قبلَ البدءِ ” وهل هنالك ما يسبق البداية ؟ ” , ففي هذه الخارطة الجيوبوليتيك , فلسببٍ او آخرٍ سوف نتجنّب الإشارة الى العراق نظراً الى سخونة الأجواء ” بغضّ النظر عن الهواء .! ثمّ توتّر الأهواء , وانعدام وضوح مدى الرؤية بين الأجزاء والأنحاء في هذا العراق العريق.
خارطة الشرق الأوسط الجديد التي يترآى عدم اكتمال رسمها بعد ” اذا ما رُسِمتْ ” , واذ جرى الإفصاح عنها بعد فترة من بدء وانطلاق معارك غزة , واُعيدَ وتكرّرَ الحديث عنها في فتراتٍ متقطّعة من قِبل رئيس الوزراء الإسرائيلي , فلم يجرِ لمس او مشاهدة ايّ جزءٍ او جزيءٍ من هذا الخارطة سوى تغيير نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد , والأمرهنا لا يتعلّق بنتنياهو ولا حتى كليّاً بالموساد , فذلك التغيير غير محسوبٍ على هذه الخارطة الأفتراضية , وقد بدأ التحضير له منذ سنواتٍ تستبق احداث غزة , وجرت تهيئته منذ عام 2011 لإبتكار او اختراع ما يسمى بالثورة السورية , والتي تكّفلت بها دولة قطر وبعض العرب والأفرنجة الآخرين .
أمّا ما يتعلّق بتحجيم حزب الله اللبناني واغتيال قادته والدكّ المكثّف على منطقة الضاحية في جنوب بيروت فهي نتائج ضمنية تتعلّق ” بوحدة الساحات ” وما قبلها وحتى ما بعدها والى الآن , وكلأ ذلك خارج الحدود الإقليمية لهذه الخارطة المُتَصَوّرة .!
ماذا بعد في احشاء ورحم هذه الخارطة .؟! فلا مؤشّرات أنّ ” رؤوساً رئاسيةً عربيةً قد اينعت وحانَ قِطافها – بإستعارةٍ مقتبسة من عبارةٍ او مقولةٍ شهيرة ” للحَجّاج بن يوسف الثقفي – والتي جرى الإيغال في التعمّق في تشويه صورته في كُتب التأريخ العربي وسيّما المدرسي ” .
في الجيوبوليتيك العربي الراهن والقائم , فالأوضاع المزرية في ليبيا يراد لها دولياً او غربياً ان تبقى تراوح في مكانها وتستمر كما هي .! , ثُمّ في اليمن التي كان يُقال عنه باليمن السعيد .! فالوضع الراهن – الساخن هناك رغم قساوته على الشعب اليمني , ألاّ أنّ الحوثيين لعبوا وما انفكوا دورياٍ محورياً في تأزيم الملاحة في البحر الأحمر وتوجيه الضربات الصاروخية الموجعة على اسرائيل ومطاراتها وموانئها , انّ للقوات الحوثية في اليمن ركائز راسخة عسكريا ويصعب زعزعتها , حتى انّ الأمريكان والبريطانيين توقفوا عن قصف اليمن بغاراتهم الجوية جراء ما تكبدته سفنهم من الصواريخ والمسيرات , ما اضطرهم لعقد اتفاقٍ مع القيادة الحوثية بأن لا يتعرض بعضهم لبعضهم .! وبدا او ترآى وما برحَ أنّ القضاء على الحالة الحوثية اصعب من تدمير مفاعل فودرو الأيراني بعشرات آلاف المرات .
في السودان الذي اسودّت معالمه واشجاره فليس هنالك قتال بل اقتتالٌ شرس بين قوى العسكر السودانيين وميليشياتهم في صراعٍ اكثر شراسة على السلطة , وبوقودٍ من بعض العرب وبعض قوى الغرب والشرق ايضاً , واذا كان كل ذلك ما يعتبر ضمن خارطة الشرق الأوسط الجديد , فالأوضاع المندلعة في انحاء الجسد السوداني سبقت الإعلان عن هذه الخارطة , ولم تضف لها ما هو جديد .
تبقى دول الخليج والأنظمة الملكية العربية كالأردن والمغرب لا يطالها ” بيكار او فرجال ” الخارطة طالما تواكب المتطلبات الأمريكية .. وفي الجزائر لا يزال الجيش يفرض قبضته بإحكام ومن خلال تسليحٍ روسي متطور كميا ونوعياً .
اذن لا توجد ايّ خارطة للشرق الأوسط الجديد وفق رؤى نتنياهو , لكنّ ما يجري من مجرياتٍ قائمة منذ اكثر من ربع قرن , فأنما يعود الى ما جرى الأعلان عنه في اعقاب حرب الخليج في عام 1991 ,والذي جرى الأصطلاح عليه بِ ( النظام العالمي الجديد – New Worl Order ) ولم يكن مرتبطاً بفترة زمنية محددة في الشرق الأوسط , بل كان رؤية عامة لمستقبل العلاقات الدولية , لكنّما ايضاً يمكن الأعتبار بالشروع بالخطوات العملية لهذا النظام وبتدرّجٍ غير متدرّج وفق طبيعة الأحداث في المنطقة العربية تمهيداً لما سُمّيَ بالربيع العربي ولإحتلال العراق في 2003 , ومن ثَمّ تطاير وسقوط رؤساء عرب كالقذافي وحسني مبارك و الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي , وتخلل ذلك إدخال الأمريكان والأتراك وقطر لتنظيم الأخوان المسلمين لتفجير او تخريب الأوضاع في مصر وسوريا , مما افرز الى صعود او تصعيد الرئيس السابق محمد مرسي, وكانَ بائناً أنّ حلقات هذا المسلسل ” النظام الدولي الجديد ” متداخلة مع بعضها في مجالات الجيوبوليتيك والطبوغرافيا السياسية من خلال تطورات الأوضاع في المنطقة وجعل اسرائيل رأس الحربة فيه .!