فإن للقول في دين الله شأناً عظيماً، ومكانة سامقة، فهو لسان القلب، وترجمان الفكر، ومُعلنُ السريرة، ينطق بما تكنّه الصدور من خير أو شر، وحكمة أو عبث، وإيمان أو كفر. وهو الجسر الذي تُعبر عليه المعاني إلى النفوس، فإما أن يكون جسراً إلى الهدى والجنان، أو إلى الضلال
والهلاك، ولقد حرص القرآن الكريم أشد الحرص على أدب القول، وتهذيب الكلمة، وتقويم اللسان، وغرس أخلاقية النطق؛ لأن الكلمة ليست حروفاً تُنطق، بل هي طاقة تحمل في ثناياها حياةً أو موتاً، بناءً أو هدماً، سلاماً أو حرباً،بها تقام أعظم الحروب إذا سخرت للشر والفتنة، وبها يِنشأ أرقى السلام إذا وجّهت للخير والمحبة، هي سهم من سهام الليل لا يُكرى، لكن أثره يصل إلى القلوب قبل الآذان، يثبّت النفوس الواهنة، ويحرك المشاعر الخامدة، ويهزّ الضمائر الغافلة.
وفي زماننا هذا، حيث اتسعت سبل الإعلام حياً، أصبح للكلمة سلطان مهيب، وأثر خطير في حياة الأمم والمجتمعات، وفي مصائر القضايا الدولية والمؤتمرات العالمية، فهي الجندي الخفي الذي يحقق ما تعجز عنه الجيوش الجرارة.
ومن أجل هذا، نبه القرآن الكريم إلى خطر هذه الأمانة، وأمر جماعة المؤمنين أن يتقوا الله في أقوالهم، وأن يلتزموا القول الحسن، فقال تعالى: “وقولوا للناس حسنا ” فليكن كلامكم ليناً، طيباً، نافعاً، يزرع المودة، ويبني الثقة، ويصلح ذات البين.
وفي المقابل، نهاهم عن قول الزور، وهو الكلمة الباطلة الفاجرة، التي تزين الباطل، وتُفسد الحق، وتضلّ الناس، فقال تعالى: ” فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنِبوا قول الزور ” ونهاهم عن التشبه بالمنافقين، الذين يتشدقون بالكلام المعسول، ويظهرون من العبارات البراقة ما يعجب السامعين، ولكن قلوبهم تختزن الغدر والخيانة، فقال تعالى: ” ومن الناس من يعجبك قوله في الْحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام “