20 مايو، 2024 9:12 م
Search
Close this search box.

Western Union الويسترن يونيون

Facebook
Twitter
LinkedIn

البارحة وعلى القناة الالمانية (R T L    ) تابعت فيلما امريكيا من بطولة بيل جيبسن تدور احداثه في نهاية او بداية السبيعينات اثناء حروب امريكا في جنوب شرق اسيا وموضوعته حول وحدة عسكرية امريكية تخوض قتالا شرسا في الغابات ضد جيش لدولة يسارية ربما هي فيتنام أو لاوس أو كمبوديا ولكن الذي اثارني في الفيلم مشهد انتبهت اليه ، هو الرسائل التي كان البنتاغون يرسلها الى عوائل الجنود المقتولين في هذه الحروب وتسلم ببريد تحمله سيارة تاكسي صفراء ، وجميع هذه الرسائل ذات اللون الأصفر تحمل العلامة التجارية لشركة  تحويل الأموال المسماة ( الويسترن يونيون). التي هي اليوم واحدة من انجاز عولمة البريد الخارق الذي حول العالم من قاراته السبع الى قرية صغيرة فعندما تحول مالا من سيدني بأستراليا الى مدينة في الجنوب العراقي فأن المرسل اليه بأمكانه ان يستلم المال بدقائق وكأنك تسلمه المال من على بعد امتار. وبالرغم من الفائدة الكبيرة من عمولة التحويل التي تجنيها الشركة إلا أن الأمر قد سهل على الكثير تحمل معاناة ايصال المال الي ذويهم ، فحين تخبرني امي بالهاتف أنها تريد ان تبدل نظارتها لترى صورتي المعلقة بالجدار وانا البعيد عنها في شمال اوربا اهرع لاقرب مكتب تحويل وارسل لها ماطلبت مغمور بسعادة أن الذي تطلبه امي يصلها بدقائق.
يبدو لي ان الويسترن يونيون في بداية نشأته كان بريد الموتى السريع . ولكنه بريد المشاعر بتفاصيلها الحميمة إذ يحمل مظروف الويسترن الأصفر كل الحاجات الخاصة لقتلى الحرب فتصل الى ذويهم ( الساعات ، الخواتم ، دفاتر الشعر ، المداليات ، المفاتيح ، القلائد ، الرسائل ، قناني العطر ، اقلام الكتابة ) وكل الخصوصيات هؤلاء الضحايا .وهذا ماذكرني ببريد ضحايا حروب العراق في حربين قاسيتين كانت النعوش تأتي لذويها من دون رسائل وهما حرب الشمال والمسماة شعبيا حرب ( برزان ) والحرب العراقية الايرانية والمسماة شعبيا حرب ( أيران ) .
في مراسيل هذا الموت لم تحمل الفاجعة أي خصوصية للضحية .لاساعته ولامحفظته ولا دفتر اشعاره ، فقط سلسلة قرص الهوية التي تتدلى من رقبته النازفة والورقة السمراء الباهتة التي تسلم الى ذوي الفقيد هي شهادة الوفاة وربما مبلغا من المال يعطى لتكاليف اقامة الفاتحة جمعها اصدقاءه في وحدته العسكرية وهي حالات نادرة .والمأساة في بعض طقوس هذا البريد أن بعض النعوش تحمل جنودا اعدموا في ساحة القتال من قبل مفارز خاصة بحجة انهم تخاذلوا عن اداء الواجب والمشاركة في المعركة .ليسلم اهل المغدور ظرفا باهت اللون فيه ايصال لدفع ثمن الاطلاقات التي زرعتها فرقة الاعدام في صدر الجندي المعدوم وغالبا ماتكون ستة اطلاقات.
وهكذا تختلف الرسائل الامبريالية عن رسائل طغاة الشرق ..وفي الحالتين يختار الامبريالي لضحايا حربه طقوسا ترتقي الى شفافية القصيدة في تعابيرها ، ودون أي هلع للمكان ودون أي عويل ونواح وشق الملابس من الصدر ، يحمل الويسترن يونيون خبر الموت باريع سطور مع اسف لوزير الدفاع الامريكي…
اما ويسترن يونيون الحروب العراقية فهو نعش يغطيه العلم وذعر تصنعه السيارة التي تحمله عندما تعبر شوارع المدينة ويفزع الاباء بهلع مخيف عندما يرونها تدخل المحلة لأن  الجميع لهم ابناء في جبهات القتال .والكل يظن أن الذي في النعش هو ولده والاكثر خوفا وهلعا أن تأتي مع النعش رسالة تطالب بثمن الرصاصات.
 
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب