22 ديسمبر، 2024 8:07 ص

تناقلت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خبر دعوة حاكم اقليم كردستان مسعود بارزاني الشيخ يوسف القرضاوي قطري الجنسية لزيارة اربيل يتبعها زيارة المتظاهرين في الانبار , ودعوة بارزاني ليست للاستفادة من علم القرضاوي وثقافته الدينية , فمسعود ابعد ما يكون عن ذلك , ولا ليلقي القرضاوي محاضرات اسلامية في منتديات كردستان تشم منها عطر قيم الوحدة والتسامح , فهذا ايضا مما لايهتم به بارزاني , اذن مالذي يحمل حاكم اقليم كردستان على دعوة الشيخ القرضاوي ؟ .
    وقبل تلمس الجواب هنا وهناك , يتبادر سؤال مهم ويلح على الاجابة هو : لماذا الاعتراض على زيارة القرضاوي للعراق ؟ .
     الشيخ القرضاوي , مزيج من الدين والسياسة , فهو بخلفيته الاخوانية داعية لحكم اسلامي , وكتب في ذلك كثيرا والقى محاضرات اكثر تحت شعار حتمية الحل الاسلامي مع انه صرح بانه ليس هناك حتميات تاريخية او اجتماعية او سياسية وانما اورد الحتمية انسياقا مع مقولات الماركسيين بالحتمية التاريخية , وانتقد القرضاوي الماركسيين والاشتراكيين والقوميين والليبراليين والعلمانيين , فلا حل عنده لمشكلتنا وتخلفنا الا بالاسلام , ولكن الاسلام الذي يراه ويفسره هو .
      قلنا ان القرضاوي مزيج من الدين والسياسة , لكنه ومنذ انتصار الثورة الاسلامية الايرانية وسقوط الشاه تحول الى مزيج من الطائفية والسياسة وازداد طائفية بعد التغيير في العراق وسقوط نظام البعث لان التغيير فتح الطريق امام الشيعة لتولي مناصب قيادية في الدولة العراقية . ان النقد الذي وجهه القرضاوي لفكر البعث وميشيل عفلق ووصفه له في كتابه ” الحلول المستوردة ” بانه خليط من الماركسية والنازية والفاشية يفرض عليه ان يقف الى جانب العملية الديمقراطية في العراق وما انتجته من نظام سياسي بارادة الشعب , خصوصا انه فضل تعددية الاحزاب حتى مع فسادها على حكومة ونظام الحزب الواحد .
      القرضاوي داعية قناة الجزيرة – الفقه الفضائي او المنبر الفضائي كما سماهم الناقد عبد الله الغذامي  – وقف موقف المحرض على التجربة العراقية واصفا اياها بالطائفية مع ان الاخوان المسلمين الذين يرتبط معهم باكثر من سبب مشاركون ناشطون فيها من خلال الحزب الاسلامي العراقي , كما نعى القرضاوي اهل السنة في العراق واذاع في المحافل والفضائيات بانهم يتعرضون الى ابادة على يد الحكم الشيعي , وهو كذب صريح لا مواربة فيه , فالسنة شركاء في الحكم ويتسنمون مراكز قيادية في الدولة العراقية , وهذا يعرفه القرضاوي جيدا . في الازمة او الفتنة القائمة في المحافظات الغربية العراقية ذات الاغلبية السنية دس القرضاوي انفه كأي داعية للفتنة وتوسيعها في العراق , فاصدر بيانا باسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يتراسه وقف فيه الى جانب كل الدعوات التي انطلقت والاصوات التي ارتفعت من اجل اسقاط التجربة الديمقراطية العراقية متباكيا كعادته على السنة ومظلمتهم . بهذه الخلفية والعقلية والمنطق سيزور القرضاوي العراق عبر اربيل وفي منهاجه زيارة الانبار التي تطفو على بحر مسجور هذه الايام , فماذا عساه سيقول ؟ والى اي شيء سيدعوا ؟ هل سيقف وقفة الشيخ عبد الملك السعدي مثلا ام سيدعوا كما دعا معمموا الموصل وسامراء الى استعادة العراق ( ممن ؟ ) واسقاط الحكومة الصفوية ؟ .
