلب جبل[ فحدجه الأفندي بنظرة قاسية وسأله:يجب أن أعرف إن كنت معنا أم علينا؟، فقال جبل بحزن وهو يشعر بأنه في النزع الأخير من حياته الراهنة: ما أنا إلا ربيب نعمتك فلا يمكن أن أكون عليك، ولكن من العار أن أترك أهلي يبادون وأنا أنعم بظلك]…ألا يذكرنا هذا الحوار بآيات قرآنية تنقل الحوار الذي دار بين فرعون وموسى قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ(الشعراء18-22)، وقرر جبل أن يهجر حارته فهرب منها عن طريق السطوح وذهب إلى جبل المقطم، قال تعالىفَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ“(القصص:21)، وصادف أن هناك حنفية ماء عمومية وهناك فتاتان( إبنتا النبي شعيب ع) لم تستطيعا ملء صفيحتين من الماء، فقام بملئهما لشدة الإزدحام على الحنفية، وتبين أنهما ابنتا (البلقيطي الحاوي) وهي إشارة إلى نبي الله شعيب ع، قال اللهتعالى وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ(القصص23-27)ولأن الأب يعمل حاوياً للأفاعي ، قام بتعليم جبل أن يكون حاوياً للأفاعي، وتزوج جبل من شفيقة( صفورا بنت شعيب)، وربما تكون عصا موسى ع التي ألقاها فانقلبت إلى أفعى عظيمة لقوله تعالى” فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ (طه:20) هو ماجعل نجيب محفوظ يختار لـــ”جبل” مهنة الحاوي[ وجاء البلقيطي بجرابه وقام جبل ومضى الإثنان في طريقهما المعهود، وجعل البلقيطي يقول له: تعلم بعينيك كما تتعلم بعقلك، انظر ماذا أفعل ولاتسألني أمام أحد من الناس، وأصبر حتى أوضح لك مايغمض عليك فهمه]، ألا يشير ذلك إلى قصة لقاء موسى ع بالخضر لقوله تعالى”فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًافَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًاقَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (الكهف:65-82).

كان زقلط هو اليد الباطشة للناظر(فرعون)، وهو هنا اشارة إلى( هامان) الذي ألحق الأذى بآل حمدان بأمر من الناظر، وهذا يشير اليه قوله تعالى “وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49).

“جبل” قدم خدمة لمجتمعه بالتخلص من الثعابين(ومن ضمنها بيت الناظر) لأنه كان حاوياً ليس إلا!!.

على الرغم من أن نجيب محفوظ تحاشى إدخال الشخصية المكافئة لنوح ع، إلا أنه لم يغفل عن مشهد إغراق جنود فرعون في الماء، جبل أرشد أهل حارة آل حمدان أن يحفروا حفرة عميقة خلف بوابة الحارةويملؤونها بالماء، وحال هجوم رجال الناظر وكسر البوابة بقوة،سقطوا جميعاً داخل الحفرة والماء يغمرهم، فيما رماهم الناس بالحجارة فماتوا غرقى ودماؤهم تختلط بالطين، فيما شمل مرسوم العفو المحفوظي شخصية الناظر(الفرعون) الذي سمح له بالهروب مع زوجته وخدامه قبل وصول “جبل” إلى بيت الناظر وليس البيت الكبير الذي يقطنه “الجبلاوي-الإله!”.

“رفاعة” هو الشخصية المكافئة لنبي الله “عيسى ع”، روح الله الذي كان يحمل رسالة السلام بين يديه، شهد أحدهم على”ياسمينة” أنها خرجت ليلاً من بيت الفتوّة الكبير “بيومي”، وهي وحيدة لاتملك غير جسدها لتعيش به، كانت تسكن قريباً في شقة مجاورة لبيت رفاعة، وكان القرار على وشك أن ينفذه فتوة الحارة” خنفس”، لولا تدخل رفاعة بأن يعرض نفسه للجزاء بدلاً عنها!!، وحين رفض الجميع ذلك عرض أن يتزوجها ليستر عليها فوافقوا….هذه الحكاية يذكرها الكتاب المقدس – العهد الجديد:إنجيل يوحنا:الفصل / الأصحاح الثامن:

[1 أما يسوع فمضى إلى جبل الزيتون

2 ثم حضر أيضا إلى الهيكل في الصبح ، وجاء إليه جميع الشعب فجلس يعلمهم

3 وقدم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أمسكت في زنا . ولما أقاموها في الوسط

4 قالوا له : يا معلم ، هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل

5 وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم . فماذا تقول أنت

6 قالوا هذا ليجربوه ، لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه . وأما يسوع فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض

7 ولما استمروا يسألونه ، انتصب وقال لهم : من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر

