يحدث في العراق وحده .. الأعراس تتغنى بالموت والقتل!

 يحدث في العراق وحده .. الأعراس تتغنى بالموت والقتل!

ربما يبدو غريبا أن تستمع الى أغنية تتحدث عن الموت والقتل وزيارة المقابر أثناء حضورك مناسبة سعيدة كأن تكون حفلة عرس أو حناء أو خطوبة أو ولادة وما إلى ذلك، لكن هذه الغرابة لن ترافقك في هكذا مناسبات إذا كنت في العراق.
لا تخلو الحفلات التي تقام اليوم للمناسبات السعيدة من أغنية تتضمن مصطلحات عن الموت والقتل من بين الكم الهائل من الأغاني التي لا يمكن إحياء حفل سعيد من دونها.
أشهر هذه الأغنيات التي يكاد لا يخلو حفل منها تقول في مطلعها “يا ستار” وهي تحمل الاسم نفسه وهاتان الكلمتان العاميتان باللهجة العراقية تعنيان بمفهومهما العام “يا رب نسألك الستر” كما يقصده العراقيون من الجملة المشهورة في الحياة اليومية والتي لا تقال إلا في أوقات الشدة والخوف.
وتتحدث الأغنية عن دخول العراق في حالة إنذار بسبب الحرب ضد داعش (تنظيم الدولة الاسلامية) وهي تحاول رفع الحماس والهمة لدى ابناء الشعب من خلال القول إن زيارة المقابر باتت نزهة لدى العراقي وإن المقاتل العراقي دائما ما يشبّه بالموت من قبل أعدائه، وغيرها من معانٍ.
كما تتحدث أغنية أخرى عن أن ساعة الصفر باتت قريبة جدا وأخرى عن أن العراقي بات يأخذ صورا مع الموت ويرحب به وغيرها الكثير. ومن غير المعقول طبعا أن يستمع الحاضرون في حفل عرس مثلا لهذه الكلمات أو أن تستمع العروسة في ليلة عمرها لجملة “هلا بالموت”، رغم إن العراقيين أحيانا يشبهون الزواج بالموت من باب المزاح والفكاهة.
لكن وكما يقول المثل السائر “إذا عرف السبب بطل العجب”، فإن الضيافة الشرفية لهذه الاغاني في الحفلات السعيدة يعود إلى ألحانها بالدرجة الأولى فالقائمون على كتابة الكلمات وتلحينها وتوزيعها موسيقيا عمدوا الى جعلها مناسبة للذوق العام.
هذه الأغنية وغيرها بكل بساطة تم تأليفها لدعم القوات الأمنية والحشد الشعبي في الحرب ضد تنظيم داعش لا لأسباب أخرى، فتم اختيار ألحان لها تناسب كل فئات الشعب العراقي لتتسع دائرة الدعم المرجو.
إلا أن هذه الأغنيات خرجت عن كونها مجرد أغنيات حماسية لشحذ الهمم إلى أغنيات شعبية يتغنى بها العراقيون في كل حفل وفي كل مناسبة بل إنهم يستمعون إليها في أغلب الأوقات.
ليس بالضرورة أن يكون الهدف من تشغيل هذه الأغاني هو إعلان دعم القوات الأمنية والحشد الشعبي لكنها استطاعت أن تسهل من تحقيق هذا الهدف إذ أن استماع الجميع لها يوحي بأن الجميع يريد إعلان الدعم لمن يدافع عنه في جبهات القتال.
ظاهرة تشغيل الأغاني الحماسية في الحفلات، إن صح وصفها بالظاهرة، بدأت في الحفلات التي يقيمها عناصر القوات الأمنية والحشد الشعبي لمناسباتهم إلا أنها اتسعت لتشمل جميع الفئات الأخرى فلا تجد حفلا اليوم يخلو منها.
“وجود هذه الأغاني ضروري في الحفل لأن الرقص يكون أحلى معها” يقول محمد محمود.
