الرغبة في القتل

الرغبة في القتل

ما الذي يدفع الانسان الى القتل ؟
و ما الذي يجعل القتل مستساغاً الى الدرجة التي نراها في عمليات الابادة الجماعية التي ارتكبها النازيون في اوربا والشيوعيون في روسيا وتلك التي رأيناها في سبرنيتشا و في قمع انتفاضة العام ١٩٩١ في العراق و في حلبجة و خلال احداث انتفاضة سوريا و اخيرا في الساحل السوري .
شخص ما تراه يتلذذ بالقتل و البطش يمسك سلاحه ويصوبه تجاه ضحاياه مأخوذاً بنشوة عارمة يقتل ضحيته الاولى ثم لا يزداد الا تعطشاً و رغبة جامحة في القتل فيستمر بالقتل حتى يصبح القتل مهنته متباهياً في كثير من الاحيان بعدد الذين سقطوا ضحايا على يديه ، و في الغالب يبحث هؤلاء عن ادنى سبب لكي يبرروا القتل و حيث لا يوجد مبرر فأن شهوة القتل المستفحلة تؤدي دورها و تدفع للقتل حتى دون سبب بل لأجل شيء واحد هو اشباع تلك الرغبة .
يمكنك ان ترى السادية في إلتماعة اعين اولئك القتلة ، ترى ضحكاتهم الهازئة بالضحايا و نشوتهم المسكرة و احتفالهم على جثث ضحاياهم و محاولات التفنن في القتل .
خلال احداث الساحل السوري كنت ارقب كل تلك المشاهد الفضيعة لعمليات القتل و التنكيل التي قام بها تكفيريون سلفيون يرتدون زي الدولة ، مدفوعين بعقلية انتقامية و ثأرية و خلفية دينية تبيح القتل والتخريب والتنكيل بكل قوة و تغذي كل اشكال العنف ضد الاخر لمجرد انه اخر مختلف .
وبغض النظر عن الاسباب السياسية و الاجتماعية وحتى النفسية و غيرها من الاسباب التي ادت الى تلك الجريمة اود ان اسلط الضوء على عامل مهم جداً ادى دوراً كبيراً في حدوث تلك الجريمة المروعة و البشعة.
لا بد قبل ذلك من قراءة تاريخية لواقع مهم حدث قبل ما يُعرف بالربيع العربي ، حيث حدث تطور مهم على الصعيد الاجتماعي في سوريا وفي غيرها ، لقد كانت الصحوة الاسلامية تسري في تلك المجتمعات مدعومة بالمال المتدفق من الخليج حيث تنتشر اشكال الدعاية و كان ان تلقفت السلفية تلك الصحوة و لونتها بلونها و لم تكن سوريا بدعاً عن ذلك ، حيث تُظهر بعض التقارير عن محاولة السلطة في سوريا غض النظر عن الحركة السلفية و ممالأتها خاصة بعد سقوط نظام البعث في العراق عام  ٢٠٠٣ .
حيث استغلت السلطة تلك الحركة وفسحت امامها مجالاً للتدفق تجاه العراق و لتكون ممراً ومعبراً للارهاب و الذي يتابع ما حصل مع ابو القعقاع السوري السلفي سيعرف عماذا اتحدث ، و كذلك للمئات من السوريين الذين دخلوا العراق بصفة مجاهدين قبضوا الثمن في سوريا من نظام صدام قبل دخول الامريكان و دخلوا بصفة مجاهدين ، و ربما كانوا النواة للفعل الارهابي في العراق فيما بعد ٢٠٠٣ و لغاية سقوط الموصل على يد داعش .
لقد كانت آلة السلفية تغذي الطبقات الفقيرة في سوريا و تتوغل داخلها اجتماعياً و ترسم الخطوط لما سيكون و هكذا حدثت الانتفاضة في سوريا التي استمرت لحين سقوط نظام الاسد الذي مارس بطشاً غير عادي ضد شعبه و اورثهم احقاداً و ضغائن و انقسامات ، و سُقي من ذات الكأس التي ارادها للعراق و شعبه فنال الخزي و الذل و العار .
تعتمد السلفية مقولات مثل الطائفة المنصورة (وهي مقولة محفزة و تمنح معتنقيها الامل ) و الطائفة الحقة و الجهاد ضد اعداء الله الذين هم بطبيعة الحال كل افراد الانسانية و مقولة الولاء و البراء و كل تلك المقولات تنبع من فكرة ومقولة مركزية الا و هي التكفير ، الذي يعني استباحة الاخر دمه و عرضه و ماله .
لقد صنعت السلفية الجهادية من المنتمين لها وحوشاً بشرية سادية تستطعم القتل و تتلذذ به فشيوخ السلفية يمكنهم ان يبرروا حتى افعال الشيطان .
