6 عوائق تمنعها .. هل تستطيع أوروبا الخروج من تحت مظلة أميركا العسكرية والصمود أمام روسيا ؟

6 عوائق تمنعها .. هل تستطيع أوروبا الخروج من تحت مظلة أميركا العسكرية والصمود أمام روسيا ؟

وكالات- كتابات:

في خضم تهديدات الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، المتكررة من حينٍ لآخر بالانسحاب مع حلف الـ (ناتو) أو وقف الإنفاق الأميركي عليه لأن الدول الأعضاء – ومعظمها أوروبية – “يدفعون أقل مما ينبغي لكي تحميهم الولايات المتحدة”، بحسّب وصف “ترمب”، تطرح تساؤلات عن إمكانية استقلال “أوروبا” عن “الولايات المتحدة” عسكريًا وحماية نفسها بنفسها من خلال تشكيل قوة ذات قدرات دفاعية مستقلة.

وبعد ساعات من فوز حزبه بالانتخابات الألمانية؛ قدم “فريدريش ميريس”، المستشار القادم المفترض لـ”ألمانيا”، مفاجأة على شاشة التلفزيون الوطني في 24 شباط/فبراير 2025، فقد قال للألمان إن: “دونالد ترمب؛ لا يهتم كثيرًا بمصير أوروبا”، وإن: “الأولوية الآن هي تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة شيئًا فشيء”. وقال “ميريس”: “إنه غير متأكد مما إذا كان حلف شمال الأطلسي سيظل موجودًا بشكله الحالي؛ في حزيران/يونيو 2025، عندما سيجتمع الزعماء في “هولندا”، أو ما إذا كان علينا أن ننُشّيء قوة دفاعية أوروبية مستقلة بسرعة أكبر”.

ومنذ عام 2022؛ هدد الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، بنقل الحرب إلى “حلف شمال الأطلسي” مرارًا وتكرارًا؛ فهل تستطيع “أوروبا” حماية نفسها بنفسها عسكريًا، ومواجهة التهديدات الروسية دون الدعم الأميركي الذي استمر لعقود طويلة بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم ؟

“نحن نحميهم وهم لا يحموننا”.. هل يتخلى “ترمب” عن الحلفاء ؟

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ اعتمد الأوروبيون بشكلٍ مفرط على الضمانات الأميركية بالحماية، في حين قصروا في تمويل جيوشهم وحتى تحقيق أعداد كافية من الجنود. وفي عام 2017، عندما تولى “ترمب” منصبه لأول مرة، طالب الدول الأعضاء في “حلف شمال الأطلسي” الأوروبية بإنفاق المزيد في حلف الـ (ناتو). وعلى مدى السنوات العديدة التالية، فعل الأوروبيون ذلك، ولكن ليس كثيرًا.

وفي عام 2024؛ بعد حوالي (07) سنوات من إثارة “ترمب” للقضية لأول مرة، أنفقت معظم الدول الأعضاء في “حلف شمال الأطلسي” الأوروبية و”كندا”؛ حوالي: (2%) من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع؛ وأنفقت “الولايات المتحدة” حوالي: (3.4%). ولكن لا تزال “أوروبا” تعتمد على “الولايات المتحدة” لتأمين دفاعها. وهذا لا يزال هو الحال حتى بعد حوالي ثلاث سنوات من العملية الروسية العسكرية في “أوكرانيا” – التي تشترك في الحدود مع أربع دول في “حلف شمال الأطلسي”.

يقول “ترمب” الآن إنه: “غير متأكد من أن الولايات المتحدة يجب أن تنُفق أي شيء على حلف شمال الأطلسي، نحن نحميهم وهم لا يحموننا”. ويُطالب “ترمب” الأعضاء في الحلف بإنفاق (5) بالمئة من الناتج المحلي لدولهم على الدفاع، في زيادة كبيرة عن الهدف الحالي البالغ: (2) بالمئة، وهو مستوى لم تبلغه حتى الآن أي دولة في الحلف، بما في ذلك “الولايات المتحدة”. فيما قال الأمين العام لـ (الناتو)؛ “مارك روته”، أنه سيتعين على أعضاء الحلف زيادة الإنفاق الدفاعي.

