كانت لحظة إسقاط تمثال الرئيس العراقي السابق صدام حسين لحظة فاصلة في تاريخ العراق. ففي التاسع من أبريل/نيسان عام 2003 سيطرت القوات الأمريكية على وسط بغداد. وفي ساحة الفردوس وسط العاصمة العراقية أسقط جنود أميركيون تمثال صدام، وسط احتفالات مجموعة من العراقيين الذين كانوا يرقصون فوق حطام تمثال الرجل الذي حكمهم سنين طويلة.
في ذلك اليوم وفي الأيام التي تلته تساقطت عشرات التماثيل للرئيس صدام حسين، ومزق الآلاف من صوره التي كانت تحتل، بأحجامها المختلفة، مواقع ظاهرة في أنحاء العراق المختلفة. كانت صورة صدام حسين تمثل الرمز الأبرز في العراق قبل عام 2003.
ولكن ماهي الرموز التي تمثل عراق اليوم؟ كان هذا سؤالا مهما عندما أتيت إلى بغداد في إطار تغطيتي للذكرى العاشرة لسقوط نظام حزب البعث على يد تحالف عسكري قادته الولايات المتحدة الأمريكية.
دفع إسقاط نظام صدام بموضوع الهوية العراقية إلى السطح. وبات معنى هذه الهوية ومدى قوتها إزاء الهويات الفرعية للعراقيين (الشيعية، والسنية، والكردية، والمسيحية، والتركمانية وغيرها) على المحك.
وتقف المنصة التي كانت تحمل التمثال الشهير في مكانها، ولكنها فارغة، تشهد على أن العراقيين مازالوا يبحثون عن رموز توحدهم وتعبر عن هويتهم الوطنية في مرحلة ما بعد حكم صدام.
وتسير عملية إحلال رموز جديدة في العراق ببطء. وينص الدستور العراقي الذي أقر عام 2005 على وجوب اختيار نشيد وطني وعلم جديدين للعراق. لكن هذا لم يحدث إلى الآن.
والنشيد الحالي هو نشيد (موطني)، وهو من تأليف الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، وتلحين الملحن اللبناني محمد فليفل.
لم يكن (موطني) هو النشيد الوطني الرسمي أثناء حكم صدام، لكن العراقيين عرفوه على مدى عقود واحدا من الأناشيد الوطنية.
وقد اختير هذا النشيد أيام سلطة الائتلاف الأمريكية في عام 2004. ويناقش مجلس النواب العراقي منذ أشهر مشروع قانون ينظم اختيار نشيد جديد.
أما عملية اختيار علم جديد فهي أكثر تعقيدا. فبعد سقوط نظام صدام غير نوع الخط الذي تكتب به عبارة (الله أكبر) في العالم، من خط يد صدام إلى الخط الكوفي. وفي عام 2008 أزيلت النجوم الثلاث التي كانت ترمز لأهداف حزب البعث.
وأي عملية لإجراء تغييرات أكثر جذرية ستواجه خلافات أكبر بين المجموعات الرئيسية في العراق.
ومن الجدير بالاهتمام أن المتظاهرين في المحافظات السنية في العراق، الذين يتظاهرون في أيام الجمع منذ عدة أشهر احتجاجا على مايرونه هيمنة تمارسها حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، يميلون إلى رفع العمل العراقي السابق بنجومه الثلاث.
ورغم كل هذه المؤشرات، قال لي معظم من حدثتهم في بغداد بعد عشر سنوات على سقوط نظام صدام إنهم يعتزون بهويتهم الوطنية العراقية.
وأقر بعضهم بوجود انقسامات طائفية وعرقية لكنهم أشاروا إلى حقيقة أن العراق، وبرغم موجات العنف الطائفي التي ضربته في السنوات الماضية، مازال صامدا كبلد واحد موحد، وان لم تتشكل بعد رموز مرحلته الجديدة.