10 أكتوبر، 2024 8:10 م
Search
Close this search box.

الحنين الى العبودية

الحنين الى العبودية

ما الذي يستهوي المستعبدون في حياة العبودية و الذل حتى يحنون اليها ويتشوقون الى اغلالها ؟
يشير اريك فروم في كتابه (الهروب من الحرية) الى ان الحرية تستلزم المسؤولية والمستعبدون اعتادوا ان يلعقوا صحون اسيادهم فهم يعتادون هذه الحياة اللامسؤولة حيث الحد الادنى من متطلبات العيش حد الكفاف ذلك الحد الذي يضمن لهم البقاء احياء ومع هذا التحليل المذهل يصح القول ان الحياة صنيع الاحرار وان المستعبدون دوماً على الهامش.
تصور معي كيف سيشعر المستعبدون حين يُقتطعون عن اسيادهم وحين يوضعون امام مسؤولية انفسهم سيشعرون بانهيار عالمهم الذي اعتادوه و استمرأوه.
ان اي انهيار في نظام ما سيتبع بزلزال اجتماعي يضع اناس ويرفع اخرين ويحدث تبلبلاً هذه العملية ستجعل الكثير مبهوتين امام الحدث وقد يخسر الكثيرين في هذه العملية وضعهم الاجتماعي السابق.
عادة يتحكم الاسياد في عقول مستعبديهم فلا يرونهم و لا يكشفون لهم سوى ما يضمن لهؤلاء الاسياد البقاء كأسياد وما يرسخ هذا النظام ويجعله الامر الطبيعي الذي تنبني عليه اساسات الحياة
فالاسياد يمارسون وأد الوعي وتسطيح العقول وقمع التفكير الحر و زرع الخوف والتردد بحيث يكون هذا الخوف ثيمة اساسية في سايكولوجية المستعبد تمنعه عن العيش بايجابية وتعزز البلادة لديه.
حتى حين يبدأ الوعي المخدر للمستعبدون بالاستفاقة يبقى متمسكاً بمعادلة السيد والعبد ويبقى المجهول مخيفاً و غير مسموح بتخطي حدوده واستكشافه اذ هو لا يزال يعتقد ان القيود لا تزال تحز في معصميه .
من الصعب اقناع المستعبدين بأنهم اصبحوا احرارا فالشعور العميق بالعبودية و الاغلال النفسية لا يمكن تكسيرها بسهولة اذ الانسان ميال بطبعه الى الدعة والسكينة وليس الحركة ولذلك اي تغيير اجتماعي وطبقي يلاقي معوقات وصعوبات والمستعبدون يميلون وفقاً لهذا الطبع الى ابقاء المنظومة الاجتماعية التي يعيشون فيها على ما هي عليه.
ان الحرية كقيمة من القيم العليا غير موجودة في قاموس هؤلاء المستعبدون فلا يمكنهم التفكير بحرية ولا التصرف بحرية ولا اتخاذ الموقف المناسب بحرية ولذلك يبقى هؤلاء بحاجة الى من يقودهم و يدلهم ويأخذ بايديهم .
لذلك نجد اليوم وخاصة في خضم انتفاضة تشرين نموذج من المستعبدين في زمن النظام البعثي الفاشي يحنون الى ذلك النظام ويتناسون جرائمه
يتناسون الجوع والالم وشظف العيش
يتناسون الغربة خارج الوطن والاغتراب داخله
يحنون الى السجن الكبير الذي كان يحوطنا به العفالقة
ويحنون الى العيون البوليسية التي تحسب علينا انفاسنا و تراقب حركاتنا
يحنون الى ايام (السخرة) حيث يسخرون الناس لاحتفالات عبثية
هذا التناسي وذلك الحنين مرده الاستعباد الذي فُرض عليهم وتعشق في جنبات تفكيرهم وعشعش حتى في اوهامهم.
الحرية باهضة الثمن
لكن حلاوتها لا يضاهيها حلاوة ولا يساويها ثمن.

أحدث المقالات