22 ديسمبر، 2024 9:00 ص

أغتيل الهاشمي وسقطت الاقنعة والعباءات وبانت ايادي الغدر

أغتيل الهاشمي وسقطت الاقنعة والعباءات وبانت ايادي الغدر

قدرة الدولة على احتكار العنف ترتبط مباشرة في الحد من انتشار السلاح السائب، وتحييد سلوك العنف عند الفصائل الهجينة التي تعيش في منطقة رمادية بين “الدولة واللادولة”، الحزب السياسي المختلط الذي يمتلك ذراع داخل النظام السياسي التشريعي والتنفيذي وذراع أخرى مسلحة عقائدية موازية للدولة.

فقدرة الدولة على فرض سيادتها الداخلية ترتبط بصورة رئيسية بالحد التدريجي مــن تأثير الفصائل والأحزاب الهجينة، مــن دون الدخول بصدامات عنيفة ومعارك تكسير عظام لإنهاء وجودهم، ولكن الخطوة التدريجية تكمن في احتواء كيانهم لإصلاحه، وتفكيك نواتهم الصلبة بفتح حوار قانوني وطني، ومن ثم معالجة المتمرد بفرض القانون ولو بالعنف.

وتكشف التجربة العراقية 2007-2020 العملية مع الفصائل المسلحة الشيعية، عــن أنه إذا ما وجدت الدولة نفسها عاجزة عــن التعامل مع هؤلاء الفصائل أو عن التأثير في سلوكهم بالاعتماد على قدراتها الذاتية، وأن نفوذ الفصائل أصبح مهددًا لمؤسسات الدولة ودستورها وقانونها واقتصادها وسيادتها، فقد تلجأ الدولة إلى الاستقواء بالخارج -الذي قد يتضرر من تعاظم دور الفصائل المهجنة- من أجل عرقلة توسعها في جسد الدولة أفقيًا وعاموديًا.

وتكمن مخاطر اتباع هذه المنهجية العنيفة، وغيرها من المنهجيات الذكية التي هي مركبة من القوة الناعمة والقوة الخشنة، التي تتضمن مواجهة أمنية أحيانًا، في أن نجاح منهجية عام 2008 في تعطيل فاعلية بعض الفصائل المهجنين من خلال استخدام القوة المفرطة لم ينهي وجودهم من الناحية الفعلية وإنما حول مسارات تصادمهم مع القوات النظامية ومنع احتكاكهم بالسكان المحليين.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل سعت هذه الفصائل إلى الانشقاق من التجمعات الكبيرة لتكوين تنظيمات جديدة تحمل نفس جينات العقائدية والمنهجية لكنها أكثر خبرة وفاعلية.

يختلف تعامل الحكومات العراقية مع الفصائل المهجنة من حكومة لأخرى ومن فصيل لأخــر داخل الدولة العراقية، والتعامل مع الفصائل المختلطة أو الهجينة بعد عام 2007 في العراق أظهر أربعة منهجيات سياسية بحسب فترة رئاسة الوزراء:

أولاً: فترة رئيس الوزراء نوري المالكي (2006-2014):

الملاحقة الأمنية والاستهداف العسكري “صولة الفرسان”: لم تلجأ حكومة المالكي لأسلوب الملاحقة القضائية والأمنية والاستهداف العسكري كخيار أحادي للحد من تمرد نموذج المجاميع الخاصة المسلحة الشيعية مع هــؤلاء الفاعلين لاجتثاثهم أو لإصلاح ســلوكهم، ولكنها اتخذتها كخطوة لاحقة بعد فشل دائرة المصالحة ودائرة نزع السلاح ودمج المليشيات من احتوائهم عبر نافذة الحوار، إذا ما رأت نفسها عاجزة عن اتباع سياسات المصالحة والحوار في الحد من عنفهم، أو بمعنى أدق أن المجاميع الخاصة نفسها اتخذت من الإجراءات ما يدفع حكومة المالكي لاتباع هذا الخيار العنيف في التعامل معهم، خاصة بعدما رأت تلك المجاميع أن الحكومة تهدد سلطتهم الاقتصادية ونفوذهم المسلح.

