عندما تكون التقاليد تقضي بالحفاظ على التاريخ والحضارة والالتزام بالقوانين الشبه رسمية والمتخذة أساسا لموضوع ما منذ القدم فهي لا باس بها بان تكون موروثا ايجابيا يعلم المرء قوانين أسلافه ليتوارث عنهم الاحترام والالتزام الديني وإحياء ذكرهم على مر الأزمان . ولكن حين تكون التقاليد نقمة واضطهاد وتعذيب لأضعف كائن رغما عنه فهو موضوع يستحق الدراسة والاهتمام وبحاجة فعلية الى حل سريع للحد من هذا النوع من الاعتداء .
الكثير مما يُنفذ ويُقترف من قبل أشخاص أو مجاميع يكون ذريعته الدين أيا كان . فالقتل المتعمد والجماعي ينفذ بذريعة الجهاد والزواج الغير رسمي والذي يغدر حقوق المرأة يرتدي الدين غطاءا له (مسيارا كان ام عرفيا ام متعة أم غير ذلك ) . وليس ببعيد لكنه غريب جدا عن مجتمع يتسم بثقافة وتطور فكري ملحوظين على مستوى العالم وأن يتم استقطاع جزءا من جسد طفلة رغما عنها والتسبب في تشويه جسدها هذا ما لا يصدق .
إن التسبب في أزمات نفسية وأذى جسدي لتلك الطفلة وكالمعتاد الذريعة الدين ليس بالسهل . وما يثير الدهشة أكثر إن الإسلام لم يذكر هذا الموضوع في القران الكريم ولا في أحاديث الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم).
والختان هو قطع جزء من الجهاز التناسلي للفتاة وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى قطع جزء كبير منه
والختان بالنسبة للأنثى مرفوض دينيا وطبيا لما له من مضار جسدية ونفسية واجتماعية ولكونه يحرم الفتاة من ممارسة حياتها الأسرية الطبيعية حتى بعد الزواج لأمور تعد بالشخصية وخصوصا المتعلقة بالمعاشرة الزوجية وعملية الولادة وكذلك الإدرار إضافة إلى الالتهابات والآلام البالغة التي تلحق بالجهاز المذكور في حين ان ختان الذكور هو أمر معقول وقد ذكر في أحاديث عدة هدفها النظافة ولا أضرار لها على الجهاز الذكري لأسباب عدة . ومنها اختلاف تركيب الجهازين تشريحيا ( طبيعيا ) .
في القرى غالبا
في عدد من قرى نائية تابعة لقضائي رانية شرق السليمانية وجمجمال بين كركوك والسليمانية وبموسم طغت فيه الثلوج على منظر المدينة . تقيم عوائل عشائرية كردية غلب على منظرها الالتزام بالزى التقليدي والحياة العشائرية البحتة .وكذلك ” حاج عمران ” و”قلا دزي ” وقرى تابعة لها ناهيك عن قرى حدودية صغيرة موزعة بين سفوح الجبال والأودية وهناك اجري التحقيق في بعض منها لصعوبة التنقل .
وحين تم ذكر الموضوع رفض البعض التحدث عنه او التقاط الصور لأسباب عدة .منها ان الموضوع ديني عشائري خاص وتم التطرق لبعض التفاصيل و بشكل سطحي كما وصف على انه تقليدي ديني وعشائري أفتى به رجال دين معروفون في إقليم كردستان وهو أسلوب متوارث من قبل الأجداد على انه يحد من الانحراف الخلقي وللسيطرة على غريزة الأنثى واندفاعاتها وعدم الانجراف بمغريات النفوس بحسب وصفهم .
