22 ديسمبر، 2024 9:29 ص

حوار مع الروائية والشاعرة العراقية المغتربة ذكرى لعيبي

حوار مع الروائية والشاعرة العراقية المغتربة ذكرى لعيبي

كل الذكريات قابلة للنسيان والتلاشي والضياع في زحام الماضي إلا ( ذكرى لعيبي ) فإنها عصية على الغياب مثل قمر لاتحجبه غربة ولا تخفي اطلالتها غيوم أو ظروف وهي دائمة التواجد في الفرح والحزن والخوف والأمان والوصال والشوق وكأني بالراحل حسب الشيخ جعفر كان يقصدها يوم تساءل ..
( يا انت ياقمرا تثائب في السماء
هل انت مثلي تعشق في العراق
أراك تبعث لي ضياءه )
وبموجب هذا الحب الاخوي دعوني ادردش مع ذكرى في منفاها البعيد عن عراقها الحبيب .. عراق اللوعة.. عراق الحلم .. عراق الذكرى عن خلجات نفسها وهمومها وأوجاع الغربة ومعاناة الجسد ..
. سالت ابي عن الحزن فضحك وسألته عن الفرح فبكى ولما رأى استغرابي قال : انتظرنا الفرح يأتي لكنه تأخر أما الحزن فهو رفيق نبيل عرفنا وعرفناه منذ الصغر وتعايشنا معه العمر .. حدثيني عن الفرح والحزن بالنسبة لك ؟
ـ الفرح دائمًا يتأخر بالحضور، والأزمان لا تنتظر، والحزن بالنسبة لي توأم، ورفيق وفيّ، هذا بشكل عام ودائم.
. هل تذكرين اول ناعية سمعتيها في حياتك ؟ وماذا قالت ؟ وهل كانت لك نواعي خاصة بك ؟
ـ هي ليست ناعية! كانت أمي الله يرحمها تتسلى بالنواعي ، ولا أعرف السرّ في هذا! وأكثر شيء كانت تردّده:
( غريبة وجاراتي غرايب،
ومالي بهالديرة حبايب، )
وأيضًا: يوجعني
( راسي وجعني گومي شدّيه،
وشدّ الغريبة ما يمض بيه،
وشدچ يايمّة بي شفه بي.)
بالنسبة لي لا أذكر أني كتبت نواعي، ما عدا هذه:
( يمّه انكسر گلبي
وذاب دلّالي
على الما شاف همي
وما بچه الحالي )
. انت بنت شيوخ كلميني عن الفرق في الحظوظ بين بنات الشيوخ وبنات الفقراء من الفلاحين ؟
ـ الحظ لا يميّز بين بنت الشيخ وبنت الفقير، الناس هي التي تخلق هذا التمييز، هي التي تصنع الفوارق، هناك فتاة فقيرة رافقها الحظ وأصبحت أميرة لزواجها من أمير! وهناك شيخة.. الحظ أعطاها ظهره، فأصبحت من التعيسات، يعني بالعامية (دولبها الوكت)، لهذا عندما كنا ندردش قلت لك: الدنيا غير عادلة أو هكذا أنظر إليها، غير منصفة.
لكن لو نتحدث عن الوضع الاقتصادي- سواء في زمن الإقطاع أو غيره- نلاحظ الترف والرفاهية التي تعيشها بنت الشيوخ تختلف عن غيرها، وهذا لا علاقة له بالحظوظ، بقدر ما تملكه تلك العائلة ومدى نفوذها.
. حدثيني عن قصة تغربك بالتفصيل ؟
ـ غادرت العراق منذ عام (٢٠٠٠) لكن قصّة تغرّبي بدأت قبل أن أسافر، عندما قُتل والدي عام 1995، وألتمس العذر لا مجال لخوضها في الوقت الحالي.
. ماهو شعور الغريب ؟
ـ يشبه شعور انسان رجع توًا من مقبرة دفن فيها آخر مَن تبقّى له في الدنيا، لاشيء يزهو بعينه:
( بهداي يا گلبي السوالف خلها
الغربه صعبه وليل المفارگ ليل
لا سكته لا سالوفه عود اتحلها )
( صب دمعك ودمعي ونحِط روح ابروح
وفوگ الدمع حط جمره بي واشعلها )
( يا جمر شوگي وهذا وكتك للآه
حتى الجروح الغافيه اتجفلها )
( باخر محطه وأول احلام اصباي
بهداي سولف يا گلب وك بهداي
تحله السوالف يل دمعتك بالعين
فانوسي ضاوي وطرّ گمر بين اسماي )
( خَذني النعاس وچن خيالك بالطيف
نوّر حياتي وطش ضواك ابدنياي
ثاريني ناسي وانت غايب عالعين
تجري الدموع ابدم ولا صبّت ماي )
. كيف تصفين الشوق ؟
ـ عين الليل من تنگط بالنْعاس
أحس الروح مشتاگه اعله ملگاك ..
اغط بالنوم مثل الفاگد احلام
وتمر بالطيف واتسامر انا وياك
. ماهي اول فرحة في حياتك ؟
ـ ولادة ابني أحمد، ثم تكررت ذات الفرحة بانجاب أسامة وآية.
. الأعمار بيد الله .. هل يخاف المؤمن الموت ؟
ـ المؤمن لا يخاف من الموت، لكنه يخاف أن يموت من دون أن يستعد كما يحب الله، نحن مشكلتنا التأجيل، تأجيل الاعتذار وتأجيل التسامح وتأجيل الشكر وتأجيل القيام ببعض الأمور التي لا تتحمل التأجيل، وكأننا مخلدون، عندما نتذكر الموت أو يُذكر أمامنا نأسف ونتأسى،خوفا من أن نغادر الدنيا ولم نعمل بها.
بالنسبة لي طوال سنوات مرضي ورحلة علاجي، أدركت هذا الأمر، تحسبا للرحيل الأخير، ماعدا التسامح! صعب عليّ مسامحة مَنْ قتل والدي، وصعب عليّ مسامحة مَنْ تسبّب في دمار بيتي وحياتي، وصعب مسامحة من يخذل ويخدع ويغدر. )
. متى نزورك في العراق ؟
ـ متى أزور أنا العراق؟ أطلب من الله بعض الوقت حتى أكحل عيني بزيارته ولقاء جميع الأحباب.
. هل فكرت بكتابة سيرتك الذاتية ؟
ـ نعم أكيد، وقد بدأت في هذا المشروع.
هنا توقف سيل الأسئلة بعد أن تحول الألم إلى نهر طافح بكل ماهو موجع من ذكريات مرة وخذلان وانكسارات ولوعة والم قد تجملها تلك الناعية البعيدة التي ظل يردد صدى صوتها الزمن بعد أن اعجزها الزمن عن اخذ ثارها لكنها اجلته ولم تلغيه ..
( على كرتك ياهور طاحو
تجو تفكهم واستراحو
كضايت العتبات راحو
زغير الولد والعتبه باتت )