21 ديسمبر، 2024 8:23 م

“لا يخلق الخطاب العنصري إلا العنف”

“لا يخلق الخطاب العنصري إلا العنف”

نظم اليمين المتطرف، في مدينة شارلوتسفيل، في ولاية فيرجينيا، مسيرة إحتجاجية، على مقترح، بإزالة تمثال الجنرال روبرت إي لي، الذي كان قد قاد القوات الكونفدرالية المؤيدة للعبودية، أثناء الحرب الأهلية، في الولايات المتحدة. واستقطب هذا الحدث مجموعات عنصرية متطرفة مؤيدة لما يسمى بالتفوق للعرق الأبيض. في وسط أجواء عنصرية لم تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية، من قبل، نتيجة، كما يعتقد كثيرون، للخطاب الذي أحدثته طروحات عنصرية للرئيس دونالد ترامب، أثناء حملته الإنتخابية، المثيرة للجدل. والذي يبدو، إنه، لم يتخلص منها، عندما أصبح رئيساً للولايات المتحدة، الامر الذي يثير أزمة غير مسبوقة، بإعتبار منصب الرئيس يفرض، موقعاً حيادياً، أمام الأطراف المتباينة الأراء. وقد ردت عناصر مناهضة للفاشية، وعناصر يسارية، على مظاهرة اليمين المتطرف بمظاهرات مماثلة. كان من نتائجها إندلاع أعمال عنف، بعد مواجهة، بين هاتين المجموعتين. ووصف مراسل بي بي سي، في مكان الحادث، كيف أن أعضاء ما يسمى ب “اليمين البديل”، كانوا يحملون بنادق، ويرتدون بدلات شبه عسكرية. وألقى اليساريون، باتجاههم، زجاجات، وصخور، ومواد طلاء. كما استخدم كلا الجانبين رذاذ الفلفل. أسفرت هذه المصادمات، عن مقتل شابة أمريكية، وجرح تسعة عشر من العناصر المناهضة للفاشية.

أدان الرئيس ترامب في تغريدة له اليمين المتطرف، ثم عاد وتراجع عنها، وأدان الطرفين. مما خلق ردود فعل غير مسبوقة، على تصريحات متناقضة، لرئيس أمريكي. ثلاث رؤساء أمتعضوا من تصريحات الرئيس ترامب، الرئيسان الجمهوريان السابقان بوش الأب والابن، أعلنا؛ إنه “يجب على أميركا دائما أن ترفض التعصب العرقي ومعاداة السامية والكراهية بجميع أشكالها”. فيما غرد الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، مستشهداً بمقولة للرئيس نيلسن مينديلا ، أن؛ “لا يوجد أحد ولد يكره الآخر بسبب لون بشرته أو ديانته، فإنهم تعلموا أن يكرهوا، وإذا كان بالإمكان تعلم الكره، فيمكن أن يتعلموا الحب”. وعلق جون ماكين عضو مجلس الشيوخ الجمهوري البارز، قائلاً؛” ليس هناك معادلة أخلاقية بين العنصريين والأميركيين الذين يقفون ضد الكراهية والتعصب، وعلى رئيس الولايات المتحدة أن يؤكد ذلك”، فيما علق السناتور الجمهوري ليندسي غراهام “أن الرئيس ترامب اتخذ خطوة إلى الوراء”. بينما كان رد الفعل ضد ترامب على النطاق الدولي حيث قامت رئيسة الوزراء البريطانية، تريزا ماي بإصدار توبيخ لحليف بريطانيا الوثيق، حيث قالت :” لا أرى أي تكافؤ بين الذين يؤيدون وجهات النظر الفاشية وأولئك الذين يعارضونها، وأعتقد أنه من المهم لجميع من يتحمل المسؤولية أن يدينوا آراء اليمين المتطرف أينما نسمعهم”. في حين أشار السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، برأي مخالف، قائلاً؛ “لا يمكن أن تسمحوا للسيد الرئيس بأن يحمل المتهمون البيض جزءا من اللوم”. وهناك ردود أفعال متبادلة تؤكد الإنقسام لدى كثيرين في المجتمع الإمريكي، بين مؤيد، ومخالف.

هذه أحداث تهم العالم، وهي درس لكل خطاب متطرف. فعندما يتحدث السياسيون، بمواضيع خلافية، عنصرية كانت، أم طائفية، أو اي مواضيع أخرى تثير الفرقة، فإن المتوقع تماماً، أن مثل هذه الأحاديث، تثير الإنقسام المجتمعي، وتجعل أي بلد عرضة للتمزق. وإذا ما شهد العالم أحداث مدينة شارلوتسفيل، بهذه الهمجية، في دولة هي في مقدمة دول العالم المتحضر، بمدنيتها، وعراقة ديمقراطيتها، وبمؤسساتها المدنية. فكيف الحال في بلدان العالم الثالث، المتخلفة. إن تصريحات الساسة الأمريكيين ألهبت الشارع الامريكي، رغم قيام منظمات إجتماعية، وثقافية، وفكرية، بالرد السريع على الخطاب المتطرف، الذي غزا المجتمع الإمريكي، على حين غره. فمالذي يحدثه، هذا الخطاب، إذا ما صدر من السياسيين، في مجتماعات غير ناضجة، يسودها التخلف، والجهل، والأمية، وإنحطات المؤسسات المدنية الساندة للمجتمع. لتكن هذه الحادثة، وهذه التصريحات المتطرفة غير المسؤولة، والضخ العنصري، في الولايات المتحدة، وهي الدولة الأعظم، وما خلفه من إنقسام، وعنف، لتكن هذه العبرة درساً يتعظ به الجميع.