وكما أسلفنا ذكرا ان الإسلام لم يتبنى الموضوع وان لا حجة فيها على مشروعية ختان الأنثى وأن ما يفتى به من أحاديث الختان للإناث كلها ضعيفة لا يستفاد منها كحكم شرعى وأن الأمر ليس سوى عادة من عادات بعض الشعوب وان الختان الذي أمر به الرسول هو ختان الذكور فقط . ويعتبر إقليم كردستان المكان الوحيد في العراق الذي يتم فيه بتر جزء من جسد الفتاة “ختان الإناث” وهذا الأسلوب ابتكر منذ فترة طويلة أي أن اغلب نساء الإقليم تعرضن لهذا النوع من العنف بإجبار من ذويهن بمعتقد تطهيرهن او تجريدهن من أنوثتهن وكأنهم يريدون تغيير خلق الخالق وفق معتقدات غريبة .
ان العملية وفقا لوصف نساء تعرضن لهذا النوع من العنف الجسدي يتم بحضور امرأة مسنة أحيانا وهي تعرف
” دا بير ” بالكردية أي ” الجدة ” ويتم جمع عدد من فتيات القرية ممن دون الثامنة في احد منازل القرية بمراسيم احتفالية خاصة وفي أعياد ” نوروز” أحيانا أي خلال فصل الربيع ويتم إدخال الفتيات بالتعاقب إلى غرفه الـ”دابير” لغرض قطع جزء من الجهاز التناسلي بوصف التطهير والذي لم يعرف تطهير من ماذا ؟ ؟
وبعدها تمسك اثنين من النسوة الفتاة لتتم العملية ” بشفرة حلاقة ” لتسيل الدماء وسط صراخ الطفلة وضجيج المتواجدين خارج الغرفة .
وتبقى بعدها الفتاة مضمدة بضماد غير طبي سطحي حتى تقوم الخلايا بعد فترة ببناء أنسجة جلدية جديدة لتغطية الجزء المبتور من الجهاز الأنثوي . وبعد جهود حثيثة من قبل المنظمات الإنسانية والتي تهتم بشؤون المرأة انخفضت هذه الظاهرة بشكل كبيرة ألا أنها ما زالت قائمة لكن ليس بالعدد الذي كانت عليه سابقا .
قضايا مماثلة
إن هذه الظاهرة التي لا داعي لوجودها قائمة في الإقليم منذ القدم و هناك دولا أخرى تتسم بهذا الطابع الغريب أولها جمهورية مصر التي كانت تقوم بختان الإناث الى ما يقارب نسبة 60% وهي نسبة كبيرة لعادة كهذه ومقارنة مع دول أخرى لكن بعد جهود عدد من الناشطات في مجال منظمات المجتمع المدني أقرت الحكومة المصرية عقوبة ضد أي شخص أو جهة تقوم ببتر الجهاز التناسلي للأنثى تحت مسمى قانون “حظر ختان الإناث”. كالسودان ومالي والنيجر ومنهم مواطني هذه الدول من الديانة المسيحية أي غير الإسلامية ألا أنها تمارس هذه العادة الغريبة وبشكل سري . وهناك دولا اخرى في الشرق الاوسط لفتياتها نفس المعاناة وهي طبعا بشكل علني لكن دون اكتراث احد من ذلك وان تلك الدول هي الاردن وجنوب السعودية وبعض من غرب اليمن وسلطنة عمان وجنوب ايران وفي اسيا الهند واندونيسيا واجزاء من ماليزيا وأقلية في الصين اضافة الى جزء من امريكا الجنوبية لا سيما اولئك ذات الأصول الإفريقية أي المهاجرين وكذلك حال المهاجرين في بريطانيا واستراليا وعدد من الدول الاوروبية .
وما يشدنا الى ذكره هو سفر عدد من العوائل الكردية المقيمة في اوروبا الى اقليم كردستان لغرض ختان فتياتها ومن ثم العودة ليكون الموضوع أكثر تعقيدا مما كان عليه وإلا فكيف لتلك العوائل المتقدمة علميا والتي تدرك جيدا أضرار ونتائج عمليات البتر المتعمدة هذه وهي تعيش في دول متطورة تراعي حقوق الانسان .
