حلم الغد الديمقراطي لجميع السوريين والواقع الذي صفع الجميع

حلم الغد الديمقراطي لجميع السوريين والواقع الذي صفع الجميع

حين تغير الحكم في سوريا وشكلت حكومة جديدة انتعشت قلوب السوريين كان هناك بصيص أمل طال انتظاره. كثيرون ظنوا أن سنوات الدم والدمار قد شارفت على نهايتها وأن صفحة جديدة قد تفتح تعيد للدولة هيبتها وللمواطن كرامته. توهم البعض أن السلطة الجديدة قد ولدت من رحم معاناة طويلة ستتعلم من أخطاء الماضي وستبني على أنقاض الحرب دولة عادلة تحتضن أبناءها جميعا بلا تمييز
عاد الناس يتحدثون عن المصالحة، وعن دولة مدنية تحترم التعدد، وتحمي ما تبقى من نسيج اجتماعي هش حتى الأقليات التي كانت في قلب الخوف، تجرأت على الحلم مجددا . ولكن الواقع سرعان ما صفع الجميع

فما كادت الحكومة الجديدة تستقر في مواقعها حتى بدأ الوجه الحقيقي يتكشف: صمت رسمي عن المجازر، وتواطؤ غير مباشر مع جماعات مسلحة، واستهداف ممنهج للطوائف التي ظنت أن زمن الإقصاء قد انتهى

ريف دمشق، القنيطرة، درعا، والسويداء، اللاذقية، الطائفتان الدرزية والشيعية والاحياء التي يسكنها المسيح جميع المعابد والكنائس
في هذه المناطق تتكرر مشاهد الذل والخذلان، انه استهداف بدم بارد، حيث ترتكب المجازر على يد جماعات متطرفة من الجيش السوري الجديد وهيئة تحرير الشام دون أي تدخل يذكر من السلطات، بل بتسهيل ضمني يقرأ في غياب المحاسبة، وفي روايات الإعلام الرسمي التي تعيد صياغة الجريمة ك “عملية أمنية” أو “حرب على الإرهاب”
مجازر لايراد لها ان ترئ او تسمع ، وسط صمت مريب من الحكومة السورية الجديدة التي لم تعد فقط غائبة بل بات صمتها تواطؤاً وإعلامها أداة تضليل تزيف الحقائق وتعيد تشكيل الوعي على مقاس روايتها الرسمية
لماذا تتعمد الحكومة غض الطرف عن هذا الاستهداف الطائفي؟ الإجابة المؤلمة هي أن السلطة الجديدة لم تأت لحماية جميع السوريين بل لتصفية حسابات عقائدية وتكريس واقع الإقصاء والتمييز. إنها حكومة تستثمر في النزيف الداخلي وتؤسس لصراع طويل الأمد بين مكونات الشعب الواحد

الطائفة الدرزية في السويداء، التي طالما بقيت على هامش الصراع، تجد نفسها اليوم في قلب الاستهداف، تماماً كالأقليات الشيعية في ريف دمشق، والتي كانت تأمل أن تنجو من نار الحرب المتنقلة لكن الآمال التي راودت هذه الطوائف في بداية الحراك الشعبي بسوريا بغد ديمقراطي يساوي بين جميع السوريين بدأت تتهاوى أمام واقع دموي ينذر بانفجار مجتمعي أخطر من الحرب ذاتها
الأسئلة التي تفرض نفسها الآن: إلى أين تتجه سوريا إذا استمر هذا النمط من القتل الطائفي؟ وما مصير التعايش الذي لطالما افتخرت به البلاد؟ وماذا بقي من سوريا التي عرفت يوما بأنها بلد التنوع والتسامح تدفع الآن إلى الهاوية حيث تتحول الطوائف إلى أهداف والمواطنة إلى عبء والهوية الوطنية إلى شعار بلا مضمون٫ وإذا استمر هذا النهج فلن تكون النتيجة إلا مزيدا من التشظي ومزيدا من التدخلات الخارجية ومزيدا من الدم الذي يهرق في صراع لا يبقي ولا يذر
الواقع يقول إن استمرار هذا النهج سيعيد إنتاج الحرب الأهلية في صورة أشد شراسه ويقسم سوريا إلى كانتونات مذهبية وطائفية وتفتح الباب أمام تدخلات أجنبية أعمق وأخطر
إن سوريا اليوم بحاجة لصوت العقلاء قبل أن تغرق في فوضى لا عودة منها ، بحاجة إلى من يوقف آلة التحريض، ويردع القتلة مهما كانت شعاراتهم ويعيد للدولة معناها الحقيقي كمظلة تحمي جميع مكوناتها دون تمييز. الصمت اليوم لم يعد خيارا والكتابة عنه أقل الإيمان فلتكن الكلمة صرخة في وجه التواطؤ
ولنعد نذكر: لا مستقبل لسوريا إن لم تكن لجميع أبنائها دون تمييز أو تهميش أو خوف
لقد آن الأوان أن ندق ناقوس الخطر، فالصمت على المجازر ليس حياداً، بل خيانة للإنسانية