22 ديسمبر، 2024 9:32 ص

الشهيدة صبيحة اسماعيل/139

الشهيدة صبيحة اسماعيل/139

{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
تعلقت صبيحة إسماعيل محمد القيسي، بالخير، منذ والدتها العام 1961، طفلة، في مرافئ “الكرادة” وسط أسرة بغدادية محافظة على آصالة إيمانها بالله سبحانه وتعالى.
إرتدت الحجاب، حال بلوغها سن التكليف، وإلتزمته بحب، صهر شخصيتها، وبناها وبلورها تماهيا مع الصديقات، فاطمة البتول وبطلة كربلاء زينب بنت علي وأمثالهما من المؤمنات المحتسبات.
إقتداءً بنهج الفضيلة، الذي إستشهدن لأجله، خاضت صبيحة حروبا ضد مديرة أعدادية “الهدى” للبنات؛ التي تحاول ترجمة كفر البعث الطاغي، الى أوامر، توقظ شيطان الأنحطاط الأخلاقي، إنفلاةً من قمقم المراهقة في جسد وعقل بنات الإعداية.
بالمقابل، إتخذت الشهيدة، من حجابها المرصود، قضية تفانت فيها حد الموت، مستجيبة لتعاليم الإسلام، في مواجهة ضد المديرة التي تحارب المحجبات وتستهزئ بهن وتنعتهن بالخمينيات.
تبتهج صبيحة في سرها؛ لأنها ترى الإقتران بشخص الإمام روح الله الخميني، شرفا ووثيقة عهد بينها والرب.
عُدّ التدين سياسة معارضة لحكومة البعث والحجاب شعاراً يرفع ضدها، لكن صمدت الشهيدة ثابتة على مبادئها، وبرغم تفوقها، لم تكمل الدراسة، مكتفية بالحد الذي يمكنها من إستخدام مفاتيح الثقافة منهجيا، وتزوجت من د. حسين جاسم الخفاجي.. الداعية الناشط في حزب “الدعوة” الإسلامية، تقاسمه أفكاره متبنية مواقفه.. مؤمنة بالمبادئ التي يجاهد في سبيل تحقيقها.
 
العمارة
إشتدت ملاحقة أمن الطاغية المقبور صدام حسين، لأعضاء “الدعوة” فغادر زوجها، من “العمارة” حيث يعمل طبيبا، في مستشفى ميسان، الى إيران، لكن ألقي القبض عليه قرب الحدود.
ولأن البعث لا يكتفي بمرتكب ما يراه “جرما” من وجهة نظره؛ فقد طالت الإعتقالات صبيحة ووالدها وجدها وجدتها لأمها واخوالها وأولادهم وأبنة عمها، التي اعدمت فيما بعد، في الأمن العامة.
 
تكامل
السبب الذي جعل الامن تعتقل العائلة برمتها، هو تكامل الموقف بين صبيحة وزوجها وخالها وشقيقها الذين إتضح أنهم دعاة أصلاء لـ “الدعوة”.
اعتقلت صبيحة حاملاً في شهرها الرابع ووجهت لها تهمة التستر على زوجها (الهارب).
بدأت في الأمن العامة، رحلة المعاناة والآلام التي لم تنفك عن فتاة لم تبلغ العشرين، في باكورة حملها، تعاني أوجاعا ومخاوف، تحت سدف ظلام دهاليز الأمن العامة، بين يدي رجال قست قلوبهم كالحجارة، فملؤوا المكان برائحة الألم متكاثفا يكاد يصم الأذن بصراخ وئيد.
 
وأد
عانت نزفا ونحولا، مشفوعين بتوسلات بنت عمها التي تشاطرها الزنزانة، من دون مجيب؛ فالجلادون صم بكم لا يفقهون سوى الـ… الفظاعة، التي تلاشت في غياهبها أنفاس صبيحة.. تفتر رويدا رويدا مستسلمة للألم، يومين، هامدة بنبض يكاد لا يرين، وفي اليوم الثالث فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها لتشكو إليه قتلها وجنينها بلا ذنب اقترفته ولا جرم ارتكبته.. “وأذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت”.
لم يشفِ غليلهم موتها شهيدة، إنما واصلوا جرائمهم بإعدام باقي العائلة.. إبادة جماعية.. زوجها د. حسين الخفاجي وأباها وأخاها وأخوالها وبنت عمها الشابة اليافعة.