8 ثم انحنى أيضا إلى أسفل وكان يكتب على الأرض

9 وأما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم ، خرجوا واحدا فواحدا ، مبتدئين من الشيوخ إلى الآخرين . وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط

10 فلما انتصب يسوع ولم ينظر أحدا سوى المرأة ، قال لها : يا امرأة ، أين هم أولئك المشتكون عليك ؟ أما دانك أحد

11 فقالت لا أحد ، يا سيد . فقال لها يسوع : ولا أنا أدينك . اذهبي ولا تخطئي أيضا]

نجيب محفوظ أسند إلى “رفاعة” مهمة زيارة المساكين وطرد العفاريت منهم، بينما القرآن أثبت أن “عيسى ع” كان يحيى الموتى بإذن ربه ويبريء الأكمه والأبرص، عيسى ع لم يتزوج في حياته، لكن رفاعة تزوج زانية بقيت على علاقتها بالفتوّة “بيومي” إلى الحد الذي دلت على مكانها ومكان زوجها وجماعته وهم مختبؤون في بيت أحدهم تأهباً للهرب، قبضوا عليه وقتلوه ضرباً بالعصي(النبابيت)، وصادف ان الزانية هربت من الفتوّة فوجدت أنها التجأت إلى مكان كان فيه أصحاب زوجها رفاعة فقتلها أحدهم.

يبدأ الفصل الخاص بـــ(قاسم) وهو الشخصية المكافئة لـــ(محمد ص وآله وكانت كنيته أبو القاسم) !، الحارة بقيت نفسها، ذهب الظالم وبقي الظلم، يخرج المصلح ليُقتل أو يُشتم حتى تنتبه الأمة له.

“قاسم” ابن شقيق زكريا الميت، زكريا هو كافله والشخصية تشير إلى شخصية (أبي طالب عم النبي ص وآله)، المجتمع الذي يعيش فيه قاسم مأخوذ ببيت الناظر لأنه كان ذا أشجار عالية تستحق الحسد، وهناك ابن عمه “حسن” وهي الشخصية المكافئة لـــ (علي بن ابي طالب)، أما شخصية المعلم يحيى فهي تشير بصورة جليّة إلى (ورقة بن نوفل)، [محفوظ يجهل أن ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزَّى بن قصيّ بن كلاب، وخديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، ومحمَّد بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصَيِّ، بن كلاب، هم أبناء عمومة وجدهم واحد هو (قصي بن كلاب)]قاسم كان راعياً، وكانت “ست قمر” وهي أرملة، وهي السيدة الوحيدة التي تملك مالاً في حي الجرابيع!![لماذا يكون حي الجرابيع هو الاسم المكافي لمكة المكرمة … الاسم مخجل جداً؟!..]، قمر هي الشخصية المكافئة لخديجة الكبرى أم المؤمنين ع تملك شاة واحدة يرعاها قاسم فيما يرعاه من شياه الناس[ كانت مكة تتاجر بمال خديجة وحمداً لله على أنها ملكت شاةً واحدة في مملكة نجيب محفوظ!!]، ولدت قمر بنتاً سميت “إحسان” (وهي الشخصية المكافئة لفاطمة الزهراء ع)…

العجيب أن”الجبلاوي” حين يختار أحد حفدته لمهمة من المهمات الزمنية الكبرى الفاصلة للتغيير في حياة الناس يظهر لهم على شكل ظل في الليل يسمعون صوته ولايتبينون وجهه، ولا أدري هل المصادفات تعثّرت بنجيب محفوظ أم هو تعثّر بها؟ أم هناك قصدية في التأليف؟!.

حدث أن ” الجبلاوي لم يظهر لقاسم ولم يتكلم معه وجهاً لوجه كما فعل مع ابنه أدهم وأحفاده ورفاعة، لكنه اختار في حالة قاسم أن يرسل إليه خادمه قنديل( على وزن جبريل ع).

الذي يقارن عشيرة الجبلاوي بعشيرة قريش يجد أنهم كلهم فتوات ولايليق بهم إلا توزيع الضرب على قفا الناس بالتساوي في عدد الصفعات…، وماحدث لمحمد ص واله مع عمه المؤمن أبي طالب ع حين عرضت عليه قريش أموالها إلا أن قال[واللهِ يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله، أو …أهلك دونه]، قاسم يقول لعمه زكريا[ فأطرق قاسم محزوناً ثم رفع رأسه إلى عمه وقال بتصميم عجيب:لن أقلع عما في رأسي ولومُلِّكتُ الوقف كله وحدي].

هناك رمز عجيب استخدمه نجيب محفوظ وهو” صخرة هند”، وهند هي ابنة المطرود من البيت الكبير ادريس بن الجبلاوي(الواقف نسبة إلى الوقف الذي أوقفه لذرية أدهم)، حيث كان قدري يختلي خلفها بهند فيشبع منها تقبيلاً، هذا الرمز حاضر في كل زمن من هذه الأزمان، فهل يكون مكافِئاً لغار حراء الذي كان يتحنف فيه اجداد النبي ص واله ثم نزل الوحي عليه فيه، أما جبل المقطم الذي هاجر إليه قاسم فهو المكافيء للمدينة المنورة.

لحق الأذى حارة قاسم من الفتوات المسلطين على رؤوسهم بسبب الناظر، حتى قاسم وضعوا التراب على رأسه، قتلوا أحد أصحابه شعبان( المكافيء لياسر أبي عمار بن ياسر أول شهيد في الإسلام)، فقرر الهجرة، وحدث أن أصيبت زوجته “قمر” بمرض أدى إلى موتها.

تبرز إلينا شخصية بدرية وهي المكافيء لشخصية أم المؤمنين عائشة، يقول محفوظ مشكوراً! (….فرأت فتاة في الثانية عشرة أو تزيد، ملفوفة على غير المألوف في ملاءة وعلى الوجه حجاب…سارعت الى حجرة قاسم وهي تقول بلهوجة: مساء الخير ياعمي! ونزعت النقاب فبدا وجه بدريٌّ قمحي بديع القسمات يقطر خفة)…وتبين أنها أخت أحد اصحابه صادق( الشخصية المكافئة لأبي بكر الصديق)….إلى أن تزوجها قاسم في هجرته بجبل المقطم.

يقول نجيب محفوظ ( وقالت بدرية:تناول طعامك فنظر اليها بعينين مثقلتين حالمتين وقال:ستشهدين النصر ياقمر… وانتبه إلى هفوة اللسان على أثر وقوعها، ورأى تغير وجه بدرية، فجلس في فراشه الأرضي وقال في تودد وارتباك:ما أشهى طعامك…لكنها نفرت من توادده متجهمة فتناول قطعة من الطعمية قائلا:جاء دوري لأدعوك للطعام فولت عنه وجهها وتمتمت: كانت طاعنة في السن ولا جمال لها! فتقومت قامته المنتصبة في كآبة كأنه تهدم وقال في عتاب وحزن شديدين:لاتذكريها بسوء فمثلها لاينبغي أن يذكر إلا بالرحمة).

[قالت عائشة: ما حسدت امرأة قط ما حسدت خديجة حين بشرها النبي – صلى الله عليه وسلم – ببيت من قصب ، وجاء في المسند عند أحمد أن النبي – عليه الصلاة والسلام – ذكر خديجة مرة وأثنى عليها فأحسن الثناء فقالت عائشة فغرت يوما فقلت ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين قد أبدلك الله – عز وجل – بها خيراً منها، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام – بعد أن غضب كما جاء في بعض الروايات : ما أبدلني الله – عز وجل – خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله – عز وجل – ولدها إذ حرمني أولاد النساء، وفي رواية مسلم قال : تلك التي قد رزقت حبها ، كان – عليه الصلاة والسلام – يحبها بل رزق منها الولد وما رزق من نسائه أولاداً – عليه الصلاة والسلام – إلا من خديجة رزق منها القاسم ورزق منها عبد الله ورزق منها كذلك رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة كل هؤلاء من خديجة كل أولاده إلا إبراهيم فهو من ماريه].

يذكر نجيب محفوظ حين يتحدث عن شخصية حسن( المكافيء لشخصية الإمام علي بن أبي طالب ع) فيقول:[ودفع حسن “لهيطة” بكل قوته فتراجع خطوة فبصق على عينه وهو يهدر]، و”لهيطة” الفتوّة هنا هو المكافيء لشخصية “عمر بن ود العامري الذي كانت ترتعب العرب من ذكره ويعدونه بالف فارس ويطلقون عليه لقب “فارس أليل”، في كتاب المناقب لابن شهر آشوب الجزء الثاني ص115، لما أدرك [علي (عليه السلام)] عمرو بن عبد ود لم يضربه، فوقعوا في علي (عليه السلام)، فرد عنه حذيفة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): مه يا حذيفة، فإن علياً سيذكر سبب وقفته، ثم إنه ضربه، فلما جاء سأله النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، فقال:قد كان شتم أمي، وتفل في وجهي، فخشيت أن أضربه لحظ نفسي، فتركته حتى سكن ما بي، ثم قتلته في الله.

لا أدري هل نجيب محفوظ هنا يكتب سيرة بني آدم أم سيرة حارة تدخن الحشيش وتمد قفاها لمن يصفعها أولاً لتعلنه فتوّةً يحميها من صفعات غيره!.

هل تتوقعون أن نجيب محفوظ الذي يكتب روايته هذه بوعي مغاير يقول في (ص 212-طبعة هنداوي 2022 ) عن ليلة زفاف قاسم (محمد ص واله) على قمر(خديجة الكبرى):

[أما صادق(أبو بكر) فأخرج من صدره بلبوعة في حجم البِلْية أدارها بين إصبعيه تحت ضوء الكلوب وقال في أذن قاسم( محمد ص واله): معجونة بالهريسة ولها مفعول ياسلام! فتناولها قاسم وأودعها فاه باسماً وقد احمرّت عيناه السوداوان من الشراب فعاد صادق يقول: امضغ ثم استحلب!].

نجيب محفوظ هضم التأريخ الإسلامي، لهذا يقول[ أن صادق(ابو بكر الصديق) خلف قاسم على النظارة فسار سيرته، وأن قوماً رأوا أن حسن (علي بن ابي طالب) أحق منه بالنظارة لقرابته من قاسم ولأنه الرجل الذي قتل الفتوات، وانهم حرضوا حسن على رفع نبوّته الذي لايُقاوم فأبى أن يعود بالحارة إلى عهد الفتونة] ص 279 .

الفصل الأخير يختص بعرفة وهو الشخص المكافيء للمعرفة أو العلم، ساحر يدخل الى الحارة وفي نيته الإنتقام من حارته التي لم يعرف أباً فيها (إبن زنا)، يخترع القنابل فيكون بديلاً عن الفتوّات الذين كانوا يستخدمون أياديهم وأرجلهم ونبابيتهم في إرهاب الناس، إلى أن يأتي اليوم الذي يقتله الناظر نفسه ويدفنه مع زوجته ويهيل عليهما التراب…هنا تنتهي الرواية.

رواية تعيد نفس القصص التي رواها القرآن ولكن بصيغة أدبية!!، وهل هناك من أدب بإمكانه رفع رأسه بوجود النص القرآني الذي حفظ اللغة العربية نفسها قبل أن يحفظ رسالته!، أنت تأخذ ما في يمينك وتلبسه ثياباً غير ثيابه وتسلمه لليسرى كي تعلنها سبقاً أدبياً للعالم بأكمله، القرآن الذي شهد للأنبياء بالعلم والإنسانية ابتداءاً قبل أن نختلف أو نتفق بالعصمة، لكن الله يجتبي العالم والإنسان ليخصه بالنبوة والرسالة….لكن نجيب محفوظ يقرأ نصاً ثانياً خلف النص الأصلي الذي “لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت:42) فيقول:إني أرى مالاترون.

الحقيقة التي يجب أن تقال أن نجيب محفوظ كتب عن أولاد حارته الشخصية الموجودة في ذهنه.

محفوظ نحت تمثالاً خشبياً للشخصية المصرية الخاصة به!، كلهم مصفِّقون مطبِّلون لأي فتوّة يحمل النبّوت، بينما أعطى للفتوّة حق أن يشتم الجميع إبتداءاً من العِرْضِ إلى الأرض(ولخياله الحرية في ذلك، انه لايضع نفسه موضع المؤرخ، فتأريخ مصر مليء بالثورات)، بينما أعطى لكل فترة من زمن روايته فرصة واحدة ليبعثَ هو فيها(وليس الله) من يكون رمزاً لتلك الفترة، فتارة يختار له البحث عن الراحة وعزف الناي والتمتع بكل عطايا جنة” الجبلاوي” وانتظار رضا الرازق عليه( كما أعطى لأدهم-آدم ع)، ويختار (جبل-موسى ع) أن يكون قوياً بما فيه الكفاية ليقتل عدواً بوكزة واحدة، أو يختار(رفاعة-عيسى ع) المسالم الجبان الذي لايرد يد صافع عن قفاه بدعوى السلام والمحبة حتى وصل أنه رضي الزواج من مومس من أجل أن يحافظ على حياتها وحفظاً لسمعة فتوّة الحارة الذي لم ينزل بها القصاص لأنها مارست الخطيئة مع الفتوّة الأكبر”بيومي”، أو يختار( قاسم-محمد ص وآله) حكيماً لا همَّ لديه إلا النساء في زمن الراحة، أو يختار( عرفة-العلم) ليكون الساحر الذي يصنع المتفجرات، كل هذا و”الجبلاوي” الكبير نائم في بيته لم توقظه كل شكاوى الناس الفقراء واستعداء أقويائهم على ضعافهم، إلى الحد الذي كان فيه عرفة الساحر هو السبب الرئيس في موت الإله” الجبلاوي!!.