ويضيف محمد متحدثا لموقع نقاش الإخباري “دائما أتعمد الذهاب الى حفلات العرس مع الأصدقاء والأقارب والمعارف ولا نجد فسحة للرقص بحرية أكثر من التي توفرها لنا هذه الأغاني”.
أما منظمو الحفلات فوجدوا أنفسهم مضطرين أو منصاعين لهذا التطور الطبيعي في حاجة الحفلات التي ينظموها لأغنيات مماثلة.
يقول أحمد البدري وهو منسق موسيقي في إحدى قاعات استضافة الحفلات “بصراحة لا أحد يطلب منا أن نشغل هذه الأغنية أو تلك لكن هذه الأغاني باتت تقليدا وموضة في كل حفل نحييه هنا في هذه القاعة”.
ويضيف أحمد المعروف بـ”أحمد دي جي” ان “هذه الأغاني بألحانها الراقصة وبكلماتها الشعبية السلسة تخلق جوا أكثر صخبا وبهجة وتجعل الجميع يندمج بجو الحفل”.
الألحان الراقصة التي يتحدث عنها أحمد جعلت هذه الأغاني تخرج من إطار شهرتها في العراق إلى خارج حدوده لتصل أوربا وأميركا سواء مع المهاجرين أو افراد الجاليات العراقية هناك.
فمواقع التواصل الاجتماعي تضج بمقاطع فيديو تظهر فتيات من بلجيكا مثلا أو من السويد أو الولايات المتحدة وهن يرقصن فرحات بالموسيقى الغريبة عن ثقافتهم من دون معرفة حتى معاني الكلمات التي تحملها.
يتساءل أكرم العتابي وهو شاعر مغترب “في الخارج يعرفون الموسيقى العراقية من ألحان كاظم الساهر مثلا فما الضير إن عرفوها من هذه الأغنيات أيضا”؟
ويضيف العتابي “بغض النظر عن المقارنة فإن أي أغنية تخرج الى نطاق أوسع وتلقى شهرة لها خارج المكان الذي ولدت فيه تحمل معها رسالة لجمهور جديد بالتعرف على الثقافة التي أنتجت هذه الأغنية وهذا الأمر يخدم الهدف من الأغنية أيضا إن كانت حماسية”.
إذن يمكن القول إن الالحان المميزة لهذه الأغاني ساعدت في انتشارها بسرعة كبيرة جدا كما يمكن القول إن البحث عن الانتشار جعل القائمين عليها يبحثون عن هذه الألحان فيها وفي كلتا الحالتين تحقق المطلوب.
لكن ثمة من يؤشر الى بعض الملاحظات الفنية على هذه الأغنيات رغم اقتناعه بأنها ناجحة على المستوى الفني نفسه.
يقول الناقد الفني عباس فاضل “من الناحية الفنية هنالك الكثير من الانتقادات التي توجه لهذه الأغاني من حيث فقدانها لمقومات النجاح الأساسية الثلاث وهي الكلمة واللحن وصوت المؤدي فأكثرها من الناحية الفنية لا تتمتع بهذه المقومات لتكون أغنية متكاملة فنيا لكنها انتشرت لكون الذوق العام يسمح لها أن تكون حاضرة وبقوة أيضا”.
ويضيف “أي نجاح لأغنية كهذه يؤكد أن هذه العناصر الثلاثة لم تعد دستورا لنجاح أي أغنية وأن الذوق العام تغير كثيرا وهذا لا يعني أنه في تراجع بقدر ما يعني أن هنالك حاجة لدى المستمع العراقي في أن يتذوق هذا النوع من الألحان للرقص والفرح من دون الاكتراث بمعناها أو عناصرها الفنية”.
العراقيون دائما ما كانوا يستمعون الى أغنيات وطنية وحماسية في مناسباتهم الخاصة نظرا للظروف التي مر بها العراق على مدى سنوات لكن هذا الأمر كان محدودا جدا أما اليوم فدائرة انتشار الأغنيات الحماسية والوطنية في المناسبات بدأت تتسع لتكون هذه الأغنيات في أعلى قائمة كل حفل.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة