لماذا يستفزون الجياع !!

لماذا يستفزون الجياع !!

لم يكن مجرد بحث مجلس الوزراء العراقي في حيثيات البطاقة التموينية مناسبا، بل أنه حدث في توقيت مضطرب للغاية مع مشاريع عملاقة تغط في سبات عميق ، وفساد رسمي يفوق بكثير تكاليف تموينية الوقت الحاضر، التي اختزلت الى أبعد الحدود، رغم أنها ليست مشمولة بقرارات المساألة والعدالة،  اللهم الا اذا حاول البعض عبر نظارة سوداء سميكة قراءة المشهد العراقي بطريقة مجحفة تتعكز على أوهام وتناحرات سياسية قبل أي شيء!!
نجهل الظروف المحيطة برئيس الوزراء نوري المالكي، والتي دفعت الى ادراج البطاقة التموينية على جدول أعمال الحكومة بشكل مفاجيء، وكأنه لا توجد قضية ملحة أكثر من محاولات استفزاز الجياع، أو حرمان الطبقة الأوسع من الشعب العراقي من حق مكتسب فرضته ظروفا معينة،  لا زالت تجر باذيالها، مثلما نجد أنفسنا في وضع الصدمة لأن القرار اتخذ على عجل وكأنهم يجهلون أن ثورة تونس أشعلها الجائع البوعزيزي بشكل سريع وغير مخطط له، بعد أن استفزت انسانيته سلطة الدولة.
والغريب في الأمر ان قرار الغاء البطاقة التموينية تزامن مع جدل سياسي وبرلماني كبير بخصوص عمولات ورشاوى صفقة السلاح الروسية، والتي يقال أن مسؤولين متنفذين حصلوا من خلالها على 190 مليون دولار، قبل أن يتم الغاؤها ، وكل هذا يحدث أمام عيون ومسامع المواطنين، الذين يفاجئون بقرار حرمانهم من فرصة عيش اقل ضنكا، فيما يتسيد مسؤولون المشهد السياسي والمالي بعوائد خيالية  لا يحلم بجزئيات منها أبناء العراق، الذين يعرفون مسؤوليهم عبرم  شاشات التفلزة أو في الزيارات الخارجية، حيث ما أن يصل المسؤول الى منصبه، بعد جهد ومناورات، حتى ينزوي بعيدا عن هموم المواطنين، لذلك تتخذ قرارات بشكل سريع لا يخلو بعضها من محاولات  توريط الحكومة بمشاكل اضافية، هي في غنى عنها لو أن الاستشارة الصحيحة صدرت من غير المحسوبين على شخوص صناع القرار.
صحيح أن أحوال الشعب تغيرت نحو الأحسن وباتت الوظيفة مطلوبة بشكل ملح للغاية عكس الأمس القريب، وصحيح أن وضع المواطن العامل في مؤسسات الدولة اصبح مريحا، حيث الظروف المحيطة بهذا العمل متعبة وفي بعض الأحيان مملة، بسبب الانزواء وراء اجندات طائفية وحزبية قبل غيرها،  لكن الصحيح ايضا أن الدولة لا يمكنها توظيف كل العراقيين، ما يبقي على طبقات فقيرة تزحف على البطون من اجل العيش ، وتسكن في ظروف صحية بائسة للغاية، على أمل انتظار الفرج، واذا بالفرج يأتي بقرار حكومي متعجل يحارب هذه الجموع في أرزاقها، ويطلق العنان لكل أشكال المضاربات التجارية وارتفاع الأسعار وغيرها من ” فهلوات ” السوق الخارج عن سيطرة الحكومة.
لم يكن منتظرا من رئيس الوزراء التعامل الايجابي مع فكرة الغاء البطاقة التموينية لاعتبارت  كثيرة منها امكانية استغلالها لاستفزاز مشاعر المواطنين ضد الحكومة ليس من باب الاصلاح بل التوظيف السياسي، وثانيا أن وزراء ونواب لا يعرفون عن ظروف عيش المواطن شيئا، لأنهم يمرون عليه يسيارات مضللة جدا ومسرعة دائما، ولا يقصدون احياء الفقراء الا في حملاتهم الانتخابية، فيما يسكنون في بروج عاجية داخل الوطن وخارجه بعيدا عن متاعب بيوت الصفيح والمدارس الطينية والسكن العشوائي وقائمة طويلة من المشاكل الاجتماعية، التي لن يكون أخطرها الترويج لانطلاق شرارة زواج المثليين في الناصرية مثلا.
ان الغاء البطاقة التموينية ليس من الأولويات الملحة على الاطلاق، فهناك ملفات أكثر سخونة في مقدمتها منع تمزيق وحدة العراق على مراحل وانهاء الاحتقان الطائفي و العرقي
 ، والتفكيربمرحلة جديدة يتسع فيها العراق لجميع أبنائه، بحيث تطوى صفحة الماضي، بعيدا عن سوء الظن والضغينة السياسية، التي يريد البعض توظيفها في كل مرحلة للتغطية على فشل مضى وأخر قادم، فيما الصحيح التأسيس لحكومة شراكة وطنية حقيقية تجتهد في كيفية بناء العراق المستقل والمستقر، وزيادة تمتين أواصر الأخوة بين أطيافه، بعيدا عن أي تفكير مذهبي أو عرقي أو حزبي، لأن العراق لا تبنيه الا سواعد أبنائه، شرط أن يكون مبدأ الثواب والعقاب مفعلا بعناية، لكي لا يتنعم السياسي بالمليارات مقابل سويعات عمل اسبوعية، فيما يخرج المواطن دائما من المولد بلا حمص، مثلما هو حال مليارات تهدر في وضح النهار على خلفية اجتهادات ادارية وسياسية غير ناضجة،  سببها المباشر عدم امتلاك صانع القرار لتجربة عمل اداري في مؤسسات الدولة قبل توزيره مثلا، فيخطأ حيث يجب أن يصيب، والعكس صحيح، لذلك غالبا ما تكون المشورة ملغومة وقرار البطاقة التموينية دليلا، لأن بعض المصادر تقول ان مسعود البارزاني وبخ ممثله في وزارة التجارة خيرالله حسن بابكر لانه اقترح 15 الف دينار كتعويض شخصي عن الغاء التموينية، فيما كان عليه اقتراح 7 الآف دينار لاثارة الشعب ضد المالكي ، واذا صح الخبر من عدمه كان على رئيس الوزراء توقع سوء النية من مقترح الغاء التموينية، لأن التوقيت غير مناسب والهدف غير موفق والأسباب غير مقنعة، ما ينبغي معه استعجال المالكي بسحب البساط من تحت أقدام كثيرة ، والعمل على تحسين مفردات التموينية لأنها باتت أقرب الى الهم المقبول منه الى المساعدة، ومع ذلك يجتهد بعضهم في المكان الخطأ!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات