21 ديسمبر، 2024 5:40 م

دائما مايبعد المثقف نفسه عن السجالات بكافة أنواعها ربما لان الاطراف الاخرى لاتفهم ولاتعرف شيئا عن الاختلاف في الفكر , أذ يتصور هؤلاء الذين يجادلون في كل شيئ أنهم وحدهم من يمتلكون الحقيقة , أما الاخر بنظرهم فهو في أقل حال مسكين أن لم يكن منحرف أو حتى كافر, ورغم أن موضوع الجدل والمخالفة هو موضوع قديم في بلاد وادي الرافدين , فقد عرف عن العراقيين كثرة الاختلاف وقلت الاتلاف حتى في المواضيع التي لايمكن أن يختلف فيها . ذكر الجاحظ عن أهل العراق ( والعلة في عصيان أهل العراق على الامراء أنهم أهل نظر وذو فطن ثاقبة ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث, ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء وأظهار عيون الامراء). وذكر عالم الاجتماع الشهير علي الوردي أن العراقي بطبيعته مجادل ولايركن الى رأي الابعد جهد , ورغم أنها حقيقة لامناص منها أذ تعتبر من الحتميات التاريخية, ولانزيد شيئا حين نقول أن المدارس الفكرية والمذاهب وعلم الكلام موطنه أرض السواد , بيد أن هذه المسلمات فيها الكثير من النظر من الناحية التاريخية والمعرفية , فبقدر مافيها من أرجحية للانسان العراقي ففيها أيضا قدحا في شخصه لان ليس كل أختلاف فيه فائدة , فهناك من الاختلافات قد تؤدي الى نزاعات وعداوات لاتحمد عقباها , وعودا على بدء فأن مايحصل اليوم في بلادنا من تشظي وجدل وأختلاف وصل ذروة التشرذم , فمن أختلاف الكتل السياسية الذي هو حسب الرأي العام أختلافا مصلحيا وليس وطنيا, الى أختلاف القاعدة الشعبية للمجتمع وضياعها بين شخصيات كارتونية لاتظهر الا في المراحل الهشة من التاريخ, وصولا الى العراك المذهبي الازلي والذي كان نائما وأيقظته أبواق الانظمة العربية من الذين يستلمون مخصصات معيشتهم من الدوائر الامريكية والاسرائلية . ومابين هذه الفوضى الغير خلاقة من فساد الرأي وتشرذمه يجد المثقف العراقي نفسه ريشة وسط رياح عاتية , ماالذي يمكن أن يفعله وسط موجة جهل عارم , وثقافة هجينة تكرسها المؤسسات المدفوعة الثمن من خلال أشخاص لايؤمنون بقيمة الانسان , وهل بأمكانه أن يغرد خارج سرب المطبلين, كيف يصنع لنفسه رأيا عاما يصل الى العالم أجمع , هذا ماننتظره منه .