فتاوى دينية
على خلفية نشاطات بعض النسوة لهذا الموضوع واللواتي اجبرن على التعرض للختان وبعد دراسته دينيا وقانونيا وطبيا . تبين ان لا علاقة لهذه العوامل الثلاثة ببتر او إلحاق الاذي بأي أنثى خلقت طبيعية . وللتوضيح وكما أعلنت الدور الشرعية في مصر و أن إصدار الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فتوى خاصة بهذا الصدد في آذار/ مارس 2009 استند فيها إلى ما أثبتته الدراسات العلمية المختلفة التي قام بها أهل الاختصاص الموثوق في علمهم من أن عادة ختان الإناث ليس وراءها أي فريضة ترجى بل إنه يُخشى من ورائها إلحاق الأذى والضرر بالإناث في حاضرهن و مستقبلهن. وأوضح القرضاوي في فتواه أن ” شكاوى النساء اللواتي تعرضن للختان كثرت، وأنهن يشكين الأثر السلبي لتلك العادة في حياتهن الزوجية وانا من الذين يقولون بأنه ليس هناك أي مبرر ولا يوجد عندنا من أدّلة في الإسلام من القرآن ولا من مذاهب الإسلام المتعددة أي دليل يدعونا إلى أن نتمسك بهذه العادة، بل كل الأدلة الشرعية والواقعية تأمرنا بمنع هذا الأمر… ولهذا أُفتي بمنع هذه العادة حرصا على سلامة المرأة المسلمة والفتاة المسلمة، والطفلة المسلمة، وحمايتها من أي أذى ” .
اضطهاد اختياري
ان اجبار الفتاة على الخضوع لهذا التقليد العدواني أمر مقدورعليه ومن السهل إجبار ممن هي دون سن الثامنة اقل او اكثر بقليل على السكوت على عملية بتر جزء من جسدها دون ان تدرك السبب . وان المستشفيات التي استقبلت حالات خطيرة أسبابها عمليات الختان منها جسدية وأكثرها نفسية وطبعا هذا بالنسبة لمن هن دون سن الثامنة .
اما بالنسبة لمن تجاوزن الثامنة عشر فأنهن يتعرضن لأنواع من الاهانات والاستصغار إن كن غير مختونات وذلك ما يدفع عدد منهن الى الرغبة في الختان وهن في سن متقدمة لعدم نبذهن من قبل الأزواج الذين يحسبون ان المرأة الغير مختونة (غير نظيفة) ما يجعلهم لا يتقبلون الطعام والشراب منهن والتقليل من شانهن على الرغم من ان لا علاقة للختان بالنظافة قطعا وهذا ما يعد نوعا آخر من الضغط لإجبار المرأة على الرغبة باضطهادها جسديا لممارسة حياتها الزوجية بشكل طبيعي مع شريكها .
كوارث طبية
ان مضاعفات عملية بتر أي جزء من الجسد خطيرة جدا فكيف اذا كان هذا الجزء عضو من الأعضاء الأساسية في جسد الانسان . ان اضرار الختان لا تعد ولا تحصي ولكن هناك بعض المشاكل الكبيرة التي تواجهها الفتاة وخصوصا ان كانت العملية تمت بواسطة شخص لا يتمتع بعلم طبي واستعماله أداة كشفرة الحلاقة غير معقمة.
الطبيب الجراح (د. بشتيوان محمد امين ) سبق ومرت به حالات تخص ختان الإناث يقول “تجرى غالبية العمليات بدون مخدر وفى منطقة شديدة الحساسية عند الطفلة مما يجعل الألم عنيفا ومستمرا لفترة بعد الختان وفى هذا وحدة ضرر نفسي بالغة للفتاة الصغيرة ، وكذلك النزف الحاد الذي يرافق البتر بعض الأحيان ، الالتهابات والتلوث وقد يكون هذا الالتهاب صديديا أو نتيجة للإصابة بميكروب /التيتانوس/ خاصة في المناطق الريفية والشعبية، والتشوه الخارجي حيث تلتئم الجروح بنسيج ليفي محدثا تشويها بالمكان وقد تحدث ندب مؤلمة نتيجة لحدوث الالتهابات وفى بعض الأحوال يحدث التشويه نتيجة إزالة أجزاء على جانبي المنطقة أو نتيجة ترك زوائد جلدية تنمو وتتدلى بعد ذلك مما يستدعى تكرار أجراء العملية في وقت قريب أو يستدعي أعادتها .
و من ناحية أخرى نجد أن هناك أضرار أخرى كـ اضطرابات التبول التي تتبع العملية و عسر الولادة وتمزق غشاء البكارة في بعض الأحيان وآلام عند المعاشرة الزوجية و ضعف التقبل الجنسي والتالف الزوجي الطبيعي “
وان أضرار الختان لا نهاية لها لكن الضرر الكبير الذي يلحق بالفتاة هي الحالة النفسية التي تتبع عملية الختان وإحساسها بنقص ما في داخلها على عكس ما يراه شريكها في الحياة ”
منظمات وقرارات
تعد منظمة هيومان رايتس ووتش المنظمة الأولى عالميا والتي تهتم بحقوق الإنسان حول العالم وكان لها قرار حول هذا الموضوع واعدت أكثر من تقرير تحدثت فيه عن اعتداءات جسدية ووصفت الموضوع بالكارثي . فيما أكدت منظمات محلية أخرى في كردستان أنها مازالت تعد تقارير واستبيانات لتجريم كل من يقوم بهذا النوع من الاضطهاد تجاه أي انثى في عائلته . وكانت منظمة عراقية – ألمانية مشتركة أعدت في وقت سابق تقريرها حول الموضوع في عدد من قرى الإقليم شملت السليمانية واربيل ومدن مجاورة ككركوك وخانقين ضمن محافظة ديالى .ووجدت أن النسبة هناك مرتفعة جدا أي أن في جمجمال في السليمانية وحدها نسبة 50% تتعرض فتياتها للختان
اما في خانقين وحدها والتي تقع ضمن محافظة ديالى بلغ نسبة ختان الإناث فيها 15% تقريبا معظمهن تعرضت للختان خلال ثمانينات القرن الماضي .
بالنسبة لما تقوم به منظمات المجتمع المدني فهو جيد جدا مقارنة من حيث الإعداد التي بدأت تتضاءل شيئا فشيء لكنها لم تنهي المشكلة ولم تضع حدا لذلك . فمن نتائجها قانون حكومة إقليم كردستان العراق الذي يحظر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية والذي يعتبر خطوة هامة و طريق للقضاء على هذه الممارسة.
وان مشروع قانون العنف الأسري الذي وافق عليه برلمان الإقليم في 21 حزيران/يونيو 2011 يشمل أحكاما عدة تجرم هذه الممارسة المعروفة دوليا بأنها من أشكال العنف ضد المرأة وتشمل العقوبات الجنائية أحكاما بالحبس تصل إلى ثلاث سنوات، إضافة إلى غرامات مالية تبلغ عشرة ملايين دينار عراقي كحد أقصى .
وما هذه إلا إجراءات بدائية للقضاء على هذه الظاهرة التي تسبب خطرا كبيرا على المجتمع العراقي لا سيما وإنها تتم بصورة مخالفة للشريعة والقانون ولها آثار سلبية كبيرة في وقت أضحى فيه الإنسان من دون قيود تفرض مع وجود منظمات تعنى بهذا الشيء ولها السلطة في دعم حقوق الإنسان ومحاسبة من يحاول الحد من هذه الحقوق ومنها الحرية . ويبقى القرار الأخير للجهات العليا والتي لها الأولوية في تشريع القوانين وضمان حرية الفرد والمجتمع .