22 ديسمبر، 2024 8:57 ص

العدالة كأساس للحق

العدالة كأساس للحق

تبين لنا في التأمل السابق أن القرآن اسس العدل على التفاوت وان هذا التفاوت مقصود وليس عفوي وهذا من عجيب الامور فكيف لإله يدعي العدل ويامر به يؤسس الخلق على عدم التساوي المسبق الذي يتضمن حتما ظلما للبعض؟ والغريب انه لم يذكر اي معيار عقلي لهذا التفاوت !هكذا وبشكل نهائي يقول: ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا )(الزخرف:32).
ولام التعليل في (يتخذ) تشير الى ماهو انكى وامر أنها تشير الى العبودية والخدمة المؤبدة التي فرضت على بعض الخلق لبعض الخلق! بعد هذا قد لاتستغرب من عدم تحريم العبودية في الإسلام.طبعاً من الممكن للتعصب والجهل أن يفرض نفسه على موضوع المعرفة فيشكل حجاباً للحقيقة أو كما يقول الغزالي:(حجابا يمنع من النظر إلى حقائق الاشياء).فيقبل الإنسان هذة الترهات تحت عنوان المقدس فيصادر إنسانيته ويلقي بعقله في سلة المهملات.
الحق الطبيعي والحق الوضعي.
قلنا أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يخلق القيم وهو الكائن الوحيد الذي يتميز بوجود مزدوج، ينتمي إلى الطبيعة مثلما ينتمي إلى الثقافة، بمعنى أنه يخضع بجسده الى قوانين الطبيعة فاذا دخل النار احترق وإذا سقط من شاهق تحطم جسده لكنه يعيش في بناء آخر من صنعه هو هذا البناء هو الثقافة التي تعلو على الطبيعة وتتفاعل معها وتغيرها الى مايرغب به الإنسان ويريد وبناء على هذا نستطيع أن نحدد الطبيعي، بما هو عام ومشترك بين أفراد النوع البشري، والثقافي بما هو خاص ونسبي، فهل الحق طبيعي أم وضعي؟ هل للفرد حقوق طبيعية ثابتة وسابقة على القوانين الوضعية أم أن الحق وضعي يستمد أساسه من المجتمع وخصوصياته الثقافية؟
نستطيع تقسيم الحقوق الإنسانية بتقسيمات مختلفة إحدى هذه التقسيمات تتجه جهة منشأ هذه الحقوق ومصدر اعتبارها فكما أن الأشياء الطبيعية في هذا العالم التي لم تصنعها يد الإنسان والتي لها هوية مستقلة عن إرادته توصف بالطبيعية فكذلك بعض الحقوق تسمى بالحقوق الطبيعية لكونها ثابتة بالذات وليست ناشئة من الوضع والاعتبار الإنساني وذلك في مقابل الحقوق التي تستمد اعتبارها من واضعي القوانين الوضعية (أو من المشرع في الحقوق الشرعية) حيث تسمى بالحقوق الوضعية. هذا هو الفرق الدقيق بين الحق الطبيعي والحق الوضعي.ويؤكد التصور الطبيعي التعاقدي أن « حالة الطبيعة » تهدد حياة الإنسان واستقراره وهذا ما يدفعه إلى التفكير في أن يعيش حياة مطابقة لمقتضيات العقل وممارسة الحرية في حدود ما يسمح به العقل والتعايش مع الغيرالحق إذن لا يتأسس على القوة والغرائز، لأنه سيتحول إلى ظلم وجورالعدل يتاسس على نور العقل لأنه عن هذا الطريق فقط يمكن إحلال الاتفاق والتعاقد محل الاختلاف والصراع والتنافروالواقع أن الحقوق الطبيعية هي أساس وقاعدة كل الحقوق الإخرى.
أذن تختلف الحقوق الطبيعية مع الحقوق الموضوعة إختلافا ماهوياً وإطلاق “الحق” على كليهما شبيه بالاشتراك اللفظي وهذا معناه أن القانون الوضعي أوجد أشياءً تشابه ما في الطبيعة من حقوق والحقوق الطبيعية عبارة عن ربطٍ وعلاقةٍ بين الحق وذي الحق من نوع الرابطة الغائية ومفادها أن ذلك الشيء وجد لأجل هذا الفرد وموجوده في الطبيعة وسيلة استكماله وذو الحق المستحق له حائز على نوع من الاستعداد والقابلية لتلقي هذه الرابطة.