وكانت خطوات الحكومة آنذاك بالتعاون مع القوات الأمريكية؛ البدء في استهداف الهيئات الاقتصادية الخاصة بالمجاميع الخاصة وقياداتها والحوار المستمر مع جناحها السياسي وشبكة المكاتب الدينية التي تتبعها، وملاحقة أفرادها المسلحين الضالعين بعمليات مسلحة بالضد من العراقيين فقط وتصنيف أبرز قياداتها ضمن قانون الإرهاب العراقي “4آ/إرهاب لعام 2005”.

ويندرج ضمن هذه السياسة أيضًا، اتجاه حكومة المالكي إلى إحداث انشقاقات تنظيمية داخل كتلة المجاميع الخاصة وتسليح المقاتلين المنشقين وحتى مواطنين بعنوان “مجالس الإسناد العشائري” من أجل مساندتها في عملياتها العسكرية ضد عنف المجاميع الخاصة الرافضة للحوار والاندماج مع النظام السياسي القائم آنذاك، لتخرج نفسها من دائرة التصادم المباشر لتترك المجال لجماعات المنشقة للمواجهات المباشرة مع المجاميع الخاصة وهذا ما حدث في البصرة وبغداد عام 2008. ويحمل اتباع هذه المنهجية العلاجية مخاطر كبيرة على السلم المجتمعي، ويحتاج إلى حذر كبير وإلى امتلاك القضاء والقوات الأمنية النظامية القدرة الكاملة عــلى امتلاك إرادة التحكم بزمن المبادرة وإنهاء هذه المواجهة متى أرادت ذلك، فضلاً عن القدرة على إدارة الجماعات المنشقة التي انسجمت مع قرارات الحكومة، حيث قد تحولت تلك الانشقاقات إلى فصائل كبيرة وكيانات مهجنة موازية لكيان الدولة العراقية بعد عام 2011.

هذه المنهجية في لحظة معينة من عام 2008 كادت تدفعنا إلى حــرب شيعية-شيعية، لو انخرط الموالون لطرفي الصراع فيها. كما أن الحكومة فشلت في مرحلة لاحقة في حصر السلاح بيد الدولة، الأسلحة المنتشرة في مختلف المناطق، وهو ما قد يهدد بقاء النظام السياسي ويهدد استقرار الدولة ككل. وتشير الأمثلة القائمة كواقع إلى أن الفصائل التي انشقت من جيش المهدي ومنظمة بدر وكتائب أبو الفضل العباس أصبحت عام 2018-2020 هي أبرز الفصائل المهجنة، حيث ساهمت هذه السياسة في تكوين الطبيعة المهجنة للفصائل الكبيرة.

ثانيًا: فترة رئاسة الوزراء حيدر العبادي (2014-2018):

تعزيز دمج الفصائل المهجنة في الحياة السياسية، وذلك بتشريع قانون 40 لعام 2016 الخاص بهيئة الحشد الشعبي، الذي يفصل بين العمل المسلح والعمل الحزبي السياسي، وتنبع منهجية العبادي، مــن أن تعميق إشراك الفصائل المهجنة في الحياة السياسية وإشغالهم في مشاكل الحكومة والتشريعات، وتجريدهم من السلاح خارج هيئة الحشد الشعبي، وبحسب مدرك حكومة العبادي إن هذه المنهجية سوف تحدث نوعًا من الاعتدال في توجهات قادة الفصائل المهجنة؛ فيصبحون أقل راديكالية وأكثر برجماتية، وأكثر قدرة على التحول من عقيدة الحل بالسلاح إلى عقيدة الحل بالحوار، والانشغال ببناء تحالفات من أجل الحصول على حصتهم من الوزارات والهيئات حتى مــع الأطراف التي تختلف عنهم عقائديًا ومنهجيًا بما في ذلك خصومهم في سلاح.

