المغفّلون هم وقود الحياة

المغفّلون هم وقود الحياة

ليست هذه إهانة للواعين ولا انتقاصة من المتبصّرين ، إنما هو وصف لواقع الحياة الذي يتغافل عنه المهتمون بشؤونها او المحاولون الإصلاح فيها ، يخطأ المثقفون المتصدون لشؤون الإصلاح الاجتماعي او السياسي او حتى الاقتصادي والتعليمي في تشخيص علل المجتمعات ولذلك يأتي العلاج غير ناجع كما يفعل الطبيب الخائب عندما يعطي دواء لعلة غير موجودة ثم ينتظر الشفاء من العليل بغيرها ،
فالتوجه بالتوعية الى الواعين ومخاطبة الحاذقين لا فائدة منه فهؤلاء إما انهم خيرون نجباء فسيكونون معك ولا يحتاجون حثّا ولا تشجيعا أو يكونون أشرارا أشقياء فلا ينفع معهم النصح ولا التذكرة إنما “يذّكر من يخشى ، ويتجنّبها الأشقى” ، بل إنهم حينئذ رأس البلاء و أصل الداء و هم من يجب وقاية الناس منهم والتبصير بافعالهم ونواياهم ، فهؤلاء يفسدون المجتمع ويستغلونه ما بين سياسي منحرف او غني جشع او مسؤول مرتشي او صناعي غشاش او إعلامي مدلس مطبّل او رئيس مؤسسة او اتحاد او شركة تضليل ومراهنات ،
هنا تتساءل منطقيا : كم اعداد هؤلاء نسبة للشعوب والجماهير والمستهلكين والدارسين والعساكر والمتدربين واصحاب المهن البسيطة والعاملين؟ لا نسبة لهم فاعدادعم لا تتجاوز العشرات وسط الملايين او ربما المئات او بضعة آلاف بين مليارات البشر الساعين ، هنا ننتبّه الى الواقع الصادم ؛ كيف يسيطر هؤلاء العشرات على ملايين كسياسيين فاسدين مثلا في بلد مستباح كالعراق من اربعين مليونا من البشر ؟! او كيف يستمر اولئك المئات من القادة والإعلاميين المدلسين المخادعين بين مئات الملايين في الصين والهند وامثالهما وكيف يتحكم اولئك الآلاف المعدودون من الرؤساء التنفيذيين المقامرين والمدراء الاقليميين المنحرفين عبر مؤسساتهم واتحاداتهم بالمليارات الأخرى من البشر المتابعين !
الجواب : هو “الحمقى والمغفّلون” ، فهم بالمليارات والملايين وامواجهم العارمة وافواجهم الصادمة لا تدع لك مجالا للمقاومة او الانتصار او الافلات من قبضة الأشرار ، فلولا المغفلون واصواتهم ما استمر الفاسدون في الحكم الديموقراطي ولولا المغفلون وجبنهم ما استمر المستبدون في الحكم الدكتاتوري والعسكري فهم يستقوون بهم علينا ، ولولا المغفّلون ما غشّت الشركات الصناعية المتدنية فانما تعوّل على من يشتري دون تمحيص ويدفع دون تعقيب ، ولولا المغفلون ما استمر مدرس فاشل في وظيفته ولا كسب طبيب خائب من عيادته ولا انتفع غشاش من مهنته ،
ولولا المغفلون ما استمر حاكم عابث في حكمه ولا رئيس بلدية كسول في قسمه ، ولا صاحب قناة مدلّسة ولا صحفي مطبّل في أكاذيبه ولما استمر قاتل أطفال بجريمته ، فالمغفلون يزوّقون كل ذلك ويتقبلونه بل ويبررونه ويسوقونه ، فلا غرابة ان يلوموا الضحية ويتجاهلوا الجلاد ، ولنا فيما يجري لغزة من قاتليها وتبرير المغفّلين العرب لذلك ،، مثال! ،
المغفلون هم من لا يدرون ما يفعله مروجو المثلية والجندرية وهم من يدعمون المسترجلات النسوية ويصدقون اوهام التحرر الغربية وينعقون أثر ناعقي الانحلال باسم الحرية ،
المغفلون هم من يقفون بالطوابير آلافا يتدافعون ويدفعون آلافا مثلها من كدّهم ومالهم ليستمعوا لتافه يتمايل او يتغنى بما لا معنى له ولا لحن ولا هدف ، وهم آنفسهم من يتقاتلون بينهم ويتراشقون ويتقاذفون السيء من الألفاظ واحدا للآخر دفاعا عن لاعب مصنوع من شركات الرهان وآخر وضعوه ندا ليتبعه المغفلون الآخرون أنداد المغفلين الاولين فيصدقون بالجوائز والألقاب ولا يصدّقون اعينهم التي لا ترى إلا سراب ،
المغفلون هم من يثأرون لميت قبل الف عام فيحاريون ابرياء لا يد لهم فيه ويهيلون من اجل ذلك على رؤوسهم التراب ، فلولاهم ما بقي الرهبان في أديرتهم يوزعون على الناس صكوك الغفران ، والمغفلون هم من يكفّرون ويقتلون لرأي والٍ تولّى عليهم يوزع الجنة والنار على الناس بفتوى اخترعها من خياله او تابع فيها شاذا مثله استغفله دون ثمن او فصال ،
المغفلون هم من يصدّقون الأشياء التي لا يجرؤ على قولها الا المنسلخون عن الدين او المتأدلجون بفكر شاذ يبغون نشره فيقولون ما لا يُعقل ولكن المغفلين يعقلون ! ويدّعون ما لا دليل عليه و يحاججون بالوهم والفذلكة مئات العلماء الراسخين والكتب ومؤلفات الأولين والمغفلون يصدّقون ،
ولكلّ هذا تدوم الحيل والخداعات ويستمر الغش والخزعبلات وتزداد الأوهام والخرافات ويستحر القتل والثارات ويستبد الحكام والقادات فبالمغفّلين تدوم الحياة ، ومن كل ذلك يغتني المراهن والنصاب ويربح المتلاعب والكذاب ويفلح النمّام والمغتاب ، يتكاثر المفسدون ويسيطر الأشرار المخربون ،، ولكن ما كتبه الله في النهاية سوف يكون ،