خاص : ترجمة – لميس السيد :
في أحدث تصريحاته شديدة اللهجة؛ حذر رجل الدين الشيعي العراقي البارز وقائد ميليشيات الشيعة، “قيس الخزعلي”، الولايات المتحدة، من عدم سحب قواتها من “العراق”. ويمثل الزعيم “الخزعلي” فئة من الدعاة السياسيين الذين هيمنوا على المشهد السياسي، في “العراق”، بعد عام 2003.
ولكن صعود رجال الدين يثير تساؤلات حول دور المؤسسة الدينية الشيعية في السياسة العراقية المعاصرة.
ما هي المؤسسة الدينية الشيعية ؟
“الشيعة” هم أكبر مجموعة عرقية طائفية في “العراق”، ويُعرف قادة هذه المجموعة بـ”المرجعية”، حيث يتم الرجوع إليهم خلال الأزمات السياسية. وكثير من المراقبين يعتقدون خطأ أن رجال الدين العراقيين انفصلوا عن المشاركة السياسية التي يعتقدونها في تناقض صارخ مع “إيران”.
لكن منذ عام 2003، لعب رجال الدين النخبويين دورًا شعبيًا وسياسيًا بارزًا في تشكيل الدولة العراقية، خاصة أنهم كانوا أعضاء في “لجنة الكتابة الدستورية”؛ وتولوا مناصب عامة. وعندما بدأ “العراق” في إجراء الانتخابات، في عام 2005، كانت هناك شائعات عن قائمة الشيعة المقبولة سياسيًا، كما كان لعناصر النخبة الشيعية نشاط واسع ومؤثر في الحراك السياسي العراقي؛ وكان أشهر محطات ذلك النشاط هو أن المؤسسة الدينية الشيعية أصدرت دعوة ملزمة دينيًا بحمل السلاح، في عام 2014، لمحاربة تنظيم (داعش) الإرهابي.
كشف مشروع بحثي، لصحيفة (واشنطن بوست) الأميركية، عن مدى إدراك رجال الدين الشيعة لدورهم في المشهد السياسي لـ”العراق”، وتبين من خلال البحث 5 أمور، وهي :
رجل الدين المحدّثين ليس بإمكانهم قيادة المرجعية..
يقود آية الله العظمى “علي السيستاني”، مؤسسة المرجعية الدينية، ومسألة من سيكون خليفة رجل الدين، البالغ من العمر 88 عامًا، هي ذات أهمية حيوية لصانعي السياسة. ويخشى من هم أقل دراية بالمؤسسة الدينية من خلافة رجل دين متشدد، كما تخشى “الولايات المتحدة”، وحلفاؤها داخل “العراق”، من صعود رجل دين ذا ميول ثيوقراطية إيرانية.
كل تلك المخاوف لا أساس لها من الصحة؛ حيث يتم ترشيح نخبة من رجال الدين لـ”المرجعية” من خلال عملية تدريب مكثف ومطابقة لتقاليد المؤسسة الأكاديمية الدينية. وهذا يتطلب أن يستمر الطلاب في التدريب حتى يصلوا إلى مستوى متقدم من التدريب والتعليم، وهي عملية يمكن أن تستغرق عقودًا.
وفي الغالب ينسحب العديد من طلاب الاكليريكية قبل وصولهم إلى هذا المستوى المتقدم بوقت طويل، ويتجهون لممارسة الحياة السياسية، أما أولئك الذين يبقون داخل المؤسسة الأكاديمية يكرسون حياتهم للإنتاج الأكاديمي ولديهم القليل من الوقت للنشاط السياسي.
مرجعية الشيعة يخشون سيطرة الدولة..
تنُبع المخاوف المترسبة في النفسية الجمعية لشيعة “العراق” من، سيطرة الدولة، والناتج من الإضطهاد الهائل الذي عانى منه رجال الدين الشيعة في عهد “صدام حسين”، حيث تفاقمت مخاوف “صدام” من التعبئة الشيعية بسبب “الثورة الإيرانية” المجاورة، في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وأسفر هذا إلى حملة واسعة من الاعتقالات والإعدامات والنفي القسري للعديد من رجال الدين وعائلاتهم.
معظم نخبة رجال الدين، في “عراق اليوم”، عاشوا سنواتهم الأكاديمية التكوينية في ظل هذه الحملة القمعية، حيث شكلت هذه التجربة آرائهم حول العلاقات بين “الدولة” و”المجتمع” وعززت الخوف من الاختراق الخارج لكيان “المرجعية”.
