“يديعوت أحرونوت” : التقارب بين الرياض وبغداد يستهدف طهران

“يديعوت أحرونوت” : التقارب بين الرياض وبغداد يستهدف طهران

خاص : ترجمة – سعد عبد العزيز :

يرى بعض المحللين أن نفوذ إيران يتراجع حالياً في العراق, وأن القيادة الإيرانية تتابع بقلق التحسن غير المسبوق الذي طرأ على العلاقات بين بغداد والرياض. وفي هذا السياق نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بالعبرية مقالاً للكاتب الإسرائيلي “روعي كايس”, يرصد فيه المحاولات السعودية للتقارب مع العراق للحد من النفوذ الإيراني هناك.

يقول “كايس”: “عادة ما يقول المسؤولون الإسرائيليون إن إيران تسيطر على أربع عواصم في الشرق الأوسط وهي: “بيرون وصنعاء ودمشق وبغداد”. ولكن على الأقل فيما يخص العاصمة الأخيرة فإن الوضع بات أكثر تعقيداً بعد التحسن غير المسبوق في العلاقات بين السعودية – العدو اللدود لإيران – والحكومة الشيعية في بغداد.

المالكي” سبب تدهو العلاقات بين الرياض وبغداد..

يشير الكاتب الإسرائيلي إلى أن أزمة العلاقات بين السعودية والعراق بدأت مع غزو العراق للكويت في آب/أغسطس عام 1990, مما أدى إلى قطع العلاقات بين الدولتين. وكان من المفترض بعد الإطاحة بـ”صدام حسين” عام 2003 أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه, لكن “نوري المالكي” المنتمي لـ”حزب الدعوة الشيعي”, والذي تولى زمام الحكم في العراق, لم يسهم في عودة العلاقات, لأنه تبنى سياسة تتسم بالمحاباة الشديدة للمواطنين الشيعة الذين يمثلون الأغلبية في البلاد.

ولقد استغلت إيران سياسة “المالكي” لترسيخ نفوذها في العراق, إلى أن ترك “المالكي” منصبه في آب/أغسطس 2014, بسبب تمدد تنظيم “داعش” في البلاد وسيطرته على مدينة الموصل, بالإضافة إلى اندلاع المظاهرات العارمة للمواطنين السنة ضد سياسته الطائفية.

العبادي” يصلح ما أفسدة “المالكي”..

يضيف “كايس”, أن “حيدر العبادي” تولى المنصب بعد “المالكي” وتمكن خلال ثلاث سنوات من تحرير معظم المناطق التي سيطر عليها تنظيم “داعش”. ورغم أن “العبادي” ينتمي لـ”حزب الدعوة” الشيعي الذي كان ينتمي إليه “المالكي”, إلا أنه منذ توليه السلطة دعا إلى الوحدة والترابط وكان أكثر حيادية من سابقه لا سيما فيما يتعلق بالتعامل مع المواطنين السنة.

وفي عام 2015 بدأت السياسة المختلفة التي انتهجها “العبادي” تؤتي ثمارها. حيث قامت السعودية لأول مرة منذ عام 1990 بفتح سفارتها في بغداد, وتم تعيين “تامر السبهان” في منصب السفير. لكنه أثار أزمة جديدة بين الطرفين بعدما قال إن العراق تساعد شخصيات إيرانية تمارس الإرهاب لحرق الشعب العراقي في حرب طائفية خلال عملية تحرير مدينة “الفلوجة”.

السعودية تسعى للتقارب..

يرى الكاتب الإسرائيلي أن محاولات التقارب السعودية بدأت في شباط/فبراير الماضي, عندما قام وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” بزيارة نادرة لبغداد, وأعلن خلالها أن السعودية تحترم سيادة العراق.

واستمرت محاولات التقارب بزيارة وزير الطاقة السعودي “خالد الفالح” لبغداد, في شهر آيار/مايو الماضي. كذلك تلقت العراق دعوة من السعودية للمشاركة في مؤتمر الولايات المتحدة والدول الإسلامية, أثناء زيارة “دونالد ترامب” للرياض. وكان الملك السعودي “سلمان بن عبد العزيز” ورئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” قد ألتقيا من قبل على هامش مؤتمر القمة العربية في الأردن.

وفي شهر حزيران/يونيو الماضي, وصل رئيس الحكومة العراقي “العبادي”, في أول زيارة له للسعودية, والتقى الملك “سلمان بن عبد العزيز” ونجله “محمد بن سلمان”. واتفق الطرفان خلال الزيارة على تشكيل مجلس تنسيقي مشترك.

قيادات شيعية عراقية تدعم التقارب مع السعودية..

بحسب “كايس”, فإن الزيارات المتلاحقة للمسؤولين العراقيين للسعودية لم تتوقف, حيث وصل أحد الشخصيات المؤثرة في الطائفة الشيعية وهو “مُقتدى الصدر” لمقابلة ولي العهد السعودي. أما الذي استقبله هناك فكان هو “السبهان” السفير السابق في العراق والوزير الحالي لشؤون الخليج. والذي أعلن في تغريدة له على “تويتر”, بعد زيارة “الصدر”, قائلاً: “إن لغة الاعتدال والتسامح والحوار يجب أن تكون هي السائدة حتى يمكن تحقيق مصالحنا العليا”. وتعكس هذه التصريحات مدى رغبة الرياض في التقارب مع حكومة بغداد والقيادات الشيعية المؤثرة, بهدف انتشال العراق من النفوذ الإيراني. وكان السعوديون قد شعروا بالارتياح من قول “الصدر” بوجوب تنحي “الأسد” عن حُكم سوريا, وهو ما يتعارض مع موقف إيران التي تُعتبر من أهم الداعمين للأسد. وكان “الصدر” قد دعا أيضاً الحكومة العراقية, مؤخراً, لتفكيك قوات “الحشد الشعبي” المدعومة إيرانياً وضمها للجيش الحكومي.

فتح المعبر الحدودي..

يؤكد “كايس” على أن أهم خطوة عملية للتقارب بين السعودية والعراق قد تحققت بالفعل مؤخراً من خلال افتتاح “معبر عرعر” الحدودي الرئيس, الذي ظل مُغلقاً طيلة 27 عاماً, بعد قطع العلاقات عام 1990. وينم فتح المعبر عن التحول الجديد في العلاقات بين السعودية والعراق اللتين تفصلهما حدود شاسعة بطول 418 كم.

ويرى الكاتب الإسرائيلي أن افتتاح المعبر يعني بدء صفحة جديدة من التبادل التجاري, الذي سيؤثر إيجابياً على الأسواق في البلدين. وهناك خطوات أخرى سوف تتم, مثل افتتاح قنصليات سعودية في المدن التي تقطنها أغلبية شيعية كـ”النجف والبصرة”, بالإضافة إلى افتتاح “منفذ الجميمة” الحدودي.

ونقل “كايس” عن المحلل العراقي للشؤون السياسية “محمد الوكيل”, قوله: “إن الانفتاح السعودي الآخير في العلاقات مع العراق, هو نتيجة لتوجيهات أميركية لدول معينة في المنطقة لتحسين علاقاتها بالعراق, للحد من نفوذ إيران في الساحة العراقية”. وأضاف مُعلقاً: “سواء كان هذا القول أقرب إلى الحقيقة أم لا, فإن التواجد الإيراني في العراق يُعد دافعاً قوياً للسعودية وشركائها من أجل التقارب مع بغداد. ومع ذلك فهناك بالطبع مصالح أخرى اقتصادية وأمنية ودينية للدولتين”.

مكاسب الدولتين من التقارب..

يعتقد الكاتب الإسرائيلي أن السعودية تسعى من خلال تحسين علاقاتها ببغداد إلى استعادة نفوذها في العراق, ليس فقط للتضييق على إيران, وإنما أيضاً لدعم الحرب على تنظيم “داعش” الذي بات يهدد أمن المملكة خلال السنوات الأخيرة. أما العراق فإنها ستستغل مساعي التقارب السعودي للخروج من عزلتها في العالم العربي, الذي يعتقد بأنها تخدم الأجندة الإيرانية. كما أن التقارب مع السعودية يخدم المصلحة السياسية لرئيس الوزراء “حيدر العبادي”, حيث سيعزز مكانته في مواجهة المرشحين المحتملين وعلى رأسهم “نوري المالكي”. وهناك بالطبع مصالح اقتصادية لأن التقارب سيؤدي إلى فتح المعابر الحدودية التي كانت مُغلقة بسبب انعدام الأمن وهيمنة تنظيم “داعش”. كما أن السعودية الغنية يمكنها مساعدة العراق على إعادة التعمير بعد القضاء على “داعش”. ويمكن القول إنه كلما تراجع نفوذ “داعش” كلما أصبحت العراق أكثر جذباً لدول المنطقة.

موقف طهران..

يوضح “كايس” قائلاً: “لقد كانت العراق, ولا تزال, تحتل أولوية الاهتمام في إجندة إيران الإقليمية, حيث تود طهران الحفاظ على العراق كدولة موحدة تحت النفوذ الشيعي وحليف خاضع للنفوذ الإيراني, ولهذا فإن إيران باتت تشعر بالقلق بعد الزيارة التي قام بها المسؤول الشيعي الكبير “مقتدى الصدر” للسعودية.

ولقد أبدى الإعلام الإيراني اهتماماً خاصاً بتلك الزيارة غير التقليدية معتبراً أنها تأتي في سياق المحاولات السعودية للحد من النفوذ الإيراني في العراق بعد الانتصار على تنظيم “داعش”. ولكن ليس “مقتدى الصدر” وحده هو من يُقلق إيران التي تستاء أيضاً من سياسة رئيس الوزراء “حيدر العبادي” الذي يتبنى نهجاً مستقلاً عن طهران ولا يريد أن تسير دولته في فلك إيران.

كما لا تشعر طهران بالارتياح من موقف “العبادي” تجاه الميليشيات الشيعية التي يريد إخضاعها للقيادة العامة للجيش العراقي, ومن علاقاته بالولايات المتحدة والمملكة السعودية اللتين تعملان على إحباط تطلعات طهران لبسط نفوذها الإقليمي.

في الختام يقول الكاتب الإسرائيلي إن خطوات تطبيع العلاقات بين الرياض وبغداد على أشدها, لكن من السابق لآوانه معرفة تداعياتها وهل ستُحد بالفعل من النفوذ الإيراني في العراق أم لا. لكن التطورات والتحركات الآخيرة تثبت من جديد أن كثيراً من دولة المنطقة لا تزال تعتقد أن سباق الهيمنة على بغداد لم يُحسم لصالح إيران بعكس ما يرى كثير من المحللين والسياسيين الإسرائيليين.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة