مقدّمة
تميّزت القمة العربية–الإسلامية الأخيرة عن سابقاتها بحدة الخطاب ووضوح المواقف تجاه إسرائيل وحلفائها. لأول مرة منذ سنوات، بدت لهجة القادة أكثر صرامة، عكست تزايد الغضب الشعبي إزاء الانتهاكات في فلسطين، وازدياد القناعة بأن الأمن العربي والإسلامي مرتبط بوحدة الموقف الإقليمي. لكن السؤال الجوهري: هل نحن أمام تحوّل فعلي نحو تحالف عربي–إسلامي جاد، أم أن ما حدث لا يتعدى حدود الخطاب السياسي والدبلوماسي؟
—
مقارنة مع القمم السابقة
على مدى العقدين الماضيين، غالباً ما صدرت عن القمم العربية بيانات ختامية تفتقر إلى آليات تنفيذية. كانت اللغة في الغالب دبلوماسية حذرة، تحرص على التوازن بين التضامن مع فلسطين والحفاظ على العلاقات مع القوى الكبرى. أما القمة الأخيرة فقد ميّزتها:
1. حدة اللهجة: إدانة صريحة لسياسات إسرائيل، والتشديد على أنها تقوّض أي مسار سلام.
2. انفتاح على شركاء جدد: حضور دول إقليمية مثل إيران وتركيا وباكستان إلى جانب العراق ومصر، ما أضفى على القمة طابعاً أوسع من الطابع العربي التقليدي.
3. تركيز على الأمن الإقليمي: التأكيد أن استقرار المنطقة لا ينفصل عن حل عادل للقضية الفلسطينية.
إلا أنّ المخرجات، كما في قمم سابقة، لم تُترجم إلى قرارات عسكرية أو اقتصادية ملزمة، بل بقيت أقرب إلى توافق سياسي–إعلامي.
—
سيناريوهات المستقبل
أولاً: السيناريو الحربي
الوصف: اندلاع حرب إقليمية واسعة تشمل جبهات متعددة (غزة، لبنان، العراق، اليمن) مع احتمال دخول إيران مباشرة ومشاركة حلفائها الإقليميين.
الاحتمال: ضعيف–متوسط (25–30%)، بسبب كلفة المواجهة وضغوط الولايات المتحدة وخشية الأنظمة من الانهيار الاقتصادي.
التأثيرات الاقتصادية:
إيران: زيادة العقوبات وتراجع العملة رغم تماسك الجبهة الداخلية.
العراق: انكماش في الصادرات النفطية، وضغوط هائلة على البنية التحتية.
تركيا: تضخم إضافي، تراجع الاستثمارات الأجنبية.
باكستان: أزمة ديون قد تتحول إلى انهيار مالي.
مصر: تضرر السياحة وقناة السويس، وزيادة أسعار الغذاء والطاقة.
ثانياً: السيناريو الدبلوماسي
الوصف: استمرار التنسيق السياسي والإعلامي، وتفعيل أدوار الوساطة (مصر، قطر، تركيا، باكستان) مع دعم محدود للمقاومة.
الاحتمال: مرتفع (70–75%)، لأنه يوازن بين الاستجابة للغضب الشعبي والحفاظ على الاستقرار الداخلي.
التأثيرات الاقتصادية:
إيران: تستثمر خطاب المقاومة من دون خسائر مباشرة.
العراق: يعزز مكانته كوسيط إقليمي ومركز للطاقة.
تركيا: تستفيد من الاستثمارات الخليجية ومن موقعها كجسر دبلوماسي.
باكستان: تكسب معنويًا من حضورها وتتفادى كلفة الحرب.
مصر: تحافظ على مواردها الحيوية وتعزز دورها التاريخي في الوساطة.
—
التحليل المقارن
من الواضح أن القمة الأخيرة أعطت انطباعاً بوجود محور عربي–إسلامي سياسي أكثر تماسكا، لكنّ تحويله إلى محور عسكري فعلي ما يزال بعيد المنال. الاختلافات الاستراتيجية، وضغوط الولايات المتحدة، والأوضاع الاقتصادية الهشّة للدول تجعل خيار الحرب الشاملة مكلفاً وغير واقعي في الأمد القريب.
أما المسار الدبلوماسي، فهو الأكثر ترجيحاً لأنه:
1. يوفّر متنفساً للشعوب عبر لهجة صارمة.
2. يحافظ على توازن العلاقات مع القوى الكبرى.
3. يمنح الدول فرصاً اقتصادية في ملفات الطاقة والتجارة وإعادة إعمار غزة.
—
القمة والنظام الدولي
تظهر القمة اتجاهاً نحو تعددية إقليمية أوسع، حيث تسعى دول المنطقة إلى لعب أدوار مستقلة نسبياً، لكنها لا تمثل بعد تحولاً جذرياً في النظام الدولي. العالم ما يزال خاضعاً لهيمنة قطب أساسي (الولايات المتحدة)، مع تزايد نفوذ قوى أخرى (الصين، روسيا)، بينما المحاور الإقليمية العربية–الإسلامية في طور التشكل السياسي لا البنيوي.
—
خاتمة
القمة العربية الأخيرة شكّلت منعطفاً مهماً في الخطاب، لكنها لم تؤسس بعد لتحالف عسكري–اقتصادي قادر على تغيير المعادلات العالمية. السيناريو الأقرب هو دبلوماسية نشطة مشفوعة بلهجة صارمة، تُبقي الباب مفتوحاً أمام بناء محور سياسي–اقتصادي على المدى المتوسط، لكنه سيبقى مرهوناً بالتحولات الدولية والقدرة على إدارة التوازن مع الولايات المتحدة وحلفائها.