ولا يمكن لنا ان نتجاوز هذه الظاهرة دون الالماع الى تأثير التحولات العالمية والعولمة التي ساهمت في عولمة التيارات السلفية الجهادية التي تستسيغ التكفير و القتل حيث استغلت تلك التيارات وسائل التواصل الاجتماعي في نشر فكرها و سمومها كما استغلت حركة الهجرة لتوطين اتباعها في اوربا و غيرها .
وكما وظفت ادوات العولمة في حركتها وظفت كذلك النقمة المتزايدة لدى الشباب في مجتمعات العالم الثالث سواء على الانظمة الحاكمة او عموم النظام العولمي الرأسمالي الذي خلق فوارق اجتماعية و طبقية هائلة بين المجتمعات و الافراد .
واذا كان السبب الاخير مقنعاً لنا لتبرير التحاق الشباب في دول العالم الثالث فإنه غير مقنع بالنسبة للشباب الذين يتركون اوربا و عيش الرخاء و الرفاهية للالتحاق بداعش و القاعدة ، لكن الاسباب هنا تختلف نوعاً ما فالانزواء و تكوين المجتمعات المنغلقة الذي تعمل عليه القاعدة وداعش وغيرها هو استراتيجية فعالة تشكل ما يشبه المغامرة بالنسبة لهؤلاء الشباب الذين لا يجدون معنى لحياتهم في اوربا ، هذه المغامرة تشكل معنى لحياتهم و تجعلهم يعيشون تفاصيل كل لحظة مع تلك التنظيمات و لكأنها لحظة ممتلئة و تشكل فارقاً و ليس كتلك اللحظات التي تمضي مملة و دونما تحقيق شيء ، فالمغامرة في جزء منها هي اكتناف للمجهول و انطوائها على الصعوبات هو ما يكسوها بالجاذبية وهي تشكل جزء من الثقافة الغربية (اي روح المغامرة) التي تجلت أبان عصر الاستكشاف و الاستعمار .
و اذا حق لنا ان نكشف عن الجانب المظلم في امر تلك الحركات الجهادية فإن الانصاف يجعلنا نؤشر الرغبة في الابتعاد عن المادية و نبذ بهرجها و العودة الى حياة الروح و سكينتها الذي دفع كثير من المنتمين لتلك الحركات ، و لعل العيب ليس في قدرة تلك التنظيمات على جذب الشباب بل في كساد بضاعة تيارات الاعتدال التي لم تستطع ان تقدم نموذجاً بديلاً قادراً على استيعابهم بدلا عن الزج بهم في محارق الطائفية و التكفير .
و اذا كان بعض مفكري الغرب بل ان احد اهم رهانات الحداثة الغربية هو التبشير بأفول الدين واضمحلاله فإن تهافت بعض المنتمين لتلك الحركات على تنفيذ العمليات الانتحارية هو مؤشر على ان رهان الحداثة رهان خائب و الامر ليس قضية يمكن اعتبارها ظاهرة قليلة التأثير بل انها ظاهرة جديرة بالقراءة و الدرس و الاستخلاص كونها ظاهرة بما تعنيه كلمة ظاهرة .
و لا يمكن بحال الاشارة الى السلفية الجهادية دون تطبيق ما قلناه على الغرب ، اذ ان صعود تيارات اليمين المتطرفة تعكس ايضاً رغبة خفية في اقصاء الاخر و قتله ومحوه من التاريخ والوجود ، اذ لولا قوة إنفاذ القانون في الغرب لكانت تلك التيارات تأكل مجتمعاتها كما فعلت بنا تيارات القتل والتكفير والهجرة .
لقد عشنا في العراق اسوأ تجاربنا مع الاحتلال الامريكي حيث كان العراق مستباحاً تماماً من قبل آلة القتل الامريكية و يعرف العراقيون عما اتحدث حيث ان مجرد الاقتراب من القوات الامريكية بالخطأ كان يعني الموت ليس لمن اقترب ولكن لكل من حوله فآلة البطش الامريكية كانت تطلق الرصاص بمحيط دائري لمجرد استشعارها الخطر و تردي ضحاياها دون ان يرف لها جفن بل ان ذلك مدعاة للتباهي كما حصل مع شركة بلاك ووتر في احدى ساحات بغداد حيث اردت اكثر من عشرة مواطنين قتلى .
وما حصل في سجن ابو غريب شاهد على فضاعة السادية التي تتملك هؤلاء المجندين لحظة السيطرة على احدهم حتى يخرجون اسوأ ما فيهم و يمارسون التشفي مع اسوأ انواع التعذيب بعيون ملتمعة رضا و غبطة .
وهكذا اذن يمكننا رؤية كيف تتراكب الدوافع و المؤثرات لترسم واقعا جديداً يتشكل حيث تصبح الرغبة في القتل (مشروعاً ) او مقدمة لمشروع حضاري يقوم على جماجم المقتولين ظلماً !!