هذه المنهجية لم يختارها العبادي لكنها فرضت عليه بسبب ضغط معارك تحرير العراق من احتلال تنظيم داعش، وفي العادة تجد الحكومة نفسها مجبرة على اتباع هذه المنهجية، عندما تستند الفصائل في جزء كبير من شرعيتها على فتاوي دينية وتضحيات كبيرة، وإلى عدم قدرة الحكومة على التعبير عن الحد الأدنى من رفضها لتوسع نفوذ تلك الفصائل.

في مرحلة الحرب على داعش قاد أبو مهدي المهندس القائد الأعلى العملياتي والميداني لتلك الفصائل (2014-2020) إدارة سلوك تلك الفصائل نحو توفير احتياجات المواطنين والخدمات التي عجزت الحكومة عــن توفيرها، مثل الاحتياجات الأساسية وحماية أمن واستقرار المجتمع، على نحو يجعل المواطنين على ارتباط بالفصائل ويشعرون بأنهم معنيون بالدفاع عنها تجاه أية أخطار قد تهدد وجودها. وهو ما قد فرض أمر الواقع حول ضرورة إشراك الفصائل في مسك الأرض المحررة حتى بعد إعلان النصر على تنظيم داعش نهاية عام 2017، خاصة في حالة ضعف سلطة الحكومات المحلية والمركزية. ووفقًا لهذه المنهجية، سمحت حكومة حيدر العبادي باستمرار انخراط الفصائل المهجنة في إدارة المناطق السنية ومناطق الأقليات المحررة وفق سقف محدد لا يسمح لهم بالمشاركة بالانتخابات ولكن هذا لا يمنعهم من التحكم بفرض حليفهم من تلك المناطق على رأس السلطة التنفيذية.

في آذار/مارس عام 2018 أصدر الدكتور العبادي تعليمات دقيقة تمهد لانخراط الفصائل المهجنة ضمن منظومة الدفاع الوطني وذلك ليسهل عليه التعامل معها ضمن قانون الانضباط العسكري، حيث يضمن انكشاف مفاصلها وشبكة مواردها الاقتصادية، واعتبرت هذه التعليمات بداية شحناء بين العبادي وقيادات الفصائل المهجنة، التي انتهت بعدم تجديد ولاية ثانية له عام 2018.

ثالثًا: فترة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي (2018-2020):

منهجية تمكين الفصائل المهجنة وأحزابها من المشاركة الوظيفية في السلطات التنفيذية والتشريعية، وبحسب مدرك حكومة عادل عبد المهدي أننا عادةً لا ننجح في تفكيكهم ولا بضبط إيقاع سلوكهم، والأفضل أن نأتي بهم كشركاء لتحمل المسؤولية التضامنية والتشاركية معنا، وقد وفر لهم كل أسباب تحقيق هذه التشاركية، وكم كان محسنًا لهم غير أنهم تعاملوا مع إحسانه لهم بطريقة رديئة أنهت فترة حكومته مبكرًا وأجبر على الاستقالة بسبب احتجاجات تشرين 2019 واستجابة منه لطلب مرجعية النجف. فشلت حكومة عادل عبد المهدي في التفاوض معهم والوصول إلى مستوى معين من التفاهمات، وفي أحداث أمنية كثيرة كانت منهجية حكومة عبد المهدي، سببًا في تحول الفصائل المسـلحة غير المغطاة بقانون 40 لعام 2016 التابع لهيئة الحشد إلى فصائل مهجنة. فاعلية هــذه المنهجية، كان يعوزها قــدرٌ مــن الحزم والضبط من قبل الحكومة، واحترام للشراكة من قبل الفصائل المهجنة، من أجل التوصل إلى تفاهمات تخدم جميع الأطراف، خاصة أن التشاركية تتطلب تنازلات من الطرفين من أجل الوصول إلى الحلول الوسط، والابتعاد عن فرض خطوط حمراء يضعها كل طرف لنفسه لا يقبل التنازل عنها، والتي قد تتناقض ولا تتلاقى في حوادث كثيرة وقعت بعد منتصف عام 2019 ولغاية منتصف عام 2020.

رابعًا: فترة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي (2020-):

منهجية القوة الذكية، وهي مركبة من استخدام القوة الناعمة والقوة الخشنة، واستهداف مصالح الفصائل خارج قانون هيئة الحشد الشعبي وتصنيفها حسب قربها أو بعدها من المعيار الوطني، ومنع تمددها على حساب جسد الدولة العراقية، حكومة الكاظمي تدرك أن من المبكر خوض معركة تكسير عظام مع الفصائل المهجنة، وأن أي محاولة فرض القانون عليهم يمكن أن تتحول إلى مغامرة معقدة، وقد يصعب على الفصائل المهجنة القبول بدمجها داخل جسد الدولة أو التفاوض معها لأسباب عديدة، وهي في الوقت ذاته لا تمتلك الإرادة السياسية الحازمة في الدخول في صدام معهم، وهو ما قد يدفعها إلى اسـتهداف المناصب الحكومية التي استحوذوا عليها بطريقة مخالفة للقانون، وتجريدهم من المكاتب الاقتصادية التي تتحكم بالثروات والمال العام، والتضييق عليهم والتأثير على سلوكهم العنيف.

ويعتبر تعامل حكومة الكاظمي مع حادثة “البوعيثة” جنوب العاصمة بغداد في 26 حزيران/يونيو 2020 نموذجًا مستعجلاً في تطبيق هذه المنهجية، فعلى الرغم من توفر الغطاء الشعبي والقضائي، إلا أن تراجع وتناقض بيانات الحكومة الرسمية، والتوجه نحو فتح نافذة القوة الناعمة وعودة منهجية حوار الباب المفتوح يؤكد عدم دراسة الخطوة قبل الإقدام عليها.

وهذا التراجع قد يوقف محاولات الدولة استخدام القوة الخشنة في الحد من نفوذ الفصائل المهجنة، والعودة للتفاهمات والاحتواء الحذر مــن أجل تقييد تحركاتهم التوسعية ومشروعاتهم الجهادية. فريق الكاظمي قد تعلم دون أدنى شك أنه لابد من وجود دولة قوية تستطيع أن تقوم بمنهجية القوة الذكية لتحجم تمدد الفصائل المهجنة في جسد السلطة والاقتصاد داخل الدولة العراقية التي تنشط فيها، فشل صولة “البوعيثة” أرغمت الحكومة على القبول بتوازنات القوى بين الفصائل المهجنة وبين الدولة.

ويتمثل خطر الاستعجال في تنفيذ هذه المنهجية بأنه قد ينتهي إلى تكرار منهجية عادل عبد المهدي، والخطير إذا ما رأت الفصائل أن هذا الاستهداف يشكل أزمة تهدد بقاءها، وهي تملك من القوة الاقتصادية والعسكرية والإعلامية والمجتمعية ما يجعلها قادرة على ردع كل من يحاول تهديد مصالحها، وإنها قطعًا تستطيع الدخول في مواجهة الدولة على نحو يجعل حكومة الكاظمي القبول بتلك التوازنات.

وكتب الهاشمي قبل أقل من ساعة على مقتله عبر حسابه في تويتر، مشيرًا إلى ترسيخ الانقسامات العراقية عبر المحاصصة وسيطرة الأحزاب، التنافس الطائفي.

آخر لقاء للخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي على قناة الحرة قبل اغتياله اليوم

وقال الهاشمي، “تأكدت الانقسامات العراقية بـ:

عرف المحاصصة الذي جاء به الاحتلال “شيعة، سنة، كرد، تركمان، أقليات” الذي جوهر العراق في مكونات.

الأحزاب المسيطرة “الشيعية، السنية، الكردية، التركمانية..” التي أرادت تأكيد مكاسبها عبر الانقسام.

الأحزاب الدينية التي استبدلت التنافس الحزبي بالطائفي.

 

ماذا قال هشام الهاشمي في المداخلة التلفزيونية الأخيرة له قبل اغتياله في بغداد؟

 

وخاض نشطاء تقنيون عراقيون، سباقاً مع الزمن، فبينما كانوا يقومون بعملية تصوير منشورات المتهم الكناني وتعليقاته وتوثيقها، كانت جهات أخرى تحاول إغلاق الصفحتين وإخفاء محتواها، وهو ما حصل فعلاً بعد ساعات، لكن ليس قبل أن يتم توثيق العشرات من المنشورات والصور، التي تُظهر اتجاه المتهم وطبيعة تغذيته السياسية.

