ماذا لو عدنا نادمين… قلوبنا مكسورة وعيوننا يغمرها الدمع، ونحن نحمل خطايانا على أكتافنا، نبحث عن باب لا يُغلق ورحمة لا تنفد، نبوح بالذنوب في أي مكان وأي وقت نختاره، نطلب الرحمة والمغفرة نادمين، يملأ قلوبنا الندم والخوف من ذلك الخالق الذي أعطانا كل شيء، ولكننا ما زلنا نقدم القليل، وقد عودنا أرواحنا على تحمل الذنوب بكلمات نكذب أحيانًا فيها ونكثر فيها من المجاملات. وجميعنا يعرف أن هناك بابًا لا يُغلق أمام كل عبد يأتي بقلب منكسر، ولا يُرد من يقف على ذلك الباب وهو يقول:
”ربِّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي…”
نعم أيها العباد، لقد قال لنا الرب في كتابه الكريم:
”قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعًا…”
ماذا لو عدنا؟
وقد عرفنا الطريق الصحيح، وذهبت أرواحنا إلى عالم الطهارة بلا عودة، وطافت عيوننا ببكاءٍ يمحو الذنوب.
واشتاقت أجسادنا لسجدة طويلة، نبوح فيها بكل شيء، ونغتسل فيها من كل ذنوب الماضي…
حينها فقط، حينها سوف نعرف من نحن ولماذا خلقنا، وسوف تُفتح لنا أبواب السماء، لنكتب صفحة جديدة في حياتنا التي أتعبناها برهاسات الزمن وخيال الطمع والأمنيات الفارغة، أتعبناها بالتفاهات البسيطة وتركنا التقرب إلى ذلك الخالق العظيم الذي كلما ابتعدنا عنه يتقرب إلينا برحماته، لأنه أرحم من أن يُخيِّب قلبًا سوف يرجع إليه تائبًا في يوم من الأيام…
فلماذا نتردد ولماذا نؤجل، وكلنا يعلم أن التوبة لا تحتاج وقتًا بل تحتاج صدقًا وقلوبًا صافية وإرادة قوية، ونحن نعرف أن رب التوبة ينتظرنا في كل لحظة وفي كل ليلة ليغفر لنا ما تقدم وما تأخر من خطايانا…
إننا عندما نتوب لن نكون من الملائكة لأننا بشر، ولكن البشر الذي يدرك خطأه وعرف ضعف نفسه فقرر أن يعود إلى خالقه تائبًا مستغفرًا سوف يعيش في طريق النور بعيدًا عن دروب الظلمات، فهنيئًا لمن أدرك خطأه، وعرف ضعف نفسه، فقرر أن يعود إلى صفوف الصحوة الإيمانية…
حين يعود العبد إلى ربه، يعود قلبه إلى النبض، والله سبحانه يبدّل السيئات حسنات، ليس فقط يعفو، بل يكرم، ويعطي ما يشاء ويبدّل الظلمة إلى نور.
أليس الله أكرم الأكرمين؟
بلى…
هو الذي يعطي بلا حساب، ويعفو بلا مقابل، ويمهل العاصي لا ليعذبه، بل ليهديه للعودة.
وأخيرًا: ماذا لو عدنا نادمين؟
لعاد الله علينا رحيمًا، ولفتح لنا أبواب السماء، وغفر لنا، وسامحنا.
فالله لا يرد من طرق بابه، ولا يُخيب من رجاه، ولا يعذّب قلبًا قال:
”يا رب، لقد أتيتك تائبًا، فاقبلني مع التائبين…”