وأضاف: “سنٌقرر الرقم الدقيق في وقتٍ لاحق هذه السنة، لكنه سيكون أكثر بكثير من (2) بالمئة”. وأشار “روته” إلى أن: “أوروبا ستضطر إلى إنفاق المزيد مقابل استمرار الدعم الدفاعي الأميركي”.

رُغم أن “ترمب” يُطلق الكثير من التصريحات والتهديدات وليس بالضرورة أن يكون ملتزمًا بتنفيذ كل تهديداته كما جرت العادة، إلا أن الأوروبيين مذعورين تجاهها، ويرى البعض أن مواقف وتصريحات إدارة “ترمب”؛ مثل تلك التي ألقاها نائب الرئيس؛ “جيه. دي. فانس”، ووزير الدفاع؛ “بيت هيغسيث”، مؤخرًا ليست مجرد هجمات لفظية على حلفاء “أميركا”، بل تُشّكل رفضًا شاملًا لثمانين عامًا من السياسة الخارجية الأميركية.

وفي “مؤتمر ميونيخ للأمن”؛ الذي عُقد في منتصف شباط/فبراير 2025، وبّخ نائب الرئيس “ترمب”، القادة الأوروبيين، في عُقر دارهم، وقال للحاضرين: “إن الخطر الحقيقي الذي يُهدد القارة ليس روسيا أو الصين، بل التهديد من الداخل، وفشل قادتها في الاستماع إلى شعوبهم التي تُريد إنهاء الهجرة الجماعية”، واقترح “دي فانس”؛ أن يكون للمحافظين صوت أكبر في السياسة الداخلية. وقال: “لقد منع منظمو هذا المؤتمر بالذات المشَّرعين الذين يُمثلون الأحزاب الشعبوية على اليسار واليمين من المشاركة في هذه المحادثات”.

ولكن المفاجأة الحقيقية كانت على لسان وزير الدفاع؛ “بيت هيغسيث”، الذي تحدث في “بروكسل”، حيث كان وزراء دفاع “حلف شمال الأطلسي” يجتمعون، عندما قال: “إن الأوكرانيين يجب أن يتخلوا عن الأمل في استعادة كل الأراضي التي احتلتها روسيا.. كما لا ينبغي أن تتوقع أوكرانيا أن تُصبح عضوًا في حلف شمال الأطلسي أيضًا”.

كما تحدث “هيغسيث”؛ في مؤتمر صحافي في “بولندا” مؤخرًا، حيث اقترح أن: “الأوروبيين يجب أن يستعدوا لليوم الذي تبدأ فيه القوات الأميركية، التي كانت متمركزة في القارة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في العودة إلى الوطن”. وقال “هيغسيث” بشكلٍ صارم: “لهذا السبب فإن رسالتنا واضحة للغاية لحلفائنا الأوروبيين. الآن هو الوقت المناسب للاستثمار، لا يُمكنكم أن تفترضوا أن الوجود الأميركي سوف يستمر إلى الأبد هنا”.

وسبق أن أعلن “ترمب” أنه ماضٍ في المساعدة بإنهاء الحرب في “أوكرانيا” وقام بقطع الطريق على الأوروبيين في المفاوضات وجعلها مباشرة مع “بوتين” بواسّطة السعوديين ودون حضور “كييف”، بل إنه هاجم الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، الأسبوع الماضي، وألقى عليه باللوم في بدء الحرب في “أوكرانيا” ووصفه بأنه: “دكتاتور”.

وفي 24 من شباط/فبراير 2025، انحازت “أميركا” إلى “روسيا وكوريا الشمالية” في التصويت ضد قرار “الأمم المتحدة”؛ الذي اقترحه الأوروبيون والذي ألقى باللوم على “روسيا” في غزو “أوكرانيا”. ثم دفعت “أميركا” بقرارها الخاص في “مجلس الأمن” بدعم من “روسيا والصين”، والذي دعا إلى: “إنهاء سريع” للحرب في “أوكرانيا”، ولكن دون تكرار الدعوات السابقة لدعم سلامة أراضي “أوكرانيا”.

