الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. دخلتُ إلى “الصالة” متجهًا إلى غرفتي، وإذا بمهدي يتبعني. سبقني إلى الغرفة، وحين دخل، لمح القدح الزجاجي بطرف عينه. ارتسمت على وجهه علامات الفرح والسرور، وحاول أن يمدّ يده أو يدفع بعض جسده ليمسك بالقدح، فرِحًا منتشيًا، كأنه يعثر على فريسته. وبسرعة فائقة لا تُصدَّق، أمسك بضالّته، ثم أسقط القدح على الأرض بقوة، فتحوّل إلى زجاج متناثر انتشر في أغلب أرجاء الغرفة. حاولت أن أرفعه عاليًا كي لا يضع قدمه على الزجاج أو يُصاب بجرح. حاول الهبوط، لكنني أمسكت به بقوة وأخرجته خارج الغرفة.
تعقّد الأمر عليّ: كيف لي أن أجمع شتات الزجاج المتناثر؟ فما إن أجد قطعة حتى أعثر على أخرى، وما إن أظنّ أن الأمر قد انتهى، حتى أجد واحدة أكبر حجمًا هناك، أو أخرى على الفراش الذي أنام فوقه، وأخرى قرب الباب، صغيرة تشبه الذرّة، وأخرى لا تُرى بالعين المجرّدة. يا للهول! ماذا فعل هذا الشقيّ؟! ما يقارب نصف ساعة وأنا أبحث عن الزجاج المتناثر. كان الأمر صعبًا للغاية. كيف تحوّل القدح إلى هذه الأحجام؟ كأنّ ما تناثر أكثر من الحجم الحقيقي للقدح! شعرت بالعناء وأنا أبحث، ثم تركت الأمر بعدها.
أمسكت بالجوال لأستمع إلى الأخبار وبعض الحوارات الجارية، لكن لا يزال فكري عالقًا باحتمال وجود بقايا من الزجاج لم أشاهدها. وكأني في صراع مع تحدٍّ أجهله، ذلك التحدّي الذي وضعني فيه هذا الطفل الصعلوك.
جاءني سؤال في ذهني: هل سيبقى مهدي على هذه التصرفات التي لا تنمّ عن طفل يسمع الكلام أو يعي عواقب أفعاله، أو يشعر بعدها بإحسان، خوفًا أو طاعة؟ بدلًا من هذه الإرهاصات ونزوات العبث؟ يُقال — والعهدة على علماء النفس كما أظن — إن الطفل المشاكس عندما يكبر يكون عاقلًا ومتزنًا، على عكس الطفل الهادئ، فمن المحتمل أن يكون مشاكسًا عند الكِبَر، لعلّ الأمر كما يقول علماء النفس، ليتخلّص من نوازع التمرّد والعبثية. لكن الأمر صعب لو بقيت الحال على ما هي عليه، وربما لا ينفع معه تعليم أو تربية.
مهدي، هذا الطفل المشاكس، ذكرني ببيتٍ لأحد الشعراء حين قال:
“أطفالُنا بوداعةِ النسورِ.”