المدخلية تأسيسها – تأريخها –أفكارها

المدخلية تأسيسها – تأريخها –أفكارها

ظهرت في العراق حركة المدخلية، وأصبحت ظاهرة عامة تنتشر في الوسط العراقي السني، وأخذت الأجهزة الأمنية العراقية تدرس هذه الحركة وتوجهاتها وأفكارها، وأصبح الإعلام العراقي يتحدث عنها كونها حركة اتسعت في العراق في الوسط السني، وأخيرًا اتّخذت الحكومة العراقية قرارًا بحظرها عبر وثيقة متداولة بتوجيه من مستشارية الأمن القومي / لجنة مكافحة التطرف العنيف؛ إذ تم تصنفيها حركة (( عالية الخطورة )) على السلم الاجتماعي، ونصّت الوثيقة أن مستشارية الأمن القومي اتخذت قرارها بناءً على موافقة القائد العام للقوات المسلحة خلال اجتماع خاص حضره ممثلو (كركوك ونينوى وديالى والانبار وصلاح الدين) مع الاجهزة الاستخبارية و أجهزة الأمن وممثلين من وزارة الدفاع والداخلية، لذا من المناسب أن نقوم بتقديم المعلومات عنها .

اولا : الفرق بين المدخلية والمدخلية الجامية:
……………………
الجامية هي الحركة التي أسسها محمد بن أمان الجامي الاثيوبي الأصل عام 1991 في المدينة المنورة، وهو مدرّس في الجامعة الاسلامية /قسم العقيدة، وتلقّف الفكرة تلميذه (ربيع المدخلي) وكلاهما يؤمنان بالحركة السلفية التي تقوم على فكرة دعم السلطان، ومن يخالف السلطان الحاكم لابُدَّ من ردعه ويتبنّى الجامي الردع بالوعض والإرشاد، وأما ربيع المدخلي فيتبنّى الردع بالقتل حفاظًا على النظام العام والأمن، ومنعًا للفوضى.

وعليه هي حركة سلفية تؤمن بقتل اي معارض للحاكم مطلقًا، وتارةً الإعلام والباحثين يطلقون  عليهم ((المدخلية))  وتارة ((المدخلية الجامية))  والسبب لأنّ ربيع المدخلي هو تلميذ محمد الجامي وهم أساتذة علم الحديث والعقيدة في السعودية والفرق- كما بيّنا –  بين الجامي هو أن الأخير يحرّم أي نقد ومعارضة للحاكم السنّي والأجنبي، وحال عارض أحد فلابد من نصحه وإرشاده بينما المدخلية ايضا تحرّم معارضة الحاكم السني ولكنها لا تكتفي بنصحه بل تجوّز قتله .

ثانيا  – تاريخ التأسيس و الظهور :
………………….
تأسست الجامية (التيار الجامي) على يد محمد أمان الجامي، وهو مهاجر من إثيوبيا ومقيم في المدينة المنورة، لكن وفاته عام 1996 م دفعت ربيع بن هادي المدخلي، وهو مهاجر من اليمن أيضاً، إلى مواصلة مسيرته، ومن خلال استكمال نظريات محمد أمان الجامي قام بتأسيس نظريات المدخلية.

من المؤكّد أنها حركة سلفية قديمة ظهرت خلال القرن العشرين، ولكن ظهورها الأول مجرد وجود فكري، ولكن ظهرت المدخلية بعد تحرير الكويت عام 1991 في السعودية وروّجت الحكومة السعودية لأفكارهم ودعمهم محمد بن سلمان و ظهروا أيضا في الخليج والجزائر، وأحياناً يطلق عليهم الجامية نسبة للشيخ محمد أمان الجامي لتشابههم مع منهجه في بعض الأمور وخاصة أن ربيع المدخلي كان أحد أنجب طلاب محمد الجامي.

كانت الحركة في جوهرها ردة فعل ضد جماعة الإخوان المسلمين والحركات الاخرى بدعم من المخابرات السعودية، لذا فهي تحرّم كل الحركات التي تقف ضد النظام السعودي وغيره مطلقا، وأنهم يحتفظون بشبكة واسعة في الشرق الأوسط وأوروبا وجنوب شرق آسيا.

