22 ديسمبر، 2024 9:21 ص

التقارب العراقي السعودي .. رؤية متفائلة لمستقبل المنطقة

التقارب العراقي السعودي .. رؤية متفائلة لمستقبل المنطقة

دورة الأزمات السياسية تشابه الى حد ما أزمات دورة رأس المال. الأزمة المالية تبدأ وتتعمق وتتجذر ثم تنتهي مهما كانت عاصفة ومهما تسببه من خسائر هائلة في إقتصاديات الدول، بحكم تدخل جميع المتضررين لحلها.  وفِي السياسة كذلك. جميع الأطراف، في المنطقة، وصلت الى قناعة مفادها إن أربعة عشر عاماً من الأزمات المتلاحقة على دول الشرق الأوسط، منذ الإحتلال الأمريكي للعراق، كانت كافية، إستنزفت المال، والثروة، والقوة، لجميع الدول دون تمييز. البعض كانت خسارته هائلة، في البشر، والبنى التحتية، والثروة، والفرص، والمستقبل. والبعض الأخر، لحسن حظة، كانت خسارته في المال، وذلك أضعف الأحوال. شيء”يُسر”، رغم جسامة ما حدث، أن شعوب المنطقة التي وصلت، أو أُصلت الى حافة الهاوية، تدرك، الآن، أن الهاوية سحيقة جدا، إذا ما سقطت فيها، فليس من السهولة الخروج منها، بسهولة، وبيسر. لذلك، قد تكون، إنها، أدركت الأمر، حتى ولو متأخراً. ولذا، فإن لقاء الرياض قد يكون، إعلان نهاية مرحلة، وبداية مرحلة جديدة، ستظهر تداعياتها، تباعاً. وقد تكون هي إعتراف بعدم جدوى الإستمرار في إيذاء الذات. فقد وصل الجميع الى مرحلة الوجع. ولم يعد بالمقدور المطاولة، وتحمل الألم الشديد.

لقاء الرياض علامة فارقة لمرحلة تأريخية وليدة. سيثبت من خلالها، إن لا إستقرار، ولا تقدم حقيقي، بمعزل عن إستقرار العراق، أولاً. كما ثبت إن العراق هو بيضة القبان في المرحلة الحالية. لذلك فإن دعم حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء لأن يكون رجل دولة واعد، متحضر، ليبرالي، يسعى للبناء، رغم ما يحيط بمسيرته من ألغام، أمر مطلوب. كما إن الشد على يد الملك سلمان بن عبد العزيز، لتشخيصه، بعين ثاقبة للمشكلة الحقيقية التي تحيط بعموم منطقة الشرق الاوسط، بعد إحتلال العراق، وإنتفاضات، ما يسمى، بالربيع العربي، هو أمر مطلوب كذلك. لأن، لا استقرار ولا أمن، للمنطقة العربية، دون توافق العراق والسعودية، وتوحيد رؤيتهما للمستقبل. هذه الحقيقة في ظل ظرف العراق الحالي، لا تنعكس على العراق والسعودية، فحسب، بل تضفي بظلالها على دول الأقليم غير العربية أيضاً. أمناً وإستقراراً. فإذا ما قدر للعراق، وهو يستعيد جزء من دوره، بعد النصر على الإرهاب، أن يكون عامل تقريب لوجهات النظر بين قطبي الصراع في المنطقة ايران والسعودية، ببعده القومي مع السعودية، وببعده “الطائفي” مع إيران. وإذا ما إستطاع العراق أن ينقل إيران من بعض رؤاها”السابحة” الى واقعية إحتياج المنطقة الى الأمن والأستقرار، والى التنمية والبناء، فإن الرؤية ستكون حتماً، أكثر تفاؤل.

إن الرؤية الحقيقية لأمن المنطقة، ولإستقرار دولها، هي في تطمين أيران من هاجس التأمر عليها،الذي تعتقده، والخوف من تغيير النظام، وإبعادها من شعارات الموت لأمريكا، الطوباوية، وتخليصها من أوهامها، الى واقعية حقيقية. وقد يترأى إن العراق قادر أن يقدم ما يمكن أن يكون نموذج لهذا التطمين، بحكم العلاقة التي وجد نفسه فيها بين الطرفين. فالتقارب العراقي السعودي العابر للطائفة والمبني على أواصر الأخوة والدم والتأريخ والمصير الواحد كما عبر عنه الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي هو قادر على إيجاد أرضية مشتركة بين العراق والسعودية. هو الأخر، قادر، إذا ما توفرت أجواء مماثلة من الأخوة في الدين والتاريخ والجوار ومفردات أخرى كالمصلحة والمصير المشترك، وكفيل، في إيجاد أرضية بين السعودية وإيران، ودول الإقليم الإخرى. فلقد أظهرت الأزمة التي تعيشها المنطقة، مخاطر جمة، على دول الأقليم. وإن الإستجابة للضرورات غطت على كل الإعتبارات الأخرى. وبينت وجوب الحزم أمام هشاشة الواقع. ولعل التقارب الإستراتيجي بين العراق والسعودية يقود الى تقاربات بين دول الأقليم، والى تفاهمات تصب في بناء واقعية جديدة، تكون بديلاً للأوهام والطموحات المدمرة، التي قادت دول المنطقة لفترة ليست بالقصيرة، نحو العبث. وقادت الى مسارات، إستنزفت الموارد المالية، والبشرية، وأجلت النمو والتطور لسنين طويلة، وفوتت على دول المنطقة، وأجيالها، فرص حقيقية، في التقدم والإزدهار.