هل يستطيع الأوروبيون حماية أنفسهم دون الأميركيين ؟

في 24 شباط/فبراير 2025؛ كتب “أندرس فوغ راسموسن”، الأمين العام السابق لـ”حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو)، في مقال له بمجلة الـ (إيكونوميست): “لقد ولت البُنية الأمنية التي اعتمدت عليها أوروبا لأجيال ولن تعود. ويتعين على أوروبا أن تتصالح مع حقيقة مفادها أننا لسنا عُرضة للخطر فحسّب، بل ونبدو أيضًا وحيدين”. وأضاف “راسمسون”: “بعد ثمانين عامًا من الأمن المدعوم من الولايات المتحدة، يتعين علينا نحن الأوروبيون أن نتحمل عبء تأمين السلام في قارتنا. ويتطلب القيام بذلك منا معالجة تحديين ملحين بنفس القدر: ضمان قدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها، وتأمين السلام المستَّدام لأوكرانيا ذات السيّادة”.

وفكرة تشكيل قوة دفاعية أوروبية مستقلة التي يتحدث عن دراستها المستشار الألماني الجديد؛ “فريدريش ميريس” وغيره من القادة والسياسيين والخبراء الأوروبيين ليست جديدة وهي تطرح منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، وربما كان أول من اقترحها هو رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك؛ “رينيه بليفين”، لكن المشروع فشل في الحصول على تصديق في “البرلمان الفرنسي”؛ ولم تُصّادق عليها “إيطاليا” أبدًا. وسادت بعد ذلك لعقود عقلية “جزيرة السلام” في “أوروبا” بحماية أميركية؛ حيث لم تكن توجد تهديدات تقليدية قد تعرض أمن القارة العجوز للخطر، لكن غزو “روسيا” لأوكرانيا؛ في شباط/فبراير 2022؛ دفع “أوروبا” إلى الاستيقاظ وإعادة طرح الفكرة مجددًا، خصيصًا في ظل احتمالات التخلي الأميركي التي يقودها “ترمب”. وهنا يأتي التساؤل: هل تستطيع “أوروبا” اليوم تُدبر أمرها بنفسها بعيدًا عن الأميركيين ؟

01 – أزمة تقلص تعدّاد في الجيوش الأوروبية..

في واقع الأمر؛ قد يستّغرق الأمر عقدًا من الزمان قبل أن تتمكن “أوروبا” من الدفاع عن نفسها من دون مساعدة “أميركا”؛ كما يقول تقرير لمجلة الـ (إيكونومست) البريطانية.

ولكي نفهم التحدي الذي تواجهه “أوروبا”، فلنبدأ بالنقاش حول “أوكرانيا”، إذ تناقش الدول الأوروبية حاليًا احتمال نشر قوات عسكرية في “أوكرانيا” لفرض أي اتفاق سلام مستقبلي. وتتوقع المحادثات، التي تقودها “فرنسا وبريطانيا”، إرسال قوة متواضعة نسبيًا، ربما لا يتجاوز تعدادها عشرات الآلاف من الجنود، يتم نشرها في المدن الأوكرانية والموانيء ومحطات الطاقة النووية وغيرها من البُنية الأساسية الوطنية الحيوية، وفقًا لمسؤول غربي.

ولكن أي نشر أوروبي من هذا القبيل من شأنه أن يكشف عن نقاط ضعف خطيرة بحسّب الـ (إيكونوميست)، فهناك ما يقرب من: (230) لواء روسي وأوكراني في “أوكرانيا”؛ وسوف تُكافح العديد من البلدان الأوروبية لإنتاج لواء واحد قادر على القتال لكل منها.

وبحسّب تقرير لصحيفة (فايننشال تايمز)؛ نُشر الصيف الماضي، فإن أعداد الجنود في الجيوش الأوروبية تتقلص بشكلٍ كبير، إذ تراجعت أعداد القوات المطلوبة في “المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا” خلال العقود والسنوات الأخيرة بسبب عدم الإقبال على التجنيد.

وأضافت الصحيفة، أن مشكلة القوى البشرية تحظى باهتمام أقل بكثير من العتاد الجديد والذخيرة في “ألمانيا” على سبيل المثال، فمع (181) ألف جندي عامل، ينقص الجيش الألماني ما لا يقل عن (20) ألف جندي عما يقول قادته العسكريون إنه يحتاج إليه لتنفيذ مهمته الحالية.

