خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يعيش “العراق” أزمة اقتصادية تجعله واقفًا على حافة الإنهيار، وهو ما جعله يُقبل على طلب مساعدة طارئة من “صندوق النقد الدولي”، وأفاد الأخير بأن المحادثات جارية بين الطرفين.
وسبق وأن قال وزير المالية العراقي، “علي علاوي”، إن “العراق” يُجري محادثات مع “صندوق النقد الدولي” للحصول على حزمة قروض بقيمة ستة مليارات دولار.
وقال “صندوق النقد الدولي”، إن: “السلطات العراقية طلبت مساعدة طارئة من صندوق النقد الدولي؛ بموجب أداة التمويل السريع، وأشارت إلى اعتزامها طلب ترتيب طويل الأمد مع الصندوق لدعم الإصلاحات الاقتصادية المخطط لها”. وأضاف أن: “المناقشات جارية بشأن طلب السلطات لمساعدة طارئة”.
وتوفر أداة “التمويل السريع”، التابعة لـ”صندوق النقد الدولي”، مساعدة مالية سريعة، وهي متاحة لجميع البلدان الأعضاء التي تواجه حاجة ملحة في ميزان المدفوعات.
ويقول “صندوق النقد”؛ إنه بموجب أداة “التمويل السريع” يتم تقديم المساعدة المالية دون الحاجة إلى برنامج كامل أو مراجعة.
وقال “علاوي”، يوم الأحد الماضي، إن “العراق” قد يطلب 4 مليارات دولار إضافية في شكل قروض منخفضة التكلفة، من خلال برنامج آخر مرتبط بالإصلاحات الحكومية.
وكان “العراق” قد خفض قيمة “الدينار”، الشهر الماضي، بعد إنهيار أسعار “النفط” العالمية، التي تمثل مصدرًا رئيسًا للموارد المالية العراقية.
وقال “علاوي”، لـ (بلومبيرغ)، في وقت سابق، إن “العراق” خطط أيضًا لأنواع أخرى من التمويل للمساعدة في سد فجوة الميزانية.
وبمجرد الموافقة على خطة الإنفاق، ستتحرك الحكومة لإصدار سندات محلية بقيمة خمسة مليارات دولار لتوسيع قاعدتها المالية.
ولا يملك اقتصاد “العراق”، العضو في (أوبك)، سوى قاعدة تصنيع صغيرة، وجميع السلع تقريبًا واردات مسعرة بـ”الدولار”.
سرقة الثروات ونهبها !
وتعليقًا على هذا الموضوع؛ قال الخبير في الشؤون العراقية، الدكتور “محمد شنشل”: “إن الأزمة الاقتصادية في العراق تعود لسرقة ثرواته ونهبها بطريقة ممنهجة، وأنه إذا لم يتم إيقاف هذه السرقات سيلجأ العراق لطلب المزيد من المساعدات، حيث خططت السلطات العراقية لأنواع أخرى من التمويل للمساعدة في سد فجوة الميزانية”، مشددًا على: “ضرورة العمل على إعادة هيكلة المنظومة الاقتصادية والمصرفية في العراق، الذي يُصّدر أكثر من خمسة ملايين برميل من النفط يوميًا بعائدات ضخمة”، متسائلاً: “أين تذهب هذه الأموال ؟”.
موضحًا أن “العراق” خارج منظومة المؤشرات الاقتصادية العالمية؛ بسبب الإنهيار الاقتصادي، وهو ما دفع السلطات لطلب المساعدة من “صندوق النقد”، مؤكدًا أن “العراق” لا يملك خيار الرفض لشروط “صندوق النقد الدولي” أيًا كانت، لافتًا إلى أن هناك اقتراضًا داخليًا يتسبب في تدمير المؤسسة الاقتصادية في “العراق”، حيث إن هناك العديد من البنوك الأهلية التي تتبع الفصائل المسلحة؛ وهي من تتحكم بمصير “العراق” الاقتصادي.
قرار الحكومة مرتهن بالخارج !
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي العراقي، الدكتور “رحيم الكبيسي”: إن “القرار العراقي مُصادر منذ العام 2003، ولم يكن له دور فيما يقرر، سواء كان في الاقتصاد أو السياسة، هذا البلد يُصّدر يوميًا أكثر من 3 ملايين برميل من النفط، بسعر لم يهبط عن 50 دولار منذ عدة أشهر، وبالتالي فكرة القرض غير مطروحة لدى أي من أبناء الشارع العراقي، لكن تلك الحكومة والحكومات السابقة مرتهن قرارها للخارج، وحتى موازنة البلاد التي يتم مناقشتها حاليًا هي إحدى وصفات صندوق النقد الدولي، لذا ليس هناك غرابة في أن تفكر الحكومة في الاقتراض أو يملى عليها”.
ميزانية العراق الأخيرة توازي ميزانية 4 دول !