ونتيجة لذلك؛ تعارض “المرجعية” الآن أي محاولة لتحويل النظام الإكليريكي إلى كيان رسمي ترعاه الدولة.
والمؤسسة عبارة عن معاهد غير رسمية لا تقدم شهادات رسمية ولا تتمتع باعتماد. وقد أدى ذلك ببعض طلاب الإكليريكيين، وخاصة أولئك المهتمين بالنشاط الاجتماعي إلى متابعة الدراسات الأكاديمية في الوقت نفسه في المؤسسات الرسمية. وهذا يعني أنه سيكون هناك نقص في رجال الدين المعتمدين من “المرجعية”، وهو ما سيؤثر على كيفية تفاوض العراقيين على العلاقة بين المؤسسة الدينية والمجتمع والدولة.
معظم رجال الدين يدعمون الديمقراطية.. لكنهم يفتقرون إلى النشاط السياسي..
من خلال البحث؛ تبين أن رجال الدين الشيعة شاركوا في الانتخابات العراقية بمعدل أعلى من السكان العراقيين العاديين، ويعتقد معظم رجال الدين أن الديمقراطية هي أنسب أشكال الحكم لدولة متنوعة مثل “العراق”.
ومع ذلك؛ فبينما ينظرون إلى المشاركة في الانتخابات على أنها أمرًا مهمًا، فإن رجال الدين لم يصلوا إلى حد تشجيع الناس على التصويت في الانتخابات الأخيرة.
رجال الدين يعتبرون أنفسهم الآباء الروحيين للأمة..
على الرغم من أنهم يؤيدون الديمقراطية؛ فإن العديد من رجال الدين ينظرون إلى المؤسسة الدينية، وبالتالي إلى أنفسهم، على أنها “فوق الدولة”.
ويصف العديد من نخبة رجال الدين أنفسهم على أنهم يشغلون منصب “المستشار” و”الأب الروحي” للأمة العراقية، ولا يتدخلون إلا عند الحاجة، مثلما حدث عند غزو مقاتلي (داعش) لأراضي “العراق”.
وأدى غموض هذا الموقف إلى عدم حدوث توافق بين نخبة رجال الدين وتوقعات الشيعة والجمهور العراقي الأوسع. وفي الاحتجاجات الأخيرة بـ”العراق”، كان العديد من المواطنين يأملون في الحصول على الدعم الديني، لكن قابلتهم خيبة الأمل بسبب عدم تفاعل الرموز الدينية الشيعية.
المرجعية تفتخر بديموقراطيتها الخاصة..
ينظر رجال الدين الشيعة إلى عملية صعود رجال الدين إلى “المرجعية” بأنها، “جدارة”، تُنبع من الأداء الأكاديمي والتقوى الشخصية، ويفتخرون بالتنوع العرقي للنظام الديني، وكذلك الاختيار غير التقليدي لقادة “المرجعية”.
كما يُنظر إلى العلاقات بين المؤمنين الشيعة ورجال الدين النخبة على أنها ديمقراطية، بطريقة ما. ويُطالب الشيعة بأن يختاروا نخبة من رجال الدين الذين يتبعون وجهات نظرهم الدينية ويطالبون بدفع ضرائب دينية، حيث ينظر العديد من رجال الدين إلى عملية توجيه الأموال نحو رجل دين معين على أنها تشبه التصويت. وهذه الضرائب الدينية تضمن الاستقلال المالي للمؤسسة عن الدولة.
نتيجة البحث..
رجال الدين الشيعة يعملون في مجال جديد وغير مألوف من السيطرة السياسية الشيعية، وهذا يتيح لهم التمتع بمستوى غير مسبوق من الحرية الفكرية.
ولا شك أن سنوات الإضطهاد طورت روابط لا تنفصم مع الأحزاب السياسية الإسلامية، لكن قدرتهم على إدارة هذه الروابط أمر بالغ الأهمية إذا ما أرادوا الحفاظ على موقع مقدس لهم في العقلية الشعبية الشيعية.
ولأن سلطتهم تنُبع، في نهاية المطاف، من الشارع العراقي، فإن رجال الدين الشيعة سيتعين عليهم التكيف مع المطالب الشعبية التي تتجه الآن نحو “دولة علمانية” أو تخاطر بفقدان كل مكتسباتها.