21 ديسمبر، 2024 8:06 م

موت في السوق الميّت

موت في السوق الميّت

لم يدر بخلده ان انتحاريا سيصل في يوم ما الى السوق الميت، فهو يقع في نهاية البلديات في بغداد، بعد المصرف، ولم يدر بخلده انه سيقع شهيدا في هذا السوق، كان يتندر ويقول: ان سوق الميت لايوجد على خارطة العراق، ولايمكن لاحد ان يصل اليه حتى من الزبائن، هذا السوق الذي انشىء في بداية التسعينيات في منطقة نائية خالية من الناس، اطلق عليه السوق الميت لانه بقي سوقا مهملا وعبارة عن كتل من البناء خالية من اية روح تجارية، لم يدر بخلده كذلك ان يكون هناك في يوم ما رواد لهذا السوق التي قرئت فاتحته في بداية نشأته، سوق باطراف المدينة ولم يكن محسوبا عليها، السوق الميت اسم على مسمى فهو ميت وخال على مدى سنوات انشائه، فشلت جميع المحاولات في انعاش السوق، ولكن التمدد السكاني الذي حصل بعد 2003، والمناطق الزراعية المحيطة به تحولت بسرعة فائقة الى مدن كبيرة، بفضل العشوائيات وعدم مراقبة الحكومة او انتهاجها نهجا عمرانيا واضحا في بغداد، هي التي اسهمت في اعطاء بعض الحياة للسوق، صارت المدن تتداخل والاسواق تتداخل، واي كان ممكن ان يكون صاحب سوق او عمارة بفعل سيطرته بالقوة على قطعة من الارض ومن ثم وضع اسعار المتر الواحد والمباشرة في البيع، كل واحد يستطيع ان يصبح مليارديرا في العراق او مالكا لشركة كبيرة، وهو مفلس ولايمتلك سوى انتمائه لبعض الحركات وجرأته، اغلب الاغنياء الآن لم يكونوا قبل 2003 يملكون قوت يومهم، بفضل صمت الحكومة وجبنها وجرأتهم وعدم خوفهم من القانون، الذي تعطل واصبح في خبر كان كما يقولون صاروا هم الطبقة الاولى.
من الممكن ان تمتلك في العراق ماتريد، بشرط ان تكون مهيئا لمخالفة القانون، ويكون قلبك ميتا ولاتخاف من احد وتتكىء على حركة مسلحة تستطيع حمايتك، بعد ان انتشرت العشوائيات واصبحت من المدن الكبيرة، انتعش السوق الميت بعض الشيء، انا دخلته مرة واحدة ولكنني تشاءمت، فالباعة فيه يمتلكون سحنات الدفانين، ولذا غادرت مسرعا ولم اشتر شيئا من هناك على الرغم من ان البضاعة في السوق الميت تباع رخيصة وبسعر التراب، كيف تسنى للارهابي ان يدخل هذا السوق، وكيف علم بوجوده، فنشر فيه الموت من جديد، الموت لفظا الذي لم يغادر السوق الميت على مدى عقدين من الزمن، محال تجارية متهالكة ويمكن لها ان تسقط من ريح قوية، فكيف بها امام متفجرات صنعت في اميركا وعلبت في دول مجاورة وارسلت خصيصا للقضاء على هذا السوق، لم يكن سوقا مكتظا بالزبائن، وهذا ماترجمته الخسائر التي احصيت في تفجيرات يوم امس ، جميع المحال التي في الشارع العام شاهدوا السيارات التي نقلت المصابين في احواضها ، ممددين وكأنهم جاؤوا من المسلخ، اذ كثيرا ماتعبر مثل هذه السيارت باتجاه الفضيلية، هل كانت داعش هي من قتلهم، ام ان الحكومة هي من قتلتهم حين ادخلت هؤلاء الى الموصل والانبار ومن ثم قامت بتصديرهم الى المحافظات الاخرى، لم يدر بخلده ان السوق الميت سيكون بهذه الاهمية ليقصده المفخخون وينتحروا هناك، ولم يكن يعلم انه سيذهب ضحية تواجده في هذا السوق الذي لم ير النور، وتكون النتيجة انه رأى المفخخات في بداية دبيب الحياة بين اوصاله ليموت مرتين.