موضحًا أنه من هنا؛ فإن الاقتراض من “صندوق النقد” سيضيف معاناة كبيرة على الشارع الآن والأجيال القادمة، حتى الأطفال الذين لم يولدوا سيكونون مدينين للخارج، والغريب أن الدول المقرضة لـ”العراق”، عبر “صندوق النقد الدولي”، تعلم أن الفساد في “العراق” بلغ ذروته، لكنهم يعلمون أن “العراق” هو ثاني أكبر الدول المُصدرة لـ”النفط” في (أوبك)، وبالتالي لا يعنيهم الفساد؛ لأنهم سوف يستولون على “النفط” في قادم الأيام، وهذه الحكومة لن تستمر طويلاً كما حدث مع الحكومات السابقة، التي صنعها الاحتلال، وما يثير الدهشة هو لماذا توافق الدول الغربية على الإقراض وهي تعلم أن لدى “العراق” أموالاً يمكن أن تكفي إذا ما تم تجفيف منابع الفساد، حيث أن ميزانية “العراق” الأخيرة توازي ميزانية 4 دول.
عراق ما بعد 2003 صناعة أميركية..
وأشار الخبير الاقتصادي: “العراق لا يقترض من أجل الإعمار أو البنية التحتية أو الخدمات، إنما يقوم بإقتراض 6 مليارات وستصل إلى 10 مليارات من صندوق النقد الدولي من أجل دفع المرتبات، في كل دول العالم تستخدم القروض من أجل البنى التحتية”.
وحول الأسباب التي تدفع الدول الغربية، التي صنفت “العراق” خلال الأشهر الماضية ضمن قائمة الدول عالية المخاطر في الاستثمار، نظرًا للفساد وغسيل الأموال المرصود بها، قال “الكبيسي”: “الدول الأوروبية تعتبر أن الأنظمة في العراق، بعد العام 2003، هي صناعة أميركية، وتلك الدول ترتبط بطريقة أو بأخرى مع واشنطن، وبالتالي هم يوافقون على عملية الإقراض رغم كل شيء، في الوقت الذي تعاني بعض الدول الفقيرة من أجل الحصول على قرض لمصلحة المواطن سواء في البنى التحتية أو الخدمات الأساسية”.
لافتًا إلى أن القرار السياسي العراقي اليوم مرهون لجهتين؛ هما “الولايات المتحدة الأميركية” و”إيران”، والمجموعة التي تحكم مرتبطة بشكل كلي مع “واشنطن”، وكل ما يجري في “العراق” هو بإرادة “واشنطن” و”طهران” ولا يد للعراقيين فيه، والحل الوحيد للخروج من تلك الحلقة في يد الشارع العراقي.
قرض سياسي وليس اقتصادي..
بينما أوضح، “د. عبدالرحمن نجم المشهداني”، أستاذ العلاقات الاقتصادية المساعد ـ كلية الإدارة والاقتصاد بالجامعة “العراقية”، إن “العراق” الآن يمر بأزمة مالية نتيجة فشل السياسات الاقتصادية والصراع السياسي والمحاصصة السياسية، التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن من فساد، مشيرًا إلى أن: “الأزمة تفاقمت منذ العام 2020؛ وفي العام الحالي 2021، نتيجة جائحة (كورونا)، المشكلة أن البلاد تعاني من أزمة مالية كبيرة، وتلك المليارات الست التي أبدى صندوق النقد الدولي استعداده لإقراضها للعراق، هو حديث يدور منذ عدة أشهر وأعلن عنه الصندوق”.
ولفت “المشهداني” إلى أنه يعتقد أن هذا القرض، البالغ 6 مليارات تليها 4 مليارات أخرى، يغلب عليه الجانب السياسي أكثر من الجانب الاقتصادي، صحيح أن البلاد في أزمة، لكن لا أعتقد أن هناك حاجة ماسة تدفع “العراق” إلى العودة إلى اتفاقية دعم ومساندة طويلة الأجل من “صندوق النقد”، كان يمكن أن يحدث هذا في النصف الثاني من العام؛ بعدما تتضح ملامح هذا العام، لكن نرى أن الحكومة دائمًا تذهب بالاتجاه السهل وهو الإقتراض.
تدمير الاقتصاد مستقبلاً..
وأكد أن “صندوق النقد” ليس هو الجهة الوحيدة التي أقترضت “بغداد” منها، وهذا المشروع يقوده وزير المالية، “وأرى أن هذا الأمر يذهب باتجاه تدمير الاقتصاد العراقي خلال السنوات القادمة، وليس بناءه”.
وأوضح “المشهداني”: أن “بغداد مدانة حاليًا بقروض خارجية، تبلغ 27 مليار دولار، وهي قروض تستحق عنها فوائد وأقساط، منتصف عام 2022، ومع الإقتراض الجديد سوف يزيد عبء الدين وعبء تسديد الدين على الأجيال القادمة، والتي قد تصل إلى العام 2075، في الوقت الذي يعتمد العراق على النفط كمورد أساس، والمتوقع انخفاض الطلب عليه في العام 2045، فكيف يمكن تسديد تلك الديون المتراكمة عليه بعد هذا التاريخ ؟”.