14 ديسمبر، 2024 11:35 م

في تأبين المفكر الاسلامي الدكتور الشيخ طه جابر العلواني

في تأبين المفكر الاسلامي الدكتور الشيخ طه جابر العلواني

أن القلب ليحزن وأن العين لتدمع لفقدان رجل في زمن عز فيه الرجال ولفارس ترجل عن فرسه عبر رحلة لأكثر من ثلاثة أرباع القرن وهو يحمل مشعل الأسلامي المتنور ذو الفهم الصحيح والعميق والنقاء الأيماني. نعم كنت أكبر من المدينة والعشيرة والمذهب والطائفة والتفكير القطري.والعاطفة. كنت رجل عقل وعلم وفكر ناصع، رجل حكمة وايمان تعرف جيدا كيف تخرج الدر وتترك القشور من التراث وكيف تفصل الذهب عن النحاس ولا يخدعك البريق عن المعدن الأصيل. سوف لن أكرر ما قاله الكثير والعديد ممن عرفوا الراحل وقد وجدت كم من النادر أن نقرأ ونجد كل الصدق فيما نقرأ عنك بدون مجاملة ولكني سوف أسجل بعض مأثركم الجليلة عبر هذا السفر والتاريخ الناصع وليس من خلال كبوات فرس أتعبها فارسها من صولات وجولات. أنت رجل بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى في مواقف سقط فيها العديد من الرجال لم تغرك الدنيا ببريقها بالرغم من أن الحياة بكل مباهجها كانت أمامك ولكنك فضلت أن تقول لها لا وتنحاز للحق وتتحمل نتائج هذا القرار سياسياً وفكرياً وكانت السلطات الديكتاتورية الجائرة وزبانيتها من وعاظ السلاطين يحاولون منعك من التقدم بالتهميش والتعتيم ولكن هيهات أن يُحجب ضوء الشمس بغربال وهكذا كانت الرحلة وفي كل محطة من مسيرتك ومنذ أن غادرت أرض الوطن العراق مجبراً وما تبعها في العديد من المحطات من دول العالم أخرها ارض المهجر امريكا ….وكنت من خلالها حامل مشعل النور لأضاءة أي مكان تحل فيه من خلال فكرك وعطاؤك المعرفي وكانت كتبك وطلابك ومدارسك وجامعاتك ومعاهدك والمراكز البحثية. لقد كنت المفكر الفقيه الشيخ المجتهد والمفتي والمعلم في أصعب المواقف والمشاكل والعقد ولم تخشى في قول كلمة الحق لومة لائم الا الله في الحق الذي مّن عليك بهذه الخصال الجليلة ومع ذلك كانت أحب الألقاب لك هو طالب علم. كم هي عظيمة هذه الحكمة وهي رسالة الى الأخرين الا يغتروا بما لديهم ولا يتوقفوا عن طلب العلم والمعرفة لأن المعرفة لا تتوقف فطلب العلم فريضة من المهد الى اللحد.
فقيدنا الغالي كم كنت سباق في دعم أي مشروع خير متنور سواء كان ذو طابع أسلامي أو علمي معرفي أو ثقافي ومنها كانت لك بصمات خيرة منذ تأسيس مركز الحوار العرابي وكذلك في دعمك لي شخصياً منذ تأسيس مكتبة الحكمة والتي تفخر بأنها تحوي كتبك وكنوز فكرك المعرفي. أن الحديث في مأثرك ليطول ولن أوفيك حقك ولكن أقول أخيراً لقد خسرك العراق وطنك الأم والعالم العربي والأسلامي كأبن بار وأب عطوف. نعم خسرك العراق الجريح وهو بأمس الحاجة الى طبيب مثلك يشهد له الجميع بتاريخ العراق الحديث بأنك كنت أكبر من الطائفية والمذهبية البغيضة والتي هي اليوم أكبر أمراضها وكم العراق اليوم بحاجة الى رجل يفهم الأسلام بنقاء أيماني عبرت عنه من خلال العديد من الكتب والبحوث والمحاضرات عبر المئات من المواضيع المهمة والخطيرة منها أدب الأختلاف ومعالجة الأزمات الفكرية وأسلامية المعرفة. وكم كنتُ أتمنى أن يكتمل أحد مشاريعك الجليلة في تنقية التراث وكتب تدوين الحديث من الأحاديث الموضوعة والضعيفة التي كانت ولا تزال تسبب للأسلام والمسلمين الفتنة والحرج والشبهات بما يتناقض مع العلم وتغييب العقل والحكمة والأستسلام للقدر وبالتالي السقوط في فخ الفتنة.
شيخنا الجليل رحمك الله، لقد حاربك الظلاميون والطائفيون والمتطرفون التكفيريون من كل الطوائف والفرق لأنهم ناقصي عقل ودين ومن أتباع الشيطان حيث حرموا العراق والمسلمين من الأستفادة منك ومن علمك وحكمتك لأنهم يدركون أنهم ليسوا سوى أحجار رديئة بجانب حجرك الكريم وأن الناس بكل مستوياتهم يستطيعون أن يميزوا الغث من السمين بكل سهولة، الدر من الصدف والقشرة عند المقارنة. نعم خسرك العالم العربي والأسلامي وهو الذي يغرق اليوم في مستنقع الطائفية البغيضة وعدم فهم الأسلام الصحيح وأصوله نتيجة تغييب العقل والعدل والأخلاق والسقوط في فخ أعداء الأسلام والأعلام النفطي المشبوه بتأجيج نار الفتنة وحرف البوصلة عن أتجاهها الصحيح في خلق حالة نهضة عربية أسلامية لنكون أمتداد لرجال أبرار أنتهلوا من سنة الرسول المصطفى وآل بيته الطاهر وأصحابه الصادقين ورجال علم وفقه وكلام وفلسفة نورت الحضارة الأنسانية والتي تتجلى اليوم في الحضارة الغربية في العلم والطب والفلسفة وحقوق الأنسان والكرامة الأنسانية وليس كما نراه اليوم من أشباه الرجال من أمثال داعش وأخواتها ورموز التكفير والأرهاب والظلام والفتنة والتطرف. رحمك الله يا شيخنا وحبيبنا وصديقنا وأخينا أبو الدكتور أحمد والدكتورة رقية والدكتورة زينب ولتنم وتنتقل الى الرفيق الأعلى لتنعم برحمته وعطفه وجناته
ولترتاح بعد طول عناء وكفاح ولتقر عينك وتهنأ بما أنجزت الذي سيبقى مصابيح وهاجة للأمة من ظلمتها وأهنئك على هذه التربية الصالحة لأبنائك وبناتك وأحفادك وجميع عائلتك وطلابك ابتداءاً بما أخترته لهم من أسماء وما تحمله من معنى ودلالة وما أورثتهم من تربية صالحة وعلم وخلق كريم وحكمة ومعرفة وهو العزاء الوحيد لنا في هذه الخسارة الفادحة برحيلك عنا وكم أتمنى من عائلتك الكريمة العمل على أنشاء مركز دراسات معرفي بأسمك لتكملة الخط والرسالة الذي أنتهجه المرحوم طيلة حياته لتكون صدقة جارية ينتفع بها المسلمون والباحثون وتكون منارة للجميع وللباحثين عن الحقيقة وكذلك تخليداً لأثر المرحوم وجليل عمله.