    ونعود الى سؤالنا : مالذي يحمل حاكم اقليم كردستان على دعوة الشيخ القرضاوي ؟ . تتعد الاجابات ولكن نجمل الاسباب فيما ياتي :
1 – ان بارزاني سياسي براغماتي يسعى لنفعه الخاص , وكلما ضعفت حكومة بغداد كلما حقق منافع اكثر , ومما يضعف بغداد بقاء فتنة الانبار على ماهي عليه دون حل مع المحافظة دون تصاعدها الى مستوى الحرب الاهلية الطائفية الشاملة لان نار هكذا حرب ستحرق بعض اصابعه .
2 – يسعى بارزاني الى اظهار اقليمه بانه ذو قرار مستقل عن بغداد من خلال دعوة شخصيات غير مرغوب فيها من قبل الحكومة المركزية , وسبق ان دعا وزير خارجية تركيا الى اربيل .
3 – ان بارزاني جزء من مثلث الشر في المنطقة , تركيا والسعودية وقطر , وهذا المثلث يسعى الى تدمير التجربة العراقية لاسباب طائفية وستراتيجية , وقد ضمن اطراف المثلث لمسعود بقاء اقليمه كما هو , بل ربما يعلن دولة مستقلة مستقبلا , اذ في تصريح نجيرفان بارزاني لمجلة تايم الامريكية مايؤكد ذلك , فقال حول الدولة الكردية المستقلة ” لدينا الكثير من التحديات ولكن لدينا فرصة جيدة جدا.  كيف يمكننا ان نعلن دولة دون ان يكون لنا شريك اقليمي يقنع المنطقة , وقوة عظمى تقنع العالم على المستوى الدولي ” . اذن كون مسعود بارزاني جزءا من المثلث فعليه الانصياع لخطط هذا المثلث لتحقيق اهدافه في العراق والاستجابة لطلب تركيا وقطر بادخال امثال القرضاوي لادامة نار الفتنة عبر اشخاص طائفيين وعبر قنوات طائفية مثل الجزيرة اقليميا ودوليا , والشرقية عراقيا .
    ان العراق في ازمته القائمة يعج بالقرضاويين , فهم الذين يخطبون في المتظاهرين كل جمعة يحرضونهم على ما يسمونه حكومة الصفويين مع انهم عثمانيون , وحكومة اولاد الزنا مع انهم اولاد المسيار واولاد مرضعات الكبار وينادون بقادسية ثالثة , مع انهم خدم اسرائيل ويسمعون عن قرب صوت الفلسطينية تبكي عفافها المدنس بجنود الاحتلال الصهيوني . حسبنا قوارضنا دعاة السوء فلسنا بحاجة الى قرضاوي يقدم علينا من جوار قاعدة السيلية في قطر , ومقر الاسطول الاميريكي الخامس في البحرين . ان الاستهتار بهيبة الدولة العراقية من قبل حاكم اقليم كردستان وانتهاكه للدستور والقوانين النافذة لابد ان يواجه برد حازم , فالقانون العراقي يعتبر زيارة القرضاوي دون سمة دخول من الخارجية العراقية او السفارة العراقية في الدوحة تسللا يعتقل بموجبه القرضاوي ويقدم الى محكمة عراقية فضلا عن مواقفه المعادية للعراق وتصريحاته التي تثير النعرات الطائفية وتهدد السلم الاهلي , وهي جرائم يعاقب عليها القانون العراقي , كما ان مسعود بارزاني نفسه يقع تحت المساءلة القانونية لانه ساعد في دخول شخص معاد للنظام الدستوري القائم في العراق الى الاراضي العراقية .
وللتذكير بمكافحة دعاة الطائفية والارهاب في العالم ان سويسرا امرت بمنع الداعية الوهابي السعودي محمد العريفي من دخول اراضيها وجميع دول منطقة شينيغن , وهي منطقة تضم 19 دولة اوربية , وجاء المنع على الرغم من ان العريفي مدعو لحضور اعمال مؤتمر المجلس الاسلامي المركزي السنوي وليس مدعوا نكاية بالدولة السويسرية , او ليلقي خطابا طائفيا في تجمع جماهيري . وكانت الاسباب التي دفعت المسؤولين السويسريين الى منع العريفي هي دفاعه عن العنف ضد المراة وتحريضه على كراهية الاخر , فهل القرضاوي اقل عملا وفعلا من العريفي , ام يجوز في العراق ما لايجوز في غيره ؟