 

لكن، ولسوء حظ زعيم “حركة العصائب “قيس الخزعلي، وبقية الجماعات الإعلامية المرتبطة بإيران و”الحشد الشعبي”، فإن المتهم وفقاً لمنشوراته، لم يكن “اسرائيلي الهوى، ولا إماراتي التدريب، ولا سعودي التمويل، ولا أميركي الميول” كما كانت تفترض الرواية الحشدية، بل وضع في صفحته صورة لـ “عماد مغنية” وامتلأت منشوراته بمشاعر “الشوق للقاء نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي السابق أبو مهدي المهندس، والفخر بمقاتلي الفصائل، والاحتفال بتمرير قانون الحشد الشعبي أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، والتفاؤل بالصلح بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وزعيم حركة عصائب اهل الحق قيس الخزعلي” فضلاً عن “تبادل التبريكات” الذي رصده المتابعون بين حسابه، وحساب أحد أقربائه العشائريين، والذي ظهر أمام صورة كبيرة لشعار حركة عصائب أهل الحق، وتغنيه بشخصية “المختار الثقفي” التي جرى إحياؤها إيرانياً عبر مسلسل مدبلج، وتسويقها إلى الجمهور العراقي عبر بثها في سلسلة فضائيات تابعة للفصائل المقربة من إيران، إبان سنوات التصعيد الطائفي.

 

وعلاوةً على ذلك، تكشف المنشورات المصورة التي وثقها النشطاء، أن الكناني –الذي قتل أحد أهم الخبراء العراقيين في مجال الأمن والسياسة- كان قد ساهم شخصياً في ترويج نظريات الفصائل الحشدية، التي “تتهم جهات دولية عربية وأميركية باغتيال النشطاء لإلصاق التهمة بالحشد الشعبي”، حيث كتب تعليقاً على اغتيال الناشطة رهام يعقوب في البصرة “المستفيدون من العملية يريدون الصاق التهمة بالحشد الشعبي المقدس”.

وتبقى المفارقة التي تكشفها اعترافات الكناني، هي أن الخبير الهاشمي، قد قُتِل بـ”سلاح الدولة”، فالقاتل الذي يظهر في الفيديو الشهير، كان يحمل سلاحين، أحدهما يسمى “الغدارة” وهو السلاح الذي حصل عليه من جماعته المسلحة، والذي توقف عن العمل لحظة تنفيذ الجريمة، ليستعين بسلاحه الآخر، “مسدس كلوك” الذي كان قد حصل عليه من وظيفته الحكومية كضابط -ملازم أول- في الداخلية العراقية.

وتسلط قصة انتماء قاتل الهاشمي إلى وزارة الداخلية العراقية، الضوء على ملف كبير وشائك، طالما حذر منه مناهضو النفوذ الإيراني في العراق، وهو مدى صعوبة التفريق بين سلاح وعناصر الدولة، وبين المندسين والمنخرطين في أجهزة الدولة الرسمية، من الذين يدينون بالولاء لميليشياتهم وتنظيماتهم العقائدية العابرة للحدود، حيث سيطرت منظمة سياسية معروفة طيلة سنوات على وزارة الداخلية، وأدارها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بالوكالة سنوات عديدة.

وتواجه الوزارة اتهامات عديدة، بلغت ذروتها مع اندلاع تظاهرات تشرين الأول (اكتوبر) 2019، بتورط ضباطها في انتهاكات ضد المتظاهرين، كما يقول ناشطون أن عناصر الميليشيات كثيراً ما كانوا يرتدون زي الوزارة أثناء تنفيذ عمليات الاعتقال والقمع، الأمر الذي يضع سلوك وتوجهات قيادات وعناصر الوزارة في دائرة الشكوك، فيما يطالب ناشطون معارضون بشكل مستمر، بإخضاع الوزارة إلى حملة “تطهير” وفحص لولاءات ضباطها وعناصرها، والتحقق من تبعياتهم للخارج أو للميليشيات المحلية.