نستنتج مما سبق إن العدل كقيمة إنسانية وأخلاقية عليا يرغب في تحقيق الحق لأن العدالة تجسيد للحق وتحقيق له بل هي الإساس له وهي الضامن لوجوده لأنها هي التي تؤسس القانون كقوة وسلطة إلزام يخضع لها الجميع على أساس مبدأ المساواة بين جميع الأفراد: بين الراشد والطفل بين الرجل والمرأة بين الفقير والغني بين المسلم وغير المسلم فلا حق إذن بدون مساوة وقد تتطابق العدالة مع الإنصاف وقد ترغب فيهما معا لكن مع ذلك فالأفضل هو الإنصاف فهو الشرط الأساسي لتصحيح ما يلحق بالعدالة من أخطاء عندما تطبق عمومية قوانينها على الحالات الجزئية والخاصة فالإنصاف يكيف قوانين العدالة ويجعلها تستقيم مع الحالات الخاصة على هذا الأساس يجب التاكيد على أن العدالة تقوم على قاعدة الإنصاف وهي قاعدة تقتضي من جهة حق كل شخص في الاستفادة بالتساوي (المساواة) من الحقوق الأساسية.ونتساءل إذا كانت العدالة تؤسس الحق فماهي علاقة الحق بالحرية؟الحق والحرية.
وصلنا في التأمل الخامس عشر الى تقرير أن العدالة تقوم على قاعدة الإنصاف وهي قاعدة تقتضي من جهة حق كل شخص في الاستفادة بالتساوي (المساواة) من الحقوق الأساسية. وتساءلنا إذا كانت العدالة تؤسس الحق فماهي علاقة الحق بالحرية؟
تعتبر الحرية من أهم حقوق الإنسان العاقل وقيد العاقل هنا مهم جدا لأن المجنون فاقد للعقل ولذلك فهو لايمتلك الإرادة ومن لايمتلك الإرادة لاتنفعه الحرية.معنى الحق:
يعرف الحق بأنه المطابقة والموافقة للواقع وشرطه ثبوت واقع معين بحيث تكون مطابقته حقا أي صدقا وموافقة وعدمها كذبا وباطلا لوضوح مقابلة الحق مع الباطل والصدق مع الكذب فلا معنى لكلمة الحق والباطل من دون واقع وراءها تعبر عنه وتحاكيه
.قلنا في التأمل السابق بأن الحق ينقسم الى: الحق الطبيعي والحق الوضعي.
وقد قصدنا بالحق الطبيعي عالم الطبيعة والتكوين، وما يتمتع به الإنسان من امكانات وقدرات، تتناسب وطبيعته التكوينية، فالحق في هذه الحالة هو السير وفق السنن التكوينية، التي تنطبق على ذاته.مثل الاكل والشراب والمسكن ومما يحتاجه الإنسان من أمور تحفظ بقاءه وتضمن له الحياة فيقال مثلا أن من حقه أن يعيش وأن يبقى على قيد الحياة وهذا النوع من الحق غير قابل للجعل والاعتبار وبالتالي فإن أي تصرف أو تلاعب فيه سوف يؤدي لا محالة إلى القضاء عليه وهوعين الفساد.وقصدنا بالحق الوضعي أن يكون الواقع جعليا اعتباريا بمعنى انه خاضع لجعل جاعل واعتبار معتبر وفي هذه الحالة تكون حدود الواقع مختلفة سعة وضيقا بحسب الجعل والوضع الذي افترضه له الجاعل بمعنى أنها تابعة لنفس الجعل ومحددة بحدوده المفترضة وهذا من قبيل القوانين والتشريعات التي تضعها الدول والمؤسسات لتنظيم شؤون المنضوين تحت لوائها وسلطتها كقانون الملكية والزواج وسائر العقود والإيقاعات المرتبطة بحياتهم او سلوكياتهم.الغاية من التشريع.