وذكرت أن هذا العجز هو واحد من أكبر النواقص في “أوروبا”، لكن أرقام القوات من “المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية” تُظهر أنه ليس الوحيد. فـ”المملكة المتحدة” لم تُحقق أهداف التجنيد العسكري السنوية كل سنة على مدار العقد الماضي، وفي سنة 2023 فقدت قواتها البرية (4000) جندي.

أما القوات المسلحة الفرنسية، التي تُعد الأكبر في “أوروبا”: بـ (203.850) رجلًا وامرأة، لا تزال تُعاني من نقص في الأعداد التي يقول الجنرالات إنها الأعداد اللازمة والطبيعية، وقد انخفضت بنسبة (8%) منذ سنة 2014. أما في “إيطاليا”، فقد تراجع حجم القوات المسلحة من (200.000) قبل عشر سنوات إلى: (160.900) جندي اليوم.

وأوضحت صحيفة (فايننشيال تايمز)، أن الحلفاء الأوروبيين في الـ (ناتو) يمتلكون على الورق: (1.9) مليون جندي فيما بينهم، وهو ما يبدو كافيًا لمواجهة “روسيا”؛ التي تمتلك: (1.1) مليون جندي و(1.5) مليون جندي احتياطي. ولكن في الواقع، ستواجه دول الـ (ناتو) الأوروبية صعوبة في إرسال أكثر من: (300.000) جندي إلى أي صراع – وحتى في هذه الحالة، سيتطلب ذلك شهورًا من الاستعدادات، فيما تواجه الجيوش الأوروبية أزمة كبيرة في إقناع الشباب بالانضمام إلى الجيوش الذين يبحثون وظائف أكثر ربحية توفر لهم تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة.

وتحتاج “أوروبا” إلى تشكيل (50) لواء جديد، وفقًا لحسابات مؤسسة (بروغل) البحثية؛ التي تتخذ من “بروكسل” مقرًا لها، وكثير منها وحدات “ثقيلة” مزودة بدروع، لتحل محل (300) ألف جندي أميركي تُقدّر المؤسسة أنهم كانوا سيُنشرون في القارة في حالة اندلاع حرب. حيث تُكافح الجيوش الأوروبية لتجنيد عدد كافٍ من الناس حتى بأحجامها الحالية وتحمل مصاريفهم.

02 – أزمة الإنفاق العسكري..

يعترف القادة الأوروبيون بأن أي نشر للقوات سوف يحتاج إلى دعم أميركي كبير ليس فقط في شكل الاستخبارات وأصول الدفاع الجوي، ولكن أيضًا الوعد بالدعم في حالة هجوم “روسيا”.

وتقول المجلة البريطانية إن حقيقة أن “أوروبا” ستُكافح من أجل توليد قوة مستقلة بحجم فرقة لـ”أوكرانيا” توضح حجم المهمة التي تنطوي عليها رؤية المستشار الألماني الجديد؛ “ميريس”. حيث إن تلبية خطط الحرب الحالية لـ”حلف شمال الأطلسي” – بحضور “أميركا” – يتطلب من “أوروبا” إنفاق: (3%) من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو أعلى كثير من المستويات الحالية لمعظم البلدان. ​​

03 – أزمة القدرات العسكرية والتقنية..

بحسّب اقتراح مؤسسة (بروغل) المذكور سلفًا؛ فإن “أوروبا” سوف تحتاج إلى (1400) دبابة لمنع أي اختراق روسي في دول “البلطيق” افتراضات التخطيط التقليدية. وفي كل الأحوال، فإن هذا النوع من الحسابات لا يروي إلا نصف القصة، ذلك أن نشر قوات عسكرية لا يتطلب فقط قوات قتالية في حد ذاتها، بل وأيضًا قدرات عالية.

