الفنون هبة من المواهب وهي فعل مدني يصوب بالفكر الحضاري لكنه لا يدخل ضمن الحرام والحلال وإنما الحسن والقبيح والناجح أو الفاشل، وهنالك من يضع بلده على واجهة الإعلام بفنه كما يضع عالم الفيزياء بلده بعلمه، وفي كل مهنة درجة من النظافة والفساد ومن يمتهن المهنة للفساد في الأرض والعلو أو انه يحمل رسالة اختلفنا معه أو اتفقنا والعراق به فنانون رساليون مثل الأستاذ نصيــــــر شمة اذكره لاعتزازي الشخصي بفنه وكثير من الجيل الأول كل على قدر ثقافته.
الفن تيار إبداعي أما الثقافة فهي القدرة على الإصلاح والتطوير والتوسعة، وليس كم المعلومة ولا شيء معرف بأبعاد مخصصة، فالفن قاطراتها التي تحمل في طياتها الجمال والتعبير والإلهام، إلى جانب قاطرات أخرى مثل العلم والفكر والأدب والتاريخ والقيم الأخلاقية، إن النظر إلى الفن كمرادف للثقافة قد يؤدي إلى تضخيم فلا تميز الناس بين من يهدم ومن يبني، فالتمثيل فن لكنه عند نشره الرذيلة لا يعد ثقافة بل هدم وعندما ينشر الصلاح فهو ثقافة تشكل هوية الأمة لذا أحيانا تعطى أناس يمتهنون الفن مكانة ليسوا أهلا لها يؤثرون على الرأي العام بمساعدة الإعلام المنحرف، وهم مجرد أناس فارغون لا ثقافة ولا قيمة فكرية وإنما عشوائية وفوضى ونوع من السفاهة التي تمنحها جرأة لا تجد لها من يقومها أو يضعها في حجمها الطبيعي.
من خلال محورين: أهمية تدريب المواهب الفنية وتنظيمها بشكل منهجي، وضرورة تحديد أهداف الفن وإطار تأثيره على المجتمع نحاول الإلمام بالموضوع.
المحور الأول: تدريب المواهب الفنية وتوجيهها بشكل منهجي
الفن موهبة إنسانية فريدة، كالنهر الذي يحتاج إلى قنوات تهديه ليروي الأرض بدلاً من أن يفيض فوضويًا. إهمال الفن أو تركه للعشوائية قد يؤدي إلى ضياع طاقات إبداعية هائلة، أو إلى إنتاج أعمال تفتقر إلى العمق والمعنى، أو حتى إلى أعمال تتعارض مع قيم المجتمع. لذلك، يتطلب الفن استثمارًا حقيقيًا في اكتشاف المواهب وصقلها عبر برامج تدريبية منظمة. فالفنان الشاب، سواء كان رسامًا، موسيقيًا، أو ممثلاً، يحتاج إلى بيئة تحتضن إبداعه، تمنحه أدوات التعلم، وتفتح أمامه أفق النقد البناء.
الأكاديميات التي تخرج الفنانين لابد من وضع أسس لها وثوابت، ويعلّم الفنان انه ليس متمردا على المجتمع والقيم أو انه يسلك سلوكيات منحرفة من اجل غاياته، بل هذا المسار لابد أن يشيد بدقة ليحترم الفن ويتقدم للعمل به من يحمل الأفكار الجادة فتتحسن النوعية بالخامات المثقفة المنتمية للامة
المحور الثاني: تحديد أهداف الفن وحدود تأثيره
ذكرنا أن الفن قاطرة قوية قادرة على دفع المجتمع نحو التأمل والإلهام، لكنه ليس قدوة مطلقة يُتبع دون تمحيص. الفن يحمل في طياته القدرة على التأثير العميق في النفوس، لكنه قد يحمل أيضًا رسائل سلبية إذا لم يُوجه بحكمة. لذا، من الضروري تحديد أهداف الفن ووضع إطار لتأثيره، ليس بقصد تقييده، بل لضمان أن يكون أداة لتعزيز القيم الإنسانية مثل الجمال والتسامح والعدالة.
