وكالات – كتابات :
كشفت ثلاثة مصادر مطلعة، عن مقترح عُرض على “العراق”، يفضي بتوطين لاجئين أفغانيين في الأراضي العراقية، مقابل إمتيازات تحصل عليها “بغداد”، فيما يبدو محاولة لإيجاد مخرج للتخبط الحاصل في الانسحاب الأميركي من “أفغانستان”. وبرغم أن أي جهة عراقية رسمية لم تتبنَ خطة التوطين هذه، إلا أن ردود الفعل المختلفة عليها، توحي بأن ستكون بمثابة قنبلة موقوتة، فيما لو جرى المضي قدمًا فيها.
فشل أميركي ذريع..
“الولايات المتحدة” نجحت إلى حد كبير في تأمين انسحاب لقواتها العسكرية من الساحة الأفغانية، قبل حلول الموعد النهائي للخروج، في 31 آب/أغسطس الماضي، إلا أنها تأخرت إلى حد الفشل في التعامل مع ملف الأفغان المتعاونين معها، لدرجة تدفق فيها عشرات الآلاف من المواطنين الأفغان إلى المطار في محاولة لإيجاد مخرج آمن من العاصمة، “كابول”.
وشكلت هذه المشاهد، بما فيها محاولات أفغان التشبث بطائرات عسكرية أميركية أثناء إقلاعها، بالإضافة إلى التفجير الانتحاري الذي استهدف الجموع المحتشدة عند المطار وأوقع عشرات الضحايا؛ بينهم: 13 من الجنود الأميركيين الذين قُتلوا، إحراجًا كبيرًا لإدارة، “جو بايدن”، والدول الحليفة التي حاولت تسريع خطوات معالجة ملف المتعاونين، وهم بعشرات الآلاف على أقل تقدير، وبنقلهم بطائرات عسكرية إلى دول مجاورة بينها: “قطر والإمارات والبحرين”، كأماكن إيواء مؤقتة، على أمل ترتيب توطينهم في دول أخرى.
تخبط “أميركي-أوروبي”..
ولأن “واشنطن” تعتبر مسؤولة عنهم – أقله أخلاقيًا – فإنها أعلنت عزمها تسريع إجراءات توطين الآلاف منهم على الأراضي الأميركية، لكن عدد الهاربين أكبر من أن تستوعبهم دولة واحدة.
وفيما يتخبط “الاتحاد الأوروبي” إزاء فكرة التوطين، بعدما استوعبت دوله عشرات آلاف اللاجئين خلال السنوات الماضية، من: “العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان” وغيرها من الدول، ولهذا يجد الأوروبيون صعوبة في اتخاذ موقف موحد من خطة التوطين، تم التداول باحتمال أن تبادر “تركيا” إلى استيعابهم، لكنها حتى الآن، لا تبدي ترحيبًا بالفكرة.
الملف يدخل السوق الطائفي..
وأشارت المصادر المطلعة، خلال حديث لوكالة (شفق نيوز) العراقية، إلى تضافر “إقليمي-دولي” حول فكرة توطين هؤلاء في “العراق”، فالاقتراح، كما يبدو؛ طرح من الجانب الإماراتي والقطري، خلال “قمة بغداد”، والرغبة هي أميركية أساسًا، ويبدو أن الإيرانيين يرحبون بها بشكل مبدئي، لكن وفق معيار محدد، وهو إدراج توطين لاجئين من الشيعة الأفغان في “الأنبار”.
لكن من الواضح أن الملف داخل سوق البازار “السياسي-الطائفي”، في “العراق”، من خلال محاولات التفاهم على تقاسم “سني-شيعي” للاجئين المفترض توطينهم في “العراق”، وفق ما تقول المعلومات.
وتضيف المصادر إن الإماراتيين والقطريين طرحوا، خلال “قمة بغداد”؛ فكرة توطين: 10 آلاف لاجيء أفغاني، كمرحلة أولى، على أن تليها دفعات أخرى، في المقابل يتلقى “العراق” إمتيازات؛ من بينها مبلغ مليار دولار تدفع فورًا.
وبحسب المصادر، التي سردت التفاصيل؛ من بين الأماكن التي تم طرحها كموقع لمخيمات اللاجئين الأفغان، محافظة “الأنبار”؛ وبالتحديد في محيط قاعدة (عين الأسد) الأميركية.
رفض “الأنبار” والبحث عن أماكن أخرى..
وبينما رفضت محافظة “الأنبار” مشروع توطين الأفغان في مناطقها، أكدت مصادر مطلعة أن المشروع قيد الدراسة، واختيار المدن المناسبة جغرافيًا لإيوائهم وفق ضوابط محددة.
وقال مستشار محافظ الأنبار، “سفيان العيثاوي”: “في حال تأكدت المعلومات لدينا إزاء ذلك؛ فإنه سيواجه بالرفض من قبل جميع سكان الأنبار”.
وقال “العيثاوي”: “بصفتي المتحدث الرسمي باسم عشائر الأنبار المتصدية للإرهاب، أعلن أن جميع المتصدين للملف الأمني للمحافظة؛ سيواجهون مثل تلك المشاريع بالرفض، فضلاً عن مواجهة الإرهاب بكل صوره وبالطرق الأمنية المتاحة لنا، لاسيما أن المحافظة عانت كثيرًا قبل تحريرها من قبل القوات الأمنية المختلفة، وبالتعاون مع الحشدين: العشائري والشعبي؛ وبالتالي المواجهة الشرسة ستكون حتمية لوأد تلك المخططات”.
جس نبض !
من جهته؛ ذكر قيادي شيعي، للوكالة العراقية؛ إن: “الأمر حتى الآن؛ عبارة عن جس نبض للشارع العراقي قبل اتخاذ أي خطوة في ذلك؛ كما أنه قيد الدراسة لتحديد جغرافية توطينهم إلى جانب أن التعامل مع النازحين الأفغان، فيما لو وصلت قوافلهم إلى العراق، سيكون حذر جدًا لئلا يتكرر سيناريو القتال مع (داعش) إبان سقوط الموصل، في حزيران/يونيو العام 2014”.
وأشار القيادي، الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه: “قد تسمح السلطات العراقية بدخول النساء والأطفال الأفغانيين؛ مراعاة لظروفهم الإنسانية، وستحدد إقامتهم بالقرب من مخيمات النازحين في شمال البلاد لقطع الطريق أمام المتصيدين بالماء العكر”.
وتابع قائلاً أن: “الأعداد التي قد يسمح بإيوائها في مناطق العراق ستكون بسيطة”.
وأضاف أن: “بعض وجهاء المحافظة، ممن كانوا يتزعمون فصائل مقاومة ضد تنظيم (القاعدة)؛ التي كانت تنشط في الأجزاء الغربية للبلاد، رحبوا بالمشروع”. ولفت إلى أنه: “قد يصار إلى إيواء الأفغان قرب مخيم (الهول)؛ القريب من الحدود (العراقية-السورية) لتفادي أية تبعات في ذلك”.
“الأمن” النيابية لا تعلم !
لكن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، “عمار الشبلي”، أكد في اتصال مع (شفق نيوز)؛ أن لجنته لم تسمع عن أية اتفاقات سرية تخص إيواء الأفغان، لكن بشكل إجمالي يبقى الملف متروكًا للحكومة.
وباءت المحاولات بالفشل للحصول على تعليق حكومي بهذا الملف.
من جهته؛ أكد “مالك النجرس”، نائب الأمين العام لحزب (العزة الوطنية)، المنضوي ضمن تحالف (التضامن)، الذي ينشط في “الأنبار”؛ أنه: “أطلع على هكذا معلومات فيما يخص بوجود مقترح إقليمي لتوطين الآلاف من الأفغان قرب قاعدة (عين الأسد)، التي تضم قطعات عسكرية أميركية، وهذا الأمر بحد ذاته مقلق كونه يمثل قنبلة موقوته بل نخشى من تبعاته”.
وأضاف، نخشى أن يكون المشروع باتفاق بين الجارة الشرقية: “إيران” و”أميركا”؛ لحماية مصالحهم في البلاد، لكن إذا كان مقترح المشروع أميركي فقط؛ فيمكننا القول: “الشر أهون”، لكن إذا ما كان باتفاق الطرفين المشار إليهما؛ فإنه حتمًا قد يُعيد الفتنة الطائفية للمحافظة، وهو ما نرفضه؛ ونؤكد رفضنا للمشروع إذا ما تم تطبيقه على أرض الواقع وسنستخدم كل الوسائل البسيطة المتاحة لنا للتعبير عن رفضنا.
وأضاف: “توطين الأفغان؛ إذا كان مسعى من الجارة الشرقية؛ فهو حتمًا يسعى لحماية مصالحها من جهة ولبسط نفوذها بالمحافظة من جهة أخرى، خاصة إذا أقتصر الأمر على توطين الشيعة من الأفغان حصرًا”.
يُذكر أن وزير الخارجية الأميركي، “آنتوني بلينكن”، قد أعلن، في تصريحات خلال زيارته الأخيرة لـ”الكويت”، أنه بحث مسألة توطين الأفغان: “مؤقتًا”، دون الإعلان عن تفاصيل هذه المباحثات.
لن يمر بسلام..
وعلى الصعيد نفسه؛ تحدثت وكالة (شفق نيوز)؛ مع عدة قيادات في (الحشد الشعبي)، وأخرى في “النجف”، حيث أكدت أن المشروع: “لن يمر بسلام”.
وأوضحت أن: “مشروع توطين أفغان أو غيرهم من جنسيات أخرى؛ لا يخدم أمن واستقرار البلاد، لاسيما المحافظات المحررة، لكنها لم تنف وجود معلومات تفيد بأن إيران لا تمانع من فكرة المقترح، لكن مع إضافة توطين العائلات الأفغانية الشيعية في الأنبار”.