21 ديسمبر، 2024 7:24 م

على غرار حلف بغداد .. روسيا تحاول

على غرار حلف بغداد .. روسيا تحاول

في أعقاب الحرب العالمية الثانية بدأ المد الشيوعي الذي يقوده الإتحاد السوفييتي بالتنامي في منطقة الشرق الأوسط من خلال ظهور أحزاب و تيارات جديدة على الساحة السياسية أمثال الحزب الشيوعي العراقي و حزب البعث العربي الإشتراكي و غيرهم من الذين تأثروا بالتجربة الشيوعية في روسيا و التي حققت نجاحاً بعد توليها السلطة في تحويل روسيا من بلد زراعي الى بلد صناعي إستطاع أن ينافس الغرب في صناعاته و إستقطابه لدول كانت تدور في الفُلك الغربي معلنةً عن إنتهاء سياسة القطب الواحد .

من هنا تنبهت الولايات المتحدة الاميركية للخطر الشيوعي على مصالحها في الشرق الأوسط فعملت على إنشاء حلف بين بعض دول المنطقة تستطيع من خلاله مواجهة المد الشيوعي فيه ، فأوعزت الى المملكة المتحدة بتشكيل حلف ضم ايران وتركيا و باكستان و العراق عام 1956م سمي (حلف بغداد) لمواجهة الشيوعية مقابل مساعدات عسكرية و إقتصادية للدول المشاركة فيه ، ولم يكتب النجاح لهذا التحالف في مواجهة الإتحاد السوفييتي ، حيث أنسحب العراق منه في أعقاب ثورة 1958م التي أطاحت بالملكية ، أما بالنسبة لتركيا فقد توقف الدعم الغربي لها بسبب تدخلها العسكري في قبرص عام 1974م ثم أنتهى ذلك الحلف نهائياً عند إندلاع الثورة الاسلامية في ايران عام 1979م .

يعود حلف بغداد للظهور مجدداً ولكن بأيعاز روسي هذه المرة ضم العراق و ايران وسوريا الى جانب روسيا والذي ينص في ظاهرهِ على توحيد الجهود العسكرية لمواجهة داعش في العراق وسوريا و الحرب على الارهاب ، أما الأهداف الغير معلنة لهذا الحلف فهو مواجهة المد الامريكي و الغربي في المنطقة الذي أشعر روسيا بالخطر الذي يهدد مصالحها الإقتصادية و العسكرية فيها والتي تواجه تحديات كبيرة بعد أن أضعفت الولايات المتحدة الأنظمة الحليفة لها في ايران و

العراق وسوريا من خلال حربها ضد تنظيم داعش في السنوات الماضية ، فالجميع يعلم بأن القوى التي تدعمها ايران مادياً و عسكرياً في سوريا و العراق وحتى اليمن قد بلغت الآن أدنى درجات الضعف بسبب الإنهاك الذي أصابها جراء حروب العصابات التي لم تترك خياراً أمام روسيا سوى التدخل المباشر لإسناد تلك الأنظمة قبل إنهيارها بشكل تام و فقدان موقعها داخل المنطقة .

بأعتقادي أن موضوع تشكيل غرفة عمليات موحدة بين سوريا و العراق و ايران وروسيا لتبادل المعلومات الإستخبارية لمواجهة داعش لن يكون له تأثير كبير على واقع الأحداث و خصوصاً في العراق ، فجميع القوى العسكرية التي تواجه داعش على الارض أصبحت منهكة بسبب طول فترة المعارك التي تخوضها و التي لم تثمر عن نتائج تقدم حقيقية تجاه عصابات داعش من جهة و فصائل المعارضة السورية في سوريا من جهة أخرى مما أدى الى إستنزاف إقتصادي و عسكري و بشري للأنظمة في العراق و سوريا وايران ، و أعتقد أن الحلف الذي تشكل مؤخراً سيكون مصيره الفشل في قابل الايام كمصير حلف بغداد عام 1956م اذا لم يكن هناك تدخل عسكري روسي مباشر على الارض .

فهل تسعى الولايات المتحدة لجر روسيا الى مواجهة عسكرية مباشرة مع عصابات داعش و فصائل المُعارضة المسلحة في سوريا ؟؟

الى حد هذه اللحظة ما تزال مفاتيح الحلول بيد الولايات المتحدة الاميركية فهي لم تخسر شيئاً الى الآن في تلك الحروب و لم تتضرر عسكرياً أو إقتصادياً ، فهبوط أسعار النفط لا يهمها كما يهم روسيا وايران و العراق التي تعاني من هذه المشكلة ، و من جانب آخر لا وجود لأي تهديد عسكري بالمعنى الحقيقي للقواعد العسكرية الاميركية في المنطقة مما يرجح كفة الجانب الامريكي في أي مفاوضات تعقد من أجل أنهاء الأزمة والتي ستفرض من خلالها الشروط المناسبة لها مقابل ذلك .

مجريات الأحداث تشير الى وجود خيارين وحيدين أمام روسيا و حلفائها داخل المنطقة في الفترة المقبلة وهي أما الأستمرار في مواجهة عصابات داعش في العراق و فصائل المعارضة المُسلحة في سوريا وهذا ما سيجعل تكلفة الحرب

باهضة جداً عليهم ومصدراً لأمتصاص طاقاتهم الإقتصادية و العسكرية ومن دون جدوى أو يلجأون للخيار الثاني و هو الجلوس الى طاولة المفاوضات و القبول بالشروط الامريكية للخروج بأقل الخسائر ، وهذا ما أعلنهُ صراحةً السفير الامريكي السابق زلماي خليل زاد في مقابلة صحفية له مع جريدة الشرق الأوسط العام الماضي حيث قال بأن الأزمة ستستمر الى ما لا نهاية إذا لم تجلس جميع الأطراف الى طاولة الحوار و تلعب دوراً إيجابياً من أجل وضع حداً لها.

فهل ما زال الروس و حلفائهم يعتقدون بأنهم قادرين على إنهاء الأزمة بميلشياتهم البدائية !! وهل سيُكتب النجاح لهذا التحالف الرباعي المتكون من ثلاث دول متهالكة إقتصادياً و عسكرياً في إسقاط مخططات التحالف الغربي الكبير الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية و الذي يضم أكبر القوى الإقتصادية و العسكرية في العالم !!

تساؤلات ستفرز أجاباتها الأيام القليلة المقبلة .