في سياق الأمم التي تسعى إلى النهوض، يمكن للفن أن يكون أداة للتثقيف وتوحيد الصفوف. على سبيل المثال، يمكن لفيلم وثائقي أن يسلط الضوء على قضايا اجتماعية ملحة، مثل التعليم أو البيئة، بينما تستطيع الموسيقى أن تبعث الأمل في القلوب خلال الأزمات. لكن الفن ليس لحل المشكلات، وليس بديلاً عن العلم أو الفكر النقدي بل هو مقدم لها للجمهور وحامل لراي ونقد الجمهور لها. إن النظر إلى الفن كقدوة مطلقة قد يؤدي إلى الانجراف دون عقلانية، أو إلى ترويج قيم لا تتماشى مع مصلحة المجتمع. لذلك، يجب أن تكون هناك رؤية واضحة تحدد أهداف الفن، مثل تعزيز الهوية الثقافية، أو نشر الوعي، أو تعزيز التماسك الاجتماعي، مع وضع حدود تحمي المجتمع من التأثيرات السلبية المحتملة، مثل الترويج للعنف أو الانقسام.
دور المؤسسات في المحاور أعلاه
المحور الأول: دور المؤسسات في تدريب المواهب الفنية وتوجيهها
المؤسسات، سواء كانت حكومية، أهلية، أو خاصة، وسيلة لتطوير المواهب الفنية وتحويلها إلى قوة إبداعية تخدم المجتمع. يمكن تفصيل دورها في النقاط التالية:
اكتشاف الفنانين: من خلال تنظيم برامج للمواهب وتأشير الحالات الواعدة ومتابعتها، وهذا ليس بالتمثيل والموسيقى فقطـ، بل بالمتاحف والكتابة الإبداعية للأدب والقصة والسيناريو.
إنشاء أكاديميات للتعليم المستمر وتحسين الأداء والربط مع المؤسسات العالمية لتوسيع القدرات.
توجيه الفنانين نحو خدمة المجتمع: المؤسسات يجب أن تكون مرشدة للفنانين لفهم دورهم الثقافي والاجتماعي. يمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم ندوات وورش عمل تربط الفن بالقضايا الاجتماعية، مثل تغير المناخ أو المساواة على سبيل المثال.
توفير منصات عرض لترويج الإنتاج الفني وإجراء فعاليات اجتماعية، على ارض الواقع أو المنصات المتاحة مع تطور الوسائل ولآليات.
التعليم المستمر لتوسيع الثقافة وبناء الرأي وإدارته وفق مصالح الأمة وليس الافتراض أن الفكر الخاص هو السليم.
إن إهمال هذا الدور المؤسسي قد يؤدي إلى ضياع المواهب أو انحرافها نحو أعمال لا تخدم المجتمع. بالمقابل، يمكن للمؤسسات أن تجعل الفن قاطرة ثقافية فعّالة من خلال هذه الآليات، التي تحول الموهبة الخام إلى إبداع منظم يعزز الهوية الثقافية.
المحور الثاني: دور المؤسسات في تحديد أهداف الفن وحدود تأثيره
في الفقرة السابقة امتددنا في السياق إلى هذه الفقرة لكن نؤكد على بعض المفاصل بما يفيد تأكيده:
الأمة ليست متشنجة متلقية بل معطاء فاعلة لذا لابد من وضع هذه الرؤى من الأمة وبهدف الاستقرار المجتمعي وليس الاستقرار الأمني فقط.
جمع العناصر الثقافية كالعلماء والمفكرين وتنظيم عملية تثقيف عامة وتعريف بالبعض للبعض وتطوير وسائل الإدارة والفن، وتكوين الرسائل الإيجابية للمجتمع وتثقيفه وتوعيته، وضع اطر للرقابة الذاتية وتبيان أهمية فكر الأمة في نهضتها واستكشاف ثروتها الفكرية وتوسيعها وتنمية المجتمع وتطوير المدنية.
الخاتمة: المؤسسات هي الجسر الذي يربط بين الفن والمجتمع، وهي القوة القادرة على تحويل الفن إلى قاطرة ثقافية فعّالة. من خلال اكتشاف المواهب، تدريبها، وتوجيهها نحو خدمة المجتمع، تضمن المؤسسات أن يكون الفن أداة للإبداع والتغيير الإيجابي. ومن خلال وضع رؤية واضحة لأهداف الفن وحدود تأثيره، تحمي المؤسسات المجتمع من التأثيرات السلبية مع احترام حرية الإبداع لكن ليس الابتداع فيكون أداة لتعزيز الهوية ونشر الوعي يحمل في طياته الجمال والمعنى، ويسهم في بناء أمة مزدهرة ثقافيًا وإنسانيًا.