 

 

الحكومة العراقية تعلن اعتقال احمد حمداوي الكناني قاتل المحلل السياسي هاشم الهاشمي

وهو ملازم أول بوزارة الداخلية العراقية انتمى لاحد المليشيات الولائية عام 2012 اما القتلة الثلاثة الآخرين الذين ساعدوه فقد هربوا إلى إيران.

إذا رجل الأمن يغتالنا بمن نثق وبمن الأمان.؟

وقالت إن الكناني “ينتمي لـ”جماعة ضالة خارجة عن القانون”.

نقلت وكالة “فرانس برس”، عن مصدر أمني عراقي، أن المتهم باغتيال الخبير الأمني والمحلل السياسي هشام الهاشمي مرتبط بكتائب حزب الله العراقي.

قضية اغتيال الهاشمي لم تكن الوحيدة بل واحدة من عشرات القضايا المشابهة، وبحسب مفوضية حقوق الإنسان العراقية، فإن الجماعات المسلحة نفذت 86 محاولة اغتيال قُتل خلالها 35 شخصاً بينهم ناشطون وصحفيون ومحللون.

ورغم اختلاف تصنيف الذين تم اغتيالهم، إلا أن موقفهم كان واحدا.. وهو الوقوف ضد إيران ونفوذ جماعاتها المسلحة في العراق.

ولقد تم تعقبه إلكترونياً واعتقاله. اعترافه كان كاملاً ومفصلاً. (…) كذلك اعترف بأنه عضو في ميليشيا “كتائب حزب الله” العراقية الموالية إلى إيران».

وأكمل أن: «ستة آخرون كانوا من ضمن فريق الهجوم وجهاز المراقبة. إنهم أحرار، واتجه التحقيق نحو إسناد الأمر بالاغتيال لقائد أقل درجة في ميليشيا “حزب الله” العراقية».

«وبحسب ما أوضح القاتل، فإن الدافع المزعوم وراء الأمر بالاغتيال هو قرب “الهاشمي” من الأميركيين

 

بعد كل عملية اغتيال كانت تطال ناشطاً عراقياً مناهضاً للنفوذ الإيراني والميليشيات، كاغتيال الإعلامي أحمد عبدالصمد في البصرة، أو هشام الهاشمي في بغداد، أو إيهاب الوزني في كربلاء، كانت الجماعات الإلكترونية والإعلامية المرتبطة بإيران و”الحشد الشعبي”، تردد عبر صفحات التواصل، وشاشات التلفاز، رواية مُنسّقة وموحّدة، تتهم فيها الولايات المتحدة أو اسرائيل أو الإمارات أو السعودية، أو النشطاء أنفسهم بتنفيذ عمليات الاغتيال، وتبرئ ساحة المجاميع المرتبطة بـ”الحشد الشعبي” وإيران من العمليات الدموية.

على الضفة الأخرى، لم يكن لدى تيار الشباب المناهض للنفوذ الإيراني في العراق، أية شكوك حول وقوف الميليشيات المرتبطة بإيران خلف عمليات اغتيال النشطاء، فالحملات كانت تنطلق برِتم واحد، يبدأ باتهام النشطاء الشيعة بأنهم “شيعة السفارة الأميركية”، والسنّة بأنهم “إرهابيون”، والمسيحيين بأنهم عملاء للولايات المتحدة، ثم تنتهي إلى عمليات التصفية الجسدية، ليأتي دور الماكنة الإعلامية المرتبطة بإيران والحشد الشعبي، في إثارة الأسئلة ورمي الكرة بعيداً نحو الإمارات أو تل أبيب أو أي طرف يقرر صانع الخطاب الإعلامي الحشدي إقحامه كيفما اتفق، و”دون جمرك على الكلام” كما يقول المثل العراقي.

 

في آب (أغسطس) الماضي، أي بعد أسابيع قليلة على اغتيال الباحث العراقي هشام الهاشمي، قال زعيم جماعة “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، إن “هناك 23 مجموعة تم تدريبها في الأردن على يد المخابرات الأميركية لتنفيذ الاغتيالات في مناطق الوسط والجنوب تطبيقاً للمشروع الإسرائيلي، ومن أجل أن يتم اتهام الحشد الشعبي والمقاومة بتلك الجرائم”.

ولو جعلها الخزعلي 9 مجاميع على سبيل المثال، أو 26 أو كما أراد، لما كان هنالك بأس، ولو قال إن مخابرات قبرص ودولة جُزر القمر، جزءٌ من المؤامرة، لمرّت الرواية بسلام أيضاً، فحديث زعماء الميليشيات في العراق، حاصلٌ على “الإعفاء الشامل” من المساءلات القضائية، كما أنه مُصان من المشاكسة الصحفية، خاصةً وأن حديث تلك “الزعامات” يتم في بغداد، ومع صحفيين عراقيين يعمل معظمهم في مؤسسات إما تمولها إيران والميليشيات، أو تقع تحت طائلة الصواريخ والكواتم، وليس من “اللباقة” إذن، أن يسأل المحاور ضيفه “المقاوم” عن الدليل على تلك الروايات، بل يكتفي الإعلامي -كما هي العادة- بهز رأسه إشارةً إلى الموافقة، أو توسيع حدقتيه ورفع حاجبيه، دهشةً من “المعلومات الخطيرة” التي يدلي بها “الزعيم المقاوم”، ولا يعرفها أحدٌ غير أقرانه في “محور المقاومة”.

بالعودة إلى قاتل هشام الهاشمي، بدا البيان الحكومي “مختنقاً”، كمخطوف يحاول أن يومئ للشرطة عن مكان تواجده عبر الهاتف، دون استفزاز الخاطفين.

 

اعترفت وزارة الداخلية بكل صراحة، بأن قاتل الهاشمي، ضابط تابع لتشكيلات الوزارة، لكنها عادت لتستخدم مصطلحاً يعرفه العراقيون حين أرادت الإشارة إلى انتمائه الثاني، حيث جاء في بيان الوزارة إن المتهم المُعترف بجريمته “أحمد حمداوي عويد معارج الكناني” ينتمي إلى “مجموعة ضالة خارجة عن القانون” وهو الوصف الذي تستخدمه السلطات العراقية حين تريد الإشارة إلى الجماعات المسلحة الشيعية، بينما تستخدم عبارة “إرهابي” في وصف التنظيمات ذات الأصول السنية.

“الإيماءة” الثانية التي وردت في بيان الداخلية، كانت بتسمية أماكن تجمع وانطلاق مجموعة اغتيال الهاشمي، فرغم أن السلطات حجبت الكثير من المعلومات و”منتجت” الاعترافات لتبدو “ودودة قدر الإمكان” مع “الجماعة الضالة الخارجة عن القانون” إلا أن السلطات سمحت ببيان خط سير وتنقل الجماعة المسلحة أثناء وبعد تنفيذ العملية، ومن بينها نقاط كمدينة الصدر، وشارع فلسطين، ومنطقة “آلبوعيثة”، والأخيرة، منطقة زراعية في أطراف بغداد، ذاع صيتها في حزيران (يونيو) من العام الماضي، حين اكتشفت السلطات فيها مقراً لفصيل كتائب حزب الله، واتهمت عناصره بإطلاق الصواريخ ضد المنطقة الدولية “الخضراء” وسط العاصمة.

التقط النشطاء العراقيون الإيماءتين الحكوميتين، وبينما هاجم الكثير الحكومة العراقية، لجهة عدم افصاحها عن هوية واسم “الجماعة الضالة الخارجة عن القانون” التي ينتمي إليها الكناني، المتهم بقتل الخبير الهاشمي، غاص آخرون في صفحات “فيسبوك” وعثروا على صفحتين تعودان للمتهم.

 

منطقة المرفقات
معاينة فيديو YouTube آخر لقاء للخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي على قناة الحرة قبل اغتياله اليوم

معاينة فيديو YouTube ماذا قال هشام الهاشمي في المداخلة التلفزيونية الأخيرة له قبل اغتياله في بغداد؟

معاينة فيديو YouTube اعترافات قاتل هشام الهاشمي