طبعا من المفروغ منه أنه لا معنى للتصرف زيادة ونقيصة في الحق الطبيعي والعلة أن الإنسان بل كل كائن في هذا العالم مرهون لمقتضيات سنن التكوين التي لا يمكن تخطيه أو الخروج من دائرته لخروجها عن دائرة قدراته وطاقاته فمثلا لا يمكن جعل الإنسان قادرا على الطيران أو في غنى عن التنفس أو المأكل والمشرب وأمثال ذلك.
وأما الحق الوضعي فيختلف لأنه خاضعا للجعل والاعتبار يفرضه تنظيم حياة الناس فهو يتوقف على ملاكات وأسباب تصحح جعله، ووضعها في معرض التنفيذ.والقاعدة الأساسية، التي تحكم هذه الملاكات، هي مصلحة النوع البشري على العموم، سواء في بعده الفردي أم الجماعي، وهو ما يرتبط ارتباطا مباشرا بالإنسان وتحقيق السعادة الحقيقية للنوع الإنساني برمته.وما دام الهدف من التشريع أولا وبالذات تحقيق السعادة الحقيقية للنوع الإنساني وإيصال التوازن إلى الأجيال القادمة فمن غير الممكن أن تكون التشريعات المرتبطة بها امرا اعتباطي ناشئا عن مجرد أهواء وحاجات تمليها مصالح ذاتية ضيقة وإنما تقتضي البعد عن الأهواء والمصالح الخاصة قدر الإمكان ولهذا لا يمكن لكل شخص أن يتصدى لمهمة سن القوانين والتشريعات لأن معنى ذلك نشوء الفوضى والفساد نتيجة تضارب الرؤى والمصالح لأنه سوف يبحث كل فرد عما يتناسب مع مصلحته الخاصة ويجعل منها قانونا يريد تعميمه على جميع الناس ولازمه تحقق شريعة الغاب وهو ما يعني نقض الغاية التي يوجد التشريع لأجله وبالتالي انتهاءها وزواله.فشل التشريع الإسلامي.قلنا أنه لا معنى للتصرف زيادة ونقيصة في الحق الطبيعي والعلة أن الإنسان بل كل كائن في هذا العالم مرهون لمقتضيات تكوينه البايولوجي.إن انتماء الإنسان إلى عالم الطبيعة وكونه جزء لا يتجزأ منها يدل على أن قوانين الطبيعة يجب أن تكون هي المعيار والنموذج الموجه لكل سلوكاتنا وأفعالنا، وأن حقوق الأفراد، شأنها في ذلك شأن حقوق باقي الكائنات الأخرى يجب أن تحدد من خلال نظام الطبيعة وقوانينها، لأنها وحدها ثابتة و مطلقة ونحن نؤكد على أن حقوق كل كائن تتحدد من خلال الخصائص التي زودته الطبيعة بها والتي تحدد نمط وجوده وحياته: فإذا كانت الطبيعة زودت السمك بخاصية السباحة وأكل كبيره لصغيره فإن ذلك يجعل من حق السمك أن يسبح في الماء وأن يأكل كبيره صغيره ونفس الأمر ينطبق على الإنسان فما دامت الطبيعة زودت كل فرد برغبات وقدرات وغرائز خاصة فإن حقوقه تتحدد من خلال ذلك الحق وفق قانون إنساني لايعارض الحرية الإنسانية ولايعتدي على الحياة بحجة اي عنوان ميتافيزيقي وهذا هو جوهر القانون الوضعي الذي يؤكد على أن الإنسان كائن حر تنتهي حريته عندما تبدا حرية الناس الآخرين في توازن قانوني رائع يكفل للجميع حق الحرية الفردية ولايكبل الإرادة الإنسانية بقيود الوهم المقدس.لكن الدين الإسلامي أعتدى على حياة الناس بتشريعاته الوحشية وفشل فشلا ذريعأ ولم يحصد سوى الكذب والنفاق والمخاتلة والمخادعة وإليك الأمثلة:
1-حرم الخمرولازالت الناس تشرب الخمر الى يومك هذا بالسر والعلن.
2-حرم الموسيقى ولازالت الناس تعزف وتغني.
3-حرم الرقص ولازالت الناس ترقص بفرح وسرور.
4-حرم الغناء ولازالت الناس تغني وتطرب وتنشد الأناشيد.
يجب أن يفهم تجار الدين واتباعهم من الرعاع أن الحرية حق.