ولفهم توجهات هذه الحركة لابُدَّ من دراسة وتتبّع بعض مواقف هذه الحركة، ففي يوم الجمعة 24 أغسطس 2012 قام إسلاميون موالون لمحمد بن هادي المدخلي أحد قادة الحركة وشقيق ربيع المدخلي، بهدم الأضرحة الصوفية في ((زليتن في ليبيا))  بمعدات البناء والجرافات.ايضا في الوقت الذي عارضت الجامية (( الربيع العربي )) الذي اسقط الحكام العرب الاانهم وقفوا ضد معمر القذافي وبشار الاسد

ثالثا – مواقف المدخلية :
………………..
لأجل تكوين تصوُّر عام عن المدخلية لا بُدَّ من مراجعات لبعض مواقفهم باختصار وهي:

١- في الأيام التي أعلن فيها العديد من علماء السنة في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي تأييدهم لعملية حماس الشجاعة في((طوفان الاقصى )) وطلبوا مساعدتهم، شكّك المدخليّون في نتيجة عملية طوفان الأقصى، كما شكّكوا في شرعيتها وحكمتها، ومن خلال تحذير المسلمين في الدول الأخرى من التورط في هذه العملية، بحجة عدم وجود فتوى من العلماء وعدم إعطاء ولي العهد الإذن بذلك، حاولوا قطع أي طريق ممكنة أمام المتطوعين للانضمام إلى المقاومين عن طريق إعلان عدم شرعية دفاع أهل غزة عن أراضيهم المحتلة، وأنّ إلقاء اللّوم على حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية كان أحد الأساليب الأخرى التي اتّبعها هذا التيار في الأسابيع الماضية.

٢- إهمال دور الكيان الصهيوني في هذه الجريمة من قبل المدخليين والتأكيد على خطأ حماس وإيران وحزب اللّه وفصائل المقاومة الأخرى.

٣- إن الفكر الذي يعرف اليوم بـ ((المدخلي)) أو ((الجامي))  أثير جدياً لأول مرة عندما واجه محمد أمان الجامي وربيع المدخلي المقاومة  بمهمة إضفاء الشرعية على تحالف الحكومة السعودية مع الولايات المتحدة وتبرير وجودهم العسكري.

4/سمى((مقبل الوادعي))، والذي يعد قطب المدخليين في اليمن، الكتاب الذي ألفه عن يوسف القرضاوي، رئيس ومؤسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بـ ((اسكات الكلب العاوي، يوسف القرضاوي)) لانه اخواني ولانه كان يقف مع الفلسطينيين . وفي قضيةٍ أخرى، هاجم شخص ربيع المدخلي سيد قطب ووجه له اتهامات كثيرة ، ليأتي صوت ((بكر أبو زيد)) من أعضاء الوفد الرفيع من علماء السعودية ويوبخ ربيع على العداء المفرط.
5/ قد لاقت الفتاوى  الصادرة من المدخلية ترحيباً ودعماً من قبل الحكام العسكريين في الوطن العربي   ورأى(( محمد سعيد رسلان)) احد مفكري المدخلية ، الذي وصف ثورة الشعب المصري ضد حسني مبارك بأنها(( من صنع اليهود والماسونيين))، لكن التناقض الرئيسي لرسلان انكشف عندما فاز محمد مرسي وأصبح حاكما لمصر فقد ايده ومنحه الشرعية لكن بعد الإطاحة بالرئيس مرسي  على يد الفريق عبد الفتاح السيسي مدبر الانقلاب، دافع رسلان عن السيسي ووصف معتصمي الإخوان في ساحة رابعة العدوية وساحة النهضة، الذين أرادوا عودة محمد مرسي إلى السلطة، ب((الخوارج والمتمردين على الحاكم)) تأييدًا لموقف السعودية ، ووصف المتظاهرين ب((انهم معارضي الفتوى العامة وأن قتلهم مُباح)).

رابعا – ثوابت الحركة المدخلية
………………
أهم ما تؤمن به المدخلية هو:

١- الوقوف بوجه كل من يعارض السلطات والرؤساء والأُمراء السنة وحتى غيرهم  ويجوز قتله على مذهب المدخلية ويجب الاكتفاء بنصحه على رأي الجامية وقد توسعت الحركة الجامية بوجوب الوقوف مع كل حاكم وان كان محتلا من باب ضرورة تنظيم المجتمع وإدارته ومنع الفوضى والإبقاء على النظام العام .

٢- يؤمنون بحاكمية السنة ودعمهم مطلقا حتى وان فاسقا المهم انه حاكم لانهم يبررون (( أنّ قوة المذهب السني لاتتم عبر الثقافة والعقيدة والتربية بل لابُدّ من توفر الحكم بيد الحكام السنة ومن يدعمهم حتى المحتل)) .

٣- يؤمنون بالانفتاح على الغرب وخصوصًا امريكا، وهذ النهج له فلسفة عندهم خلاصتها (( أنّ المذهب السني حكم الخليج وبلدان اخرى وانتشر المذهب بسبب دعم الغرب وامريكا وبريطانيا لهم فإنّ هذا الدعم قوة للسنة فلا يجوز مخالفة الغرب مطلقا لأنّه يؤدي الى إضعاف الحكم السني))

٤- حرمة نقد الحاكم وحرمة معارضته بالكلام او الفعل ويجوز قتل المعارضين والناقدين للحاكم.

٥- يقفون ضد الإخوان وكل الحركات حتى الصوفية وغيرها وحتى الشيعة ونصوص فتاواهم ضد الٱخوان ((بانهم جماعة ضالة )) ويعتبرون سيد قطب ضال .

٦- رفضوا الثورات العربية وعدوها خروجًا على الحاكم لكنهم أيدوا الخروج على الأسد ومعمر القذافي .

٧- حرمة إنشاء الأحزاب وخصوصًا الأحزاب المعارضة للحكومات حتى المحتل.

٨- التشكيك في طوفان الاقصى وفي شرعية المعركة وحذروا المسلمين من التورط في هذه العملية بحجة عدم وجود غطاء شرعي وعدم وجود إذن ولي العهد الذي يجب أن يأذن بها وألقى (الجامية) اللّوم على حماس .

١٠- ترى هذه الحركة أن كل واعظ وخطيب ليس من الجامية فهو من الخوارج والكفار

خامسا  – تواجدهم

١- السعودية : مركز الثقل والنشأة في السعودية وهم يدعمون محمد بن سلمان ويؤيدون قراراته حتى وإن كانت في السماح لحفلات الرقص وبيع الخمور ويعلّلون ذلك بأنّ بقاء النظام العام يوجب عليهم عدم المعارضة في الجزئيات .

٢- الجزائر : ظهروا في التسعينات ودعموا الحاكم في وجه الإسلاميين.

٣- ليبيا: دعموا سقوط القذافي ودعموا فيما بعد حفتر ضد الإسلاميين.

٤- مصر : وقفوا ضد الإخوان وحرموا التظاهر ضد حسني مبارك، وهم داعمون لحكومة السيسي الآن.

٥- في أوربا وأمريكا : يعارضون أي نشاط إسلامي مسلح يقف بالضد من الانظمة الغربية لانهم يرون حرمة مخالفة اي وضع سياسي حتى وان كان اجنبي .

سادسا  – المدخلية في العراق

منذ عام 2003 ومع التحولات التي رافقت سقوط النظام السابق وما تبعها من فراغ أمني وسياسي، برز في الساحة السنية العراقية تيار سلفي يُعرف بـ((المدخلية))، نعم بعد سقوط نظام صدام حسين ظهرت المدخلية في العراق كتيّار منظَّم للمرة الأولى؛ فقبل 2003 لم تتجاوز وجودَ خلايا فرديّة متفرّقة بلا إطار مؤسَّس، إلا أنّ الفراغ الأمني وسيولة المشهد الديني بعد الغزو وفّرا لهم أرضيةً خصبة، فتوسّعوا سريعاً في مساجد حزام بغداد ومدن سنّية أخرى.

عام 2007 ألقى زعيمهم العراقي (( أبو منار العلمي))  محاضرةً شهيرة حرّم فيها قتال القوات الأميركية بدعوى ((انتفاء شروط الجهاد)) وواجب طاعة ((المتغلّب)) درءً للفتنة؛ ورأى أنّ إطلاق النار على الجنود داخل المدن يُعرّض المدنيين للخطر ولا يُعدّ جهاداً مشروعاً.

هذا الطرح شكّل تمايزًا صريحًا عن موقف معظم حركات المقاومة السنيّة في العراق، التي رأت في الاحتلال الأميركي عدوًا مباشرًا يجب مقاومته، لكنه منسجم مع الموقف الذي تبنّاه رموز ((التيار المدخلي)) في السعودية، وعلى رأسهم ربيع المدخلي وعدد من المشايخ المداخلة، حيث دافعوا عن الطاعة المطلقة للمتغلب، حتى لو كان غير مسلم!!! وقد كان (ابو منار) يظهر على قناة العراق الرسمية و يندد بالارهاب.

ورغم التوافق الفكري بين العلمي والمدخلي في هذه المسائل،إلّا أنّ العلاقة بين الرجلين لم تكن سلسة تمامًا؛ فقد وجّه الشيخ ربيع في وقت لاحقاً انتقادات حادّة لأبي منار  للعلمي ولعلي حسن الحلبي، واصفًا إياهما بـ ((أهل فتن ومشاكل))، وهو ما أضعف مكانته لاحقًا رغم دوره في بدايات ترسيخ التيار المدخلي داخل العراق، علما أنّ قرار الحكومة  العراقية لاقى قرار الحكومة العراقية اعتراضًا من الحركة السلفية في العراق وانتقد (أحمد عبد اللطيف السلفي) من اقليم كردستان قرار الحكومة  وقال(( المدخلية لا تهدد الامن القومي في العراق وانه يسلب الحريات الفكرية))  ورفض القرار مدير اوقاف كركوك (سالم زنكنة) وهكذا (خميس الخنجر) واعتبروه قراراً متسرِّعًا، وأنّه يخالف حقيقة المدخلية وانه يمنع الفكر، لكن اليوم تمثل الجامية حركة سعودية ويدًا منفِّذة لهم في العراق، وإن كانت تتبع الى الان الطرق الناعمة، لكن المصادر تشير الى انهم بعد متغيرات طوفان الاقصى اصبحوا اداة بيد النظام الخليجي ضد العملية السياسية في العراق ولديهم توجهات تهدد الامن والسلم المجتمعي  .

النتيجة :
…………
الجامية المدخلية ليست سوى مؤسسة أمنية خاصة تستخدمها الأجهزة الأمنية كأداة للسيطرة على المؤسسة الدينية، بحيث تكون لها وظيفة إضفاء الشرعية على نظام الحكم. ولهذا السبب يعتبر بعض المراقبين أن المدخليّين مؤسسات استخباراتية سعودية وصهيونية مدرّبة، لدرجة أن يحيى الحجوري، أحد سلفيي دار الحديث في اليمن، فضح تعاون ربيع المدخلي مع الأجهزة الأمنية السعودية علناً، وقال: (( اتصل بي نسيب المدخلي، وهو أحد كبار ضباط الأمن السعوديين، وطلب تعاوننا الاستخباراتي مع السعودية مقابل دفع مبلغ كبير من المال)).

هذه الوثيقة وغيرها من الأمثلة على مثل هذه الوثائق تكشف بوضوح محاولة السعودية استبدال النفوذ المفقود لهذا البلد خلال تهميش الوهابية، من خلال إفساح المجال للمدخليين. كما أنّ جهود المدخليين في مهاجمة حماس والمقاومة الفلسطينية في ظل مساعي قادة السعودية للتطبيع مع ((إسرائيل)) .تماماً كما استخدمت المملكة العربية السعودية الوهابية لعقود من الزمن لتبرير أهدافها السياسية أيديولوجياً والآن، وبعد انتهاء مدة خدمة هذه الطائفة، وبسبب السمعة السيئة التي أحدثتها سنوات من الجرائم في البلدان الإسلامية وحتى غير الإسلامية، أُسندت مهمة التبرير الأيديولوجي إلى طائفة جديدة ومن المفارقات أنها كانت أكثر طاعة. وستنظر الروحانية الحكومية قريباً إلى ضرورة العلاقة مع الكيان الغاصب .
………..
المصادر :
1/ ربيع المدخلي : النكت على كتب ابن الصلاح .
2/ ابو بكر زيد : تصنيف الناس بين الظن واليقين
3/عبد المحسن العباد : رفقا اهل السنة بالسنة .
4/ ابو البراء الابي :الجامية المداخلة
5: هاشم الرضوي : السلفية المدخلية ادلة ايدولوجية بيد السعودية .
6- تقارير ومصادر ومتابعات اعلامية . ومواقع رصينة