كتب – محمد بناية :
كُتب على جدار مكتبة “دونالد ترامب” في منهاتن: “مرعوب باستمرار على عكس الضغوط السلبية”.
هذه الجملة لم ترد في خطاب ملحمي للرئيس الأميركي, وإنما مجرد تويته أخدتها المكتبة من مجموع تويتات عجيبة وغريبة لـ”ترامب” ووضعتها على الجدار. وفي الأدب السياسي المعاصر إذا ما راجعت تصريحات قادة الدول على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” ستكتشف تدنى مستوى الأدب السياسي إلى أدب السوقة والشوارع.
لقد كتب “ترامب” التويتات التالية في غضون 6 دقائق: “الأولى: “سمعت أن جو صاحب البرنامج الفاشل يسئ لي. أنا لم أعد أرى برنامجه. ولكن ما حدث أن ميكاي منخفض الذكاء، حضر بصحبة جو المجنون ليلة السنة الجديدة إلى مارالاغو – فيلا ترامب في فلوريدا – وأصرا على مقابلتي”. الثانية: “وجه ميكا كان دامي وسئ بسبب جراحة تجميلية، لكني قلت لا”.
حملة تويتات على “الصباح مع جو”..
تفاصيل القصة, كما يسردها موقع صحيفة “الدبلوماسية” الإيرانية، تعود إلى زواج “ميكا برغنيسكي” و”جو اوسكاربارا” مقدما برنامج “الصباح مع جو” على شبكة “أم. أس. إن. بي. سي” الأميركية مطلع العام الجاري. وكانا قد دعيا مراراً “دونالد ترامب” أثناء المنافسات الانتخابية للظهور في البرنامج وإجراء حوار تليفزيوني، حتى أن بعض معارضي “ترامب” انتقدوا “ميكا وجو” لفتحهما المجال أمام “ترامب”.
لكن تغيرت مؤخراً رؤية برنامج “الصباح مع جو”, وتحولت لانتقاد “ترامب”. وقد استتبع هذه الرؤية الجديدة أشد هجوم شخصي لترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض. وقد أثارت تويتات “ترامب” ردود أفعال سلبية كبيرة بين الإعلاميين والسياسيين الأميركيين، بل وصف الجمهوريون هذه الحملات بالسخيفة والجنسية.
ولم يقتصر الأمر على تدني مستوى الأدب السياسي لترامب فقط، وإنما تثير باستمرار وسائل الإعلام اليمينية والمردوخية (وسائل الإعلام المملوكة لبرورت مردوخ) ومنها “التايمز، وسان وساندي تايمز” في بريطانيا، و”فوكس نيوز” في الولايات المتحدة الأميركية ادبيات “ترامب” السياسية. وتتهم هذه الوسائل التي يعتبرها “ترامب” ضمن التيار الإعلامي الصحيح والمناهض, بحسب “ترامب”, للإعلام المحرض على “الأخبار الكاذبة” والمزور, متهماً الآخرين بالكذب والتزوير بينما هو نفسه كاذب ومحتال.
قصته مع “مورجان”..
إنه لمن الطريف تناغم ترامب ووسائل الإعلام المؤيدة له. ولطالما ضربت “واشنطن بست”, بشكل خاص, المثال بـ”بيريز مورجان” الذي فُصل من منصبه كسكرتير “الديلي ميرور” البريطانية على خلفية نشر صور مزيفة لجندي بريطاني في العراق. فاتجه إلى الولايات المتحدة الأميركية وبدأ التعاون المشترك مع مجموعة برامج ترامب التليفزيوينة بسبب التطابق في الأفكار. وقد استمرت الأحاديث بين “ترامب” و”مورجان” على “تويتر” من شباط/فبراير 2011. وما إن فقد “مورجان” عمله في الـ”سي. إن. إن” بسبب التزوير والتزييف، حتى سارع “ترامب” إلى التعليق على “تويتر” بقوله: “أهنئكم بالمنصب الجديد في كبري وسائل الإعلام الأميركية”, وهي “میل آنلاین” سيئة السمعة. ولم تكن تويتات “مورجان” أثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية تستهدف سوى “هيلاري كلينتون وتحقيقات الـ”إف. بي. أي” ونشر الشائعات ضد الديمقراطيين”.
لقد كان هدف ترامب ومورجان “التزوير !.. تزويير العالم الافتراضي”, والمخاطب بين الرجلين مشرك وهذا الاشتراك يصنع لهما مستقبلاً مشتركاً ومتداخلاً. والمزورون هم أشخاص لا طاقة لهم على التكفير. يعيشون حياتهم في العالم الافتراضي. لكن هل عددهم قليل ؟.. تثبت صناديق الاقتراع حول العالم شيئاً آخر، وهي أن عددهم ليس قليلاً فقط وإنما يعملون متحدين عبر وسائل الإعلام الخاصة. في المقابل يعيش الأفراد العاديون في جزر منعزلة خائفون ومتفرقين.
“تويتان ترامب” لجمع المزورين ومحتالي الإعلام..
قد شرعت صحيفة “الاندبندنت” البريطانية في إعداد دراسة شاملة حول “توتيات ترامب”, وسيلة الإعلام الرئيسة للرئيس الأميركي, تلك الوسيلة التي يعتقد الكثيرون, كما يقول موقع صحيفة “الدبلوماسية” الإيرانية, أنه استخدمها في جمع المزورين والمحتالين وأوصلوه إلى السلطة. وشملت الدراسة الفترة منذ إنشاء “ترامب” أكونت رسمي على موقع التدوين القصير “توتير” وحتى نيسان/أبريل 2017, وأسفرت عن نتائج مذهلة هي: “استعمال ترامب لألفاظ نابية أكثر من ألف مرة، وحطم الرقم القياسي في استخدام كلمة سئ بحوالي 598 مرة، كما استفاد من كلمة هزيمة وأشباهها بما يعادل 432 مرة. كما وردت كلمة كراهية ونظيراتها في “تويتات ترامب” أكثر من 287 مرة. واستخدم كلمة الخاسر في وصف الآخرين 157 مرة.
والحقيقة أن معظم “تويتات ترامب” تحمل طابعاَ شخصياً وتهاجم الآخرين. فحمل على “باراك أوباما” حوالي 2586 مرة, وعلى “هيلاري كلينتون” 986 مرة. في المقابل أثنى على “فوكس” (وسيلة الإعلام الصديقة) حوالي 449 مرة, ولم يمجد أحداً آخر سوى ابنته “ايفانكا ترامب”. ولم يعرب عن ندمه مطلقاً حيث خلت تويتاته من كلمات أسف، وأشعر بالحسرة، وأعتذر وغيرها. حتى أنه لم يعرب عن أسفه وعزائه حيال الكثير من العمليات الإرهابية حول العالم أو وفاة الشخصيات المهمة.
وعلينا الاعتراف أن هذه العالم الذي أسفر عن “ترامب”, هو عالم ذو شخصيات عنيدة، وأنانية وسيئة الخلق. شخصيات لا ترى سوى نفسها فقط ولا تأبه لأي شئ سوى نفسها ومصالحها. والعالم المعاصر يفكر بهذه الطريقة، هذا العالم الذي أوجده “ترامب” وفي المقابل جعله رئيساً للجمهورية وجعل حسابه على “توتير” الأكثر انتشاراً. وإذا ما أمعنا النظر في هذا الأدب السياسي المعاصر فسوف نلمح وجوده في داخلنا، ولذا نحن جميعاً مسؤولون عن هذا الخراب.