وتتمتع “أوروبا” بقوات جوية “مثيرة للإعجاب” تضم الكثير من الطائرات النفاثة الحديثة. ولكن هذه الطائرات لا تملك مخزوناً من الذخائر القادرة على تدمير الدفاعات الجوية للعدو أو ضرب أهداف بعيدة على الأرض أو في الجو، كما يوضح الباحث جاستن برونك من المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI). كما أن طياري هذه الطائرات وأطقمها لا يتلقون تدريباً كافياً. ولم تحافظ سوى بعض القوات الجوية الأوروبية، مثل تلك الموجودة في السويد، على كفاءة الطيارين في مواجهة حرب جوية شديدة التعقيد.

وبحسب الإيكونومست، هناك مشكلة كبيرة أخرى تتلخص في القيادة والسيطرة في أوقات الحرب والتي ظلت مرتبطة بالأمريكيين لوقت طويل. فحلف شمال الأطلسي لديه مجموعة مترامية الأطراف من المقار في مختلف أنحاء أوروبا، مرتبطة بالمقر الأعلى للقوى المتحالفة في أوروبا (SHAPE) في بلجيكا، الذي يقوده الأمريكيون منذ وقت طويل. وبحسب ماثيو سافيل، وهو مسؤول دفاعي بريطاني سابق، فإن الأوروبيين ما زالوا يحاولون استيعاب دروس قواعد البيانات الحديثة بمساعدة الذكاء الاصطناعي والاستهداف خلال المعارك.

04 – أزمة نقص الذخيرة..

وإذا كان الأوروبيون -فرضاً- قادرين على توليد قواتهم الخاصة وقيادتها، فإن السؤال التالي هو ما إذا كان من الممكن تزويدهم بالذخائر التي يعانون من نقص شديد فيها. وارتفع إنتاج المدفعية في أوروبا بشكل كبير على مدى السنوات الثلاث الماضية، على الرغم من أن روسيا، بمساعدة كوريا الشمالية، لا تزال متقدمة على الأوروبيين مجتمعين.

وفي 19 فبراير 2025 أفادت صحيفة “فاينانشيال تايمز” نقلا عن مسؤولين في حلف “الناتو” بأن أوروبا تعاني من نقص حاد في الذخائر بعيدة المدى. وذكرت الصحيفة أن “مسؤولين في حلف “الناتو” أكدوا أن أوروبا تواجه نقصاً حاداً في الذخائر بعيدة المدى والمنصات اللوجستيات العسكرية”. وأكد رئيس شركة “راينميتال” الألمانية للصناعات الدفاعية أرمين بابرغر إنه “لم يعد هناك أي مخزونات للأسلحة في مستودعات أوروبا على خلفية إمداد أوكرانيا بها واستنزافها”.

وتحاول أوروبا بشق الأنفس تطوير صناعاتها وذخيرتها بنفسها، فهناك شركة MBDA ، وهي شركة أوروبية عامة مقرها في فرنسا، تصنع أحد أفضل صواريخ جو-جو في العالم، وهو صاروخ ميتيور. وتصنع فرنسا والنرويج وألمانيا أنظمة دفاع جوي ممتازة، لكن كل ذلك سيكون غير كاف بدون مخازن الأسلحة الأمريكية.

وفقاً لورقة بحثية حديثة صادرة عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، وهو مركز أبحاث آخر، فقد اشترت دول حلف شمال الأطلسي الأوروبية بين فبراير 2022 وسبتمبر 2024، 52٪ من الأنظمة الجديدة من داخل أوروبا واشترت 34٪ فقط من أمريكا. لكن هذه النسبة 34٪ غالباً ما تكون حيوية، حيث تحتاج أوروبا إلى أمريكا في المدفعية الصاروخية والدفاع الجوي بعيد المدى والطائرات الشبحية.

لذلك، حتى بالنسبة للأسلحة الأكثر بساطة، فإن الطلب يفوق القدرة بكثير، وهو أحد الأسباب التي دفعت الدول الأوروبية إلى اللجوء إلى البرازيل و”إسرائيل” وكوريا الجنوبية للحصول على المركبات المدرعة وقذائف المدفعية وغيرها من الأسلحة.

05 – الأقمار الصناعية..

تتشابك قلة قليلة من الدول الأوروبية مثل بريطانيا مع الجيش الأميركي وأجهزته الاستخباراتية وصناعته الفضائية العسكرية. وإذا قطعت أمريكا الوصول إلى صور الأقمار الصناعية وغيرها من المعلومات الجغرافية المكانية، مثل خرائط التضاريس، فإن العواقب ستكون عميقة على الجيوش الأوروبية. ولعل السبب الرئيسي وراء مطالبة بريطانيا موافقة أمريكا للسماح لأوكرانيا بإطلاق صواريخ كروز البريطانية من طراز “ستورم شادو” على روسيا العام الماضي هو أن الصواريخ اعتمدت على البيانات الجغرافية الأميركية للاستهداف الفعال.

ويقول الباحث سافيل إن بريطانيا سوف تضطر إلى إنفاق المليارات لشراء صور بديلة، أو اللجوء إلى فرنسا، التي تحتفظ بقدراتها السيادية في هذا المجال. ومن ناحية أخرى، فإن التشابك البريطاني مع أمريكا يمكن أن يوفر أيضاً نفوذاً. فنحو 15% من مكونات طائرة إف -35 التي تستخدمها القوات الأمريكية وقوات الحلفاء تصنعها بريطانيا، بما في ذلك الأجزاء التي يصعب استبدالها مثل مقعد القذف.

06 – القدرات النووية..

وإذا لم تكن المهمة الهائلة المتمثلة في بناء قوات مسلحة تقليدية مستقلة حقاً شاقة بما فيه الكفاية وعلى مستويات مختلفة، فإن أوروبا تواجه تحدياً آخر بحسب “الإيكونومست”: فقد ظلت قواتها التقليدية تحتمي طيلة 80 عاماً تحت المظلة النووية الأمريكية. وإذا كانت أوروبا “وحيدة” حقاً، كما يزعم الرئيس السابق لحلف الناتو راسموسن، فإن المشكلة لا تكمن فقط في أن القوات الأمريكية لن تقاتل من أجل أوروبا، بل إن المشكلة تكمن أيضاً في أن الأسلحة النووية الأمريكية، سواء تلك الاستراتيجية التي تصل إلى عمق روسيا، أو تلك “شبه الاستراتيجية” التي تنشرها أمريكا في أوروبا لتنقلها القوات الجوية الأوروبية، قد تكون غائبة أيضاً.

في 21  من فبراير/شباط 2025، طرح المستشار الألماني الجديد ميرس هذه المشكلة على الملأ. فقال: “نحن في احتياج إلى إجراء مناقشات مع كل من بريطانيا وفرنسا ــ القوتين النوويتين الأوروبيتين، حول ما إذا كان تقاسم الأسلحة النووية، أو على الأقل الأمن النووي يمكن أن ينطبق علينا”. وفي الممارسة العملية، لا تستطيع بريطانيا وفرنسا تكرار الدرع النووي الأميركي فوق أوروبا. وتتلخص إحدى المشاكل في الحجم الصغير نسبياً لترسانتيهما ــ نحو 400 رأس حربي بينهما، مقارنة بأكثر من 1700 رأس حربي روسي منتشر.

ويرى خبراء الأسلحة النووية الأمريكيون أن هذا يكفي للردع، لأنهم يعتقدون أن روسيا سوف تكون قادرة على الحد من الضرر الذي قد يلحق بها في حين تلحق الضرر الأسوأ بأوروبا. وربما يستغرق مضاعفة أو ثلاثة أمثال حجم الترسانات الأنجلو-فرنسية سنوات طويلة، وسوف يلتهم الأموال اللازمة لبناء القوات التقليدية؛ وفي بريطانيا يستهلك الردع بالفعل خمس الإنفاق الدفاعي.

وهناك قضية أخرى تتلخص في أن فرنسا، برغم امتلاكها أسلحة نووية على متن الغواصات والطائرات، لا تمتلك بريطانيا سوى الغواصات، وهو ما يحد من قدرتها على الانخراط في “الطوارئ” النووية في أوقات الأزمات، ما من شأنه أن يعرض للخطر موقع غواصاتها وبالتالي يعرض قوتها الرادعة الاستراتيجية للخطر. وعلاوة على ذلك، برغم أن بريطانيا تستطيع إطلاق أسلحتها النووية دون إذن أميركي، فإنها تستأجر الصواريخ الحاملة من أمريكا وتعتمد على التعاون الأمريكي في توفير المكونات التي تحمل الرأس الحربي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة