الذي أصاب مجتمعاتنا من الويلات والنكبات تغلبت عليها وفقا لمفهوم الأمة , وطاقتها المتجددة المتماسكة المعتصمة بذاتها وموضوعها.

وما حصل بعد الحرب العالمية الأولى , إستدارة مرعبة , تقطعت بموجبها أوصالها , فتفتت كينونتها , وتسربت في بدنها المفاهيم التمزيقية , وهي ترفع رايات متنوعة لا تعرف سوى النزق الوهمي المتوج بالدعوات التحزبية والقومية , وغيرها من التوجهات التفريقية الداعية للتصارع البيني.

وكان للنفور من التأريخ دوره , بإيهام الأجيال أنه بشع ومشين ودموي يعصف به العنف والظلم القبيح.

فتأهلت مجتمعاتنا لإستيرادات متنوعة , وأعطتها إسم الحداثة والمعاصرة , فصرنا ننكر تراثنا ونعاديه ونمسخه , وأصبحنا نتحرك بلا جذور كالشجرة التي تسعى للجفاف والخواء , وتأكدت التبعية والشعور بالدونية , وأذعنا للإستلاب الغاشم من قبل الطامعين بنا , مما تسبب بظهور حالات زادت في تعزيز السلوك السلبي , ومنح المعادي مبررات النيل منا.

وانشغلت النخب بالتراث والمعاصرة والنظرية والتطبيق , والقومية والوطنية , وتشطى وجود الأمة , وداهمتها إندفاعات الشباب المتوهم , المشحون بالتصورات الطوباوية الإقتحامية ذات المجازفات المرعبة.

وما مرت به مجتمعاتنا منذ بداية القرن العشرين , يؤكد أن علة الأمة بقادتها , فالدولة العثمانية أسقطها شباب حركة تركيا الفتاة وعلى رأسهم أنور باشا (1881 – 1922) , ولا تزال مجتمعاتنا تعاني من قادتها الذين يجردونها من جوهرها الحضاري , ولا يحفزون القدرات ولا يلمّون شمل الوجود المتماسك العزيز لأبنائها , لأنهم ينكرون الأمة ويتواصلون في مسيرة الحفاط على مصالح الطامعين بها.

وبفقدان مفهوم الأمة ضاع الإنسان في مجتمعاتنا , وخوت مسيرتنا على عروشها , وأصبحت حالتنا كالعصف المأكول , تذروه رياح التدخلات الخارجية الساعية للإستحواذ على البلاد والعباد في بقاع دولنا كافة.

فأين الأمة؟

و ” كنتم خير أمة ….”

أمةٌ غابت وشعبٌ حائرُ

ووجيعٌ بحماها دائرُ

وسراةٌ في رباها قامرتْ

وشبابٌ من هوانٍ ثائرُ

وكذا الأيام عنها إنزوتْ

